عفو على شفير القبر..
أمر الله عباده المؤمنين بالعفو عن إخوانهم والصفح عنهم
وهذا أمر عام يعم الأحياء والأموات
ومما شاع انتقاده عند الناس عفو أحد المتهاجرين عن صاحبه عند جنازته أو دفنه أو في عزائه بعد الهجر الذي كان بينهم في الدنيا
وربما حملهم على هذا رغبتهم في وقوع الصلح في حال الحياة
حتى بالغ بعضهم فجعل هذا العفو متأخرا لا فائدة منه.
والصواب أن هذا العفو مشروع ومأجور صاحبه ونافع له وللميت معا.
فإن الميت أحوج إلى العفو من الحي
ولذا قال صلى الله عليه وسلم
(استغفروا لأخيكم فإنه الآن يسأل)
وقيامه في الصلاة عليه وشفاعته له أنفع له من الدنيا كلها لو أعطاه إياها.
وتسمع من يقول
لا تحمل جنازتي وأنت لم تزرني في مرضي!!!
والهجر يقع كثيرا بين المسلمين وقد وقع هجر بين جماعة من الصحابة وماتوا متهاجرين. رضي الله عنهم
وهجر الحسن ابن سيرين حتى مات رحمهما الله تعالى.
فالذي يقبل على جنازة أخيه المسلم الذي هجره في الحياة ويقوم على قبره قد عمل بأمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم في أداء حقوق أخيه باتباع جنازته. وهو ممدوح في فعله هذا
فإذا عفا عنه وأسقط حقه كان هذا من الإحسان
وينتفع الحي بقطع الهجر فإن الهجر من قبله ينقطع بدعائه وصفحه ويكون توبة منه إن كان الهجر من قبله بلا عذر شرعي.
وحضوره وإسراعه إلى جنازة أخيه علامة على حياة قلبه ويقظته
وقد أذن الله في الهجر ثلاثة أيام
فلو مات أحد المتهاجرين فيهما كان من الحق على صاحبه حضور جنازته وندب إلى العفو عن إساءته.
مع ما في هذا العمل ( أعني العفو عند الموت) من تعظيم شأن الموت ومهابة الآخرة حين أسرع إلى الجنازة رغم ما في قلبه من الألم السابق من صاحبه.
فيها من إطفاء العداوة مع أقاربه وأولاده ودفن الخصومة.
وملامة هذا العافي وإن حسنت نية اللائمين قد يدفع الهاجر على الاستمرار في خصومته بعد موت صاحبه وتحاشي حضور تشييعه ودفنه هربا من لوم اللائمين.
وقد وعد الله عباده المؤمنين أن ينزع غل الدنيا من قلوبهم قبل دخول الجنة فإنه لابد من هذه الضغائن.
وأسباب الهجران كثيرة وأعذار الناس فيها متعددة والله يفصل بين عباده.
والقصد أن الذي ينبغي الاحتفاء بهذا العفو وحمد صاحبه وبشارته بالخير والدعاء له.
والدوران مع الشريعة حيث دارت والرجوع إلى النصوص وليس إلى الطبائع وذوائق النفوس في معرفة أحكامها.
مختارات