فقه أحكام الأسماء والصفات (٢)
وأسماء الله تبارك وتعالى إن دلت على وصف متعد تضمنت ثلاثة أمور:
الأول: ثبوت ذلك الاسم لله سبحانه.
الثاني: ثبوت الصفة التي تضمنها لله سبحانه.
الثالث: ثبوت حكمها ومقتضاها.
فالسميع مثلاً، يتضمن إثبات السميع اسماً لله عزَّ وجلَّ.
وإثبات السمع صفة له، وإثبات حكم ذلك ومقتضاه، وهو أنه يسمع جميع الأصوات، ويسمع السر والنجوى كما قال سبحانه: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (١)} [المجادلة: ١].
أما إن دل الاسم على وصف غير متعد فيتضمن أمرين:
الأول: ثبوت ذلك الاسم لله تعالى.
الثاني: ثبوت الصفة التي تضمنها الاسم لله تعالى.
فالحي مثلاً، يتضمن إثبات الحي اسماً لله عزَّ وجلَّ، ويتضمن إثبات الحياة صفة له، كما قال سبحانه: {هُوَ الْحَيُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (٦٥)}... [غافر: ٦٥].
وكما أنه سبحانه مختص بالعبادة وحده، فكذلك هو مختص بالأسماء الحسنى وحده، فلا يجوز الإلحاد في أسماء الله تعالى، وهو الميل بها عما يجب فيها.
والإلحاد بجميع أنواعه محرم، لأن الله تعالى هدد الملحدين بقوله سبحانه: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (١٨٠)} [الأعراف: ١٨٠].
والصفات تنقسم إلى ثلاثة أقسام:
الأول: صفات كمال مطلق كالقوة والعزة ونحوهما، فهذه ثابتة لله وحده.
الثاني: صفات كمال مقيد كالخداع والمكر والكيد، وهذه لا يوصف الله بها إلا بقيد، فنقول الله يمكر بالماكرين، ويستهزئ بالمنافقين، ويخادع من خادعه، ويكيد لمن كاد أولياءه.
الثالث: صفات نقص مطلق كالعجز والخيانة ونحوهما، فهذه لا يوصف الله بها، لأنها نقص على الإطلاق.
وصفات الله تبارك وتعالى كلها صفات كمال، لا نقص فيها بوجه من الوجوه كالحياة، والعزة، والقدرة، والعلم، والسمع، والبصر، والرحمة، والعظمة وغيرها من صفات الكمال والجلال والجمال.
وإذا كانت الصفة نقصاً لا كمال فيها فهي ممتنعة في حق الله تعالى كالموت والجهل، والنسيان والعجز، والعمى والصمم ونحوها.
كما قال سبحانه: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ} [الفرقان: ٥٨].
وقوله سبحانه: {لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى (٥٢)} [طه: ٥٢].
وقوله سبحانه: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا (٤٤)} [فاطر: ٤٤].
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «يَا أيُّهَا النَّاسُ ارْبَعُوا عَلَى أنْفُسِكُمْ، فَإِنَّكُمْ لا تَدْعُونَ أصَمَّ وَلا غَائِباً، إِنَّهُ مَعَكُمْ إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ، تَبَارَكَ اسْمُهُ وَتعالى جَدُّه» متفق عليه (١).
وقد نزه الله نفسه عما يصفه به الجاهلون من النقائص فقال سبحانه: {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ (١٨٠) وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ (١٨١) وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (١٨٢)} [الصافات: ١٨٠ - ١٨٢].
(١) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (٢٩٩٢) واللفظ له، ومسلم برقم (٢٧٠٤).
مختارات