دعاء الخليل...
﴿رَبَّنَاۤ إِنَّكَ تَعۡلَمُ مَا نُخۡفِی وَمَا نُعۡلِنُۗ وَمَا یَخۡفَىٰ عَلَى ٱللَّهِ مِن شَیۡءࣲ فِی ٱلۡأَرۡضِ وَلَا فِی ٱلسَّمَاۤءِ﴾
هذا ليس ثناء محضا بل ثناء متضمنا للدعاء.
وهذا قول عامة مفسري السلف ابن عباس والنخعي ومقاتل...
قال ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: ﴿ربَّنا إنّك تعلم ما نخفي وما نعلنُ﴾، قال: مِن الحُزْن.
وهذا ظاهر ويدل عليه
أنه قال (ربنا إنك تعلم ما نخفي..)...أي نحن
وهو سبحانه يعلم ما يخفي جميع الخلائق
لكنه عليه السلام أراد أن يشتكي إلى ربه شدة وجده وحزنه خاصة
ولذلك أثنى عليه بعموم علمه بعدها فقال
(وما يخفي على الله من شيء في الأرض ولا في السماء)
فالأولى غير الثانية؛
فالأولى:
يستغيث بعلم ربه بحزنه والثانية يتوسل بعموم علمه.
وهذا الدعاء من أجمع الدعاء وأحسنه من وجوه:
أولها:
أنه يعم الدعاء بكل ما دعا العبد به وأظهره وأعلنه وما أضمره وأخفاه وعجز عن البوح به فهو يأتي على كل الحاجات ما نطق به وسكت عنه وهذا مما اختص الله به فلا أحد سوى الله يقال له ذلك مهما بلغت قوته وكرمه إذ لا يمكن غيره العلم بخفيات الحاجات حتى ينطق السائلون بها.
وثانيها:
ما فيه من الثناء على الله بكمال صفاته
وثالثها:
أن فيه توسلا عجيبا جمع حسن الظن كله هو اعتماده على علم الله بفاقته وحزنه
فكأنه قال يارب يكفيني علمك بفاقتي واضطراري فإن علمك بها كاف في نزول رحمتك بي ولطفك
فإن هذا شأن الكريم يسرع بجوده بمجرد العلم بفاقة محبوبه.
ورابعها:
فيه من من الانكسار والتضرع والانقطاع ما لا يمكن الإعراب عنه
إذا فيه الشكوى إلى الله ببلوغ الفاقة غايتها حتى لا يطيق اللسان بيانه وسؤاله على التخصيص
وهذا يقع للعبد حين تقبل عليه الآلام من كل صوب فلا يكاد يجتمع له دعاء ينتظمها.
وخامسها:
ما تضمنه من غاية التفويض لربه
في إجابة دعائه على الوجه الذي يختاره ربه له
وهذا أيضا مما يقع للعباد حين تلم بهم الملمات فلا يعرفون المخرج منه على وجه التعيين ولا أي الأمور خير
فيفوضون الأمر لربهم.
فاستجمع أحزانك من كل صوب وأقبل بهمومك من كل جنب وبعثر خفيات الأوجاع والأسقام والآلام والذكريات والمستقبل والأولاد والدنيا والآخرة حتى إذا غشيتك الفاقة وتكسرت بالذل عظامك واختنقت بالبلايا أنفاسك
فاجأر
قل ياااااارب
إنك تعلم ما نخفي وما نعلن.
مختارات