فقه أحكام الأسماء والصفات (٣)
إذا كانت الصفة كمالاً في حال، ونقصاً في حال، فلها حكمان:
فتجوز في الحال التي تكون كمالاً، وتمتنع في الحال التي تكون نقصاً، وذلك كالكيد والمكر، والاستهزاء والخداع ونحوها، فهذه الصفات تكون كمالاً إذا كانت في مقابل من يعاملون الفاعل بمثلها، وتكون نقصاً ومذمومة في غير هذه الحال، ولهذا لم يذكرها الله من صفاته على سبيل الإطلاق، وإنما ذكرها في مقابلة من يعاملونه ورسله بمثلها.
فالمكر كقوله: {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ (٣٠)} [الأنفال: ٣٠].
والكيد كقوله: {إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا (١٥) وَأَكِيدُ كَيْدًا (١٦)} [الطارق: ١٥، ١٦].والاستهزاء كقوله عن المنافقين: {وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ (١٤) اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (١٥)} [البقرة: ١٤، ١٥].
والخداع كقوله: {يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ} [النساء: ١٤٢].
وباب الصفات أوسع من باب الأسماء، لأن كل اسم متضمن لصفة، فالعليم متضمن للعلم، والعزيز متضمن للعزة، ولأن من الصفات ما يتعلق بأفعال الله تعالى، وأفعاله لا منتهى لها، كما أن أقواله سبحانه لا منتهى لها، كما قال سبحانه: {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٢٧)} [لقمان: ٢٧].
ومن صفات الله التي يوصف بها ولا يسمى بها المجيء والإتيان، والنزول والكلام، والأخذ والإمساك، والبطش والإرادة، وغير ذلك من الصفات التي لا تحصى.
فالمجيء كقوله سبحانه: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا (٢٢)} [الفجر: ٢٢].
والإتيان كقوله: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ} [البقرة: ٢١٠].
والنزول كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتعالى كُلَّ لَيْلَةٍ إلى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ، فَيَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي فَأسْتَجِيبَ لَهُ! وَمَنْ يَسْألُنِي فَأُعْطِيَهُ! وَمَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأغْفِرَ لَهُ» متفق عليه (١).
والكلام كقوله سبحانه: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا (١٦٤)} [النساء: ١٦٤].
والأخذ كقوله: {فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ} [آل عمران: ١١].
والإمساك كقوله: {وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ} [الحج: ٦٥].
والبطش كقوله: {إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ (١٢)} [البروج: ١٢].
والإرادة كقوله: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: ١٨٥].فنصف الله بما وصف به نفسه من غير تكييف ولا نسميه به، فلا نقول من أسمائه الجائي والآتي والنازل وهكذا البقية، وإن كنا نخبر بذلك عنه، ونصفه به على ما يليق بجلاله.
وصفات الله تبارك وتعالى تنقسم إلى قسمين:
صفات ثبوتية.. وصفات سلبية.
فالصفات الثبوتية: هي ما أثبته الله تعالى لنفسه في كتابه، أو على لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وكلها صفات كمال لا نقص فيها بوجه من الوجوه كالحياة والعلم، والقدرة والرحمة، والاستواء على العرش، والنزول إلى السماء الدنيا كل ليلة، والمجيء لفصل القضاء، والعين والوجه واليدين ونحو ذلك.
فيجب إثباتها لله تعالى حقيقة على الوجه اللائق به، لأن الله أخبر بها عن نفسه، وهو أعلم بها من غيره، وهو أصدق قيلاً، فيجب قبول ما جاء عن الله بلا تردد، وكذا ما أخبر به النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الله عزَّ وجلَّ يجب قبوله، فهو أعلم الناس بربه، وأصدقهم خبراً، وأنصحهم إرادة.
والصفات السلبية: هي ما نفاها الله سبحانه عن نفسه في كتابه، أو على لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وكلها صفات نقص في حقه كالموت والنوم، والعجز والتعب، والجهل والنسيان، والغفلة والظلم، ونحو ذلك من صفات النقص التي يجب نفيها عن الله عزَّ وجلَّ، وإثبات ضدها على الوجه الأكمل.
وكل ما نفاه الله عن نفسه، فالمراد به إثبات كمال ضده، كما قال سبحانه: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ} [الفرقان: ٥٨].
فنفي الموت عنه سبحانه يتضمن كمال حياته، ونفي الظلم عنه يتضمن كمال عدله كما قال سبحانه: {وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا (٤٩)} [الكهف: ٤٩].
(١) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (١١٤٥)، ومسلم برقم (٧٥٨) واللفظ له.
مختارات