اسم "الله" والتعبد لله به
الله – اللفظ مشتق
من الإله وهو المعبود وتأله أي تعبد
فائدة
مَعَاني سَائِر الْأَسْمَاء يتَصَوَّر أَن يَتَّصِف العَبْد
بِشَيْء مِنْهَا حَتَّى ينْطَلق عَلَيْهِ الاسم كالرحيم والعليم والحليم والصبور
والشكور وَغَيره وَإِن كَانَ إِطْلَاق الِاسْم عَلَيْهِ على وَجه آخر يباين
إِطْلَاقه على الله عز وَجل وَأما معنى هَذَا الِاسْم فخاص خُصُوصا لَا يتَصَوَّر
فِيهِ مُشَاركَة لَا بالمجاز وَلَا بِالْحَقِيقَةِ وَلأَجل هَذَا الْخُصُوص يُوصف
سَائِر الْأَسْمَاء بِأَنَّهَا اسْم الله عز وَجل وَيعرف بِالْإِضَافَة إِلَيْهِ
فَيُقَال الصبور والشكور وَالْملك والجبار من أَسمَاء الله عز وَجل وَلَا يُقَال
الله من أَسمَاء الشكُور والصبور لِأَن ذَلِك من حَيْثُ هُوَ أدل على كنه
الْمعَانِي الإلهية وأخص بهَا فَكَانَ أشهر وَأظْهر فاستغني عَن التَّعْرِيف
بِغَيْرِهِ وَعرف غَيره بِالْإِضَافَة إِلَيْهِ.
تَنْبِيه
يَنْبَغِي أَن يكون حَظّ العَبْد من هَذَا الِاسْم التأله
وأعني بِهِ أَن يكون مُسْتَغْرق الْقلب والهمة بِاللَّه عز وَجل لَا يرى غَيره
وَلَا يلْتَفت إِلَى سواهُ وَلَا يَرْجُو وَلَا يخَاف إِلَّا إِيَّاه وَكَيف لَا
يكون كَذَلِك وَقد فهم من هَذَا الاسم أَنه الْمَوْجُود الْحَقِيقِيّ الْحق وكل
مَا سواهُ فان وهالك وباطل إِلَّا بِهِ فَيرى أَولا نَفسه أول هَالك وباطل كَمَا
رَآهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَيْثُ قَالَ أصدق بَيت قالته الْعَرَب
قَول لبيد:
أَلا كل شَيْء مَا خلا الله بَاطِل... وكل
نعيم لَا محَالة زائل
قال
العلامة ابن القيم -رحمه الله:- لهذا الاسم الشريف -الله- عشر خصائص لفظية،
وساقها. ثم قال: وأما خصائصه المعنوية فقد قال أعلم الخلق صلي الله عليه وسلم:
" لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك " وكيف نحصي خصائص اسم
لمسماه كل كمال على الإطلاق، وكل مدح وحمد، وكل ثناء وكل مجد، وكل جلال وكل كمال،
وكل عز وكل جمال، وكل خير وإحسان وجود وفضل وبر فله ومنه؟ فما ذكر هذا الاسم في
قليل إلا كثره، ولا عند خوف إلا أزاله ولا عند كرب إلا كشفه، ولا عند هم وغم إلا
فرجه، ولا عند ضيق إلا وسعه، ولا تعلق به ضعيف إلا أفاده القوة، ولا ذليل إلا
أناله العز، ولا فقير إلا أصاره غنيا، ولا مستوحش إلا آنسه، ولا مغلوب إلا أيده
ونصره، ولا مضطر إلا كشف ضره، ولا شريد إلا آواه. فهو الاسم الذي تكشف به الكربات،
وتستنزل به البركات، وتجاب به الدعوات، وتقال به العثرات، وتستدفع به السيئات، وتستجلب
به الحسنات. وهو الاسم الذي قامت به الأرض والسماوات، وبه أنزلت الكتب، وبه أرسلت
الرسل، وبه شرعت الشرائع، وبه قامت الحدود، وبه شرع الجهاد، وبه انقسمت الخليقة
إلى السعداء والأشقياء، وبه حَقت الحاقة، ووقعت الواقعة، وبه وضعت الموازين القسط
ونصب الصراط، وقام سوق الجنة والنار، وبه عبد رب العالمين وحمد، وبحقه بعثت الرسل،
وعنه السؤال في القبر ويوم البعث والنشور، وبه الخصام وإليه المحاكمة، وفيه
الموالاة والمعاداة، وبه سعد من عرفه وقام بحقه،
وبه
شقي من جهله وترك حقه; فهو سر الخلق والأمر. وبه قاما وثبتا، وإليه انتهيا، فالخلق
به وإليه ولأجله. فما وجد خلق ولا أمر ولا ثواب ولا عقاب إلا مبتدئا منه ومنتهيا
إليه. وذلك موجبه ومقتضاه {رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ
فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} 1 إلى آخر كلامه -رحمه الله تعالى.
مختارات