فقه أحكام الأسماء والصفات (٦)
وأسماء الله عزَّ وجلَّ منها ما يطلق عليه مفرداً، أومقترناً بغيره، وهو غالب الأسماء كالعزيز والحكيم، والسميع والبصير، والعفو والغفور، فتقول مثلاً سبحان العزيز، أو سبحان العزيز الحكيم.
ومنها ما لا يطلق عليه بمفرده، بل مقروناً بمقابله كالمعطي المانع، والنافع الضار، والمعز المذل ونحوها.
فهذه أسماء مزدوجة يجري الاسمان منها مجرى الاسم الواحد، لأنه يراد بها المتفرد بالربوبية، وتدبير الخلق والتصرف فيهم عطاءً ومنعاً، نفعاً وضراً، فهي وإن تعددت جارية مجرى الاسم الواحد، ولذلك لم تجئ مفردة، ولم تطلق عليه إلا مقترنة.
وقد تجلى الله تبارك وتعالى في كتابه لعباده بأسمائه الحسنى وصفاته العلا:
فتارة يتجلى في جلباب الهيبة والعظمة، والجلال والجبروت، فتخضع الأعناق، وتنكسر كبرياء النفوس، وتخشع الأصوات، ويذوب الكبر كما يذوب الملح في الماء.
وتارة يتجلى سبحانه بصفات الجمال والكمال، وهو جمال الأسماء، وجمال الصفات، وجمال الأفعال، الدال على كمال الذات، فيستنفذ حبه من قلب العبد قوة الحب كلها، بحسب ما عرفه من ذلك، فيصبح فؤاده فارغاً إلا من محبة الله، وتصير المحبة له طبعاً لا تكلفاً.
وإذا تجلى سبحانه بصفات البر والرحمة، واللطف والإحسان، انبعثت قوة الرجاء من العبد، وانبسط أمله، وانشرح صدره، وقوي طمعه، وكلما قوي الرجاء جد في العمل، وتلذذ به، وأكثر منه.
وإذا تجلى عزَّ وجلَّ بصفات السمع والبصر، انبعثت من العبد قوة الحياء، فيستحي من ربه أن يراه على ما يكره، أو يسمع منه ما يكره، أو يخفي في نفسه ما يمقته عليه ربه.
فتبقى أقواله وأفعاله، وحركاته وخواطره، موزونة بميزان الشرع، غير مهملة ولا مرسلة تحت حكم الطبيعة والهوى.
وإذا تجلى جل جلاله بصفات العدل والانتقام، والغضب والسخط، والعقوبة والتدمير، انقمعت النفس الأمارة، وبطلت أو ضعفت قواها، من الشهوة والغضب، واللهو واللعب، والحرص على المحرمات، وأخذت حظها من الخوف والخشية والحذر.
وإذا تجلى سبحانه بصفات الكفاية والحسب، والقيام بمصالح العباد، وسوق أرزاقهم إليهم، ودفع المصائب عنهم، ونصره لأوليائه، وحمايته لهم، انبعثت من الصدر قوة التوكل عليه، وتفويض الأمور إليه، والرضى به، والتسليم له.
وإذا تجلى الجبار بصفات العز والكبرياء، ذلت النفس لعظمته، وانكسرت لعزته، وخضعت لكبريائه، وخشع القلب له، وانقادت الجوارح لطاعته، فتعلوه السكينة والوقار والطمأنينة، ويذهب طيشه وحدته.
والله حكيم عليم، يتعرف إلى العباد بصفات الربوبية تارة، وبصفات الإلهية تارة.
فيوجب للعبد شهود صفات الإلهية محبة الله، والأنس والفرح به، والشوق إلى لقائه، والمنافسة في قربه، والسرور بخدمته، والتودد إليه بطاعته، واللهج بذكره، والفرار من الخلق إليه.
ويوجب له شهود صفات الربوبية تعظيم الرب، وحسن التوكل عليه، والافتقار إليه، والاستعانة به، والذل والخضوع له، والانكسار له.
وكمال ذلك أن يشهد ربوبيته في قضائه وقدره.. ونعمته في بلائه.. وعطاءه في منعه.. وعدله في انتقامه.. وجوده وكرمه في مغفرته وستره وتجاوزه.. وبره ولطفه.. وإحسانه ورحمته في قيوميته.. ويشهد حكمته في تدبيره.. ونعمته في أمره ونهيه.. وعزه في رضاه وغضبه.. وحلمه في إمهاله.
فما أعظم الخالق الذي خلق المخلوقات، الحكيم الذي يدبر الكون حسب مشيءته، العظيم الذي خلق هذا الكون العظيم، وله ما في السموات وما في الأرض، وهو العزيز الحكيم: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (٦٧)} [الزمر: ٦٧].
مختارات