فقه أحكام الأسماء والصفات (٨)
وهو سبحانه منزه أن تكون صفاته الفعلية كصفات المخلوقين كالاستواء على العرش، والنزول إلى السماء الدنيا، والمجيء لفصل القضاء، والرضى والغضب وغيرها.
فتشبيه الخالق بالمخلوق نقص، لأن تسوية الكامل بالناقص تجعله ناقصاً، والله منزه عن ذلك: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (١١)}... [الشورى: ١١].
وإذا أظهر الله صفات الجلال كالجبار والقهار مع عبد أو أَمَة، فذلك لتربيته، فالله أرحم بنا من أنفسنا.
وإذا أظهر المولى الكريم صفات الجمال كالكريم والرحيم واللطيف على عبد أو أَمة فذلك لتربيته كذلك.
والإيمان بأسماء الله وصفاته ليس له حد ولا نهاية، فلو أعطي الرجل أعمار المخلوقات كلها من الجن والإنس والملائكة، والسموات والأرض ومن فيهن، وصرف ذلك في معرفة الله وأسمائه وصفاته والإيمان به، لانتهت تلك الأعمار، وما انتهى بحر الإيمان بالله وأسمائه وصفاته.
وإذا كانت الأشجار والبحار تفنى وتنتهي ولما تحيط بكلمات الله، وهي صفة واحدة من صفاته، فكيف ببقية الصفات الأخرى؟: {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٢٧)} [لقمان: ٢٧].
والله جل جلاله له الأسماء الحسنى، والصفات العلا، وله الكمال المطلق في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله.
فالسلام من أسماء الله الحسنى، فهو السلام الحق بكل اعتبار، فهو سبحانه سلام في ذاته من كل عيب ونقص.
وسلام في صفاته من كل عيب ونقص.
وسلام في أفعاله من كل عيب ونقص، وشر وظلم.
فهو السلام من الصاحب والولد، وهو السلام من النظير والكفء والسمي والمماثل والشريك.وكل صفة من صفاته سلام مما يضاد كمالها.
فحياته سبحانه سلام من السنة والنوم والموت.
وقيوميته سلام من التعب واللغوب.
وقدرته سلام من العجز والتعب.
وعلمه سلام من عزوب شيء عنه، أو عروض نسيان له.
وغناه سلام من الحاجة إلى غيره، فكل ما سواه محتاج إليه، وهو غني عن كل ما سواه.
وملكه سلام من منازع فيه، أو مشارك له، أو معاون له.
وحلمه وعفوه، ومغفرته وصفحه سلام من أن يكون عن حاجة منه أو ذل أو مصانعة كما يكون من غيره، بل هو محض جوده وإحسانه وكرمه.
وعذابه وانتقامه وبطشه سلام من أن يكون ظلماً أو تشفياً، أو غلظة أو قسوة، بل هو محض حكمته وعدله ورحمته.
وقضاؤه وقدره سبحانه سلام من العبث والجور والظلم.
ودينه وشرعه سلام من العبث والنقص، والجور والظلم.
وهكذا في باقي الأسماء والصفات.
والسلام لله وصفاً وملكاً.. فهو السلام في ذاته.. وبيده السلام.. يسلم من شاء.. ويهلك من يشاء.
والحمد لله وصفاً وملكاً.. فهو المحمود في ذاته.. وهو الذي يجعل من يشاء محموداً.. ومن يشاء مذموماً.
والعزة لله وصفاً وملكاً.. فهو العزيز في ذاته.. وهو الرب الذي يعز من يشاء من عباده.. ويذل من يشاء.
والرحمة كلها له سبحانه وصفاً وملكاً.. فهو الرحيم في ذاته.. وهو الذي يرحم من يشاء.. ويعذب من يشاء.
والبركة كلها لله وصفاً وملكاً.. فهو المتبارك في ذاته.. وهو الذي يبارك فيمن
يشاء من خلقه.. وينزع البركة ممن يشاء من خلقه.
والبركة نوعان:
الأولى: بركة هي فعله تبارك وتعالى، والفعل منها بارك، تارة يتعدى بنفسه، وتارة بعلى، وتارة بفي، والمفعول منها مبارك، وهو ما جعل كذلك، فكان مباركاً بجعله تعالى كما قال سبحانه عن المسيح: {وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ} [مريم: ٣١].
وقال عن كتابه: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ (٢٩)} [ص: ٢٩].
الثانية: بركة تضاف إليه سبحانه كإضافة الرحمة والعزة، والفعل منها تبارك، ولهذا لا يقال لغيره ذلك، ولا يصلح إلا له عزَّ وجلَّ، فهو سبحانه المبارك، وعبده ورسوله المبارك.
مختارات