اسم الله المقتدر 2
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
من أسماء الله الحسنى : ( المقتدر ) :
أيها الأخوة الكرام ، لا زلنا في اسم " المقتدر " .
الله عز وجل خلق كل شيء بقدر لحكمة بالغة :
بتقدير دقيق " المقتدر " من معانيها التقدير ، حاسة البصر لها حساسية معينة فلو زادت هذه الحساسية لرأيت البكتريات في الماء فلم تشرب الماء ، لرأيت هذا الجلد أخاديد ، ونتوءات ، وحفر ، وغابات من الشعر ، لا تستطيع أن تنظر إلى إنسان " إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ " .
السمع : لو أن الموجة الصوتية لا تتخامد لكانت الحياة في الأرض لا تحتمل ، أصوات أمواج البحر في كل مكان ، كل أصوات الأرض تصل إلى كل أنحاء الأرض ، لكن لحكمة بالغةٍ بالغة أن الموجة الصوتية تتخامد ، هذا المكان فيه هدوء ، الشارع التحتي فيه ضجيج ، الضجيج لا يصل إلى هنا ، الموجة الصوتية تتخامد ، بينما الموجة الكهرطيسية لا تتخامد .
أرسلوا مركبة إلى المشتري ، سارت بأسرع سرعة صنعها الإنسان ، أربعون ألف مايل في الساعة ، بقيت تمشي ست سنين ، إلى أن وصلت إلى هناك ، وأرسلت رسائل عن طريق الموجات الكهرطيسية ، هذه الموجات لا تتخامد ، حكمة الله من تخامد الموجة الصوتية الحياة تحتمل في الأرض ، ساكن بشارع بعيد عن الشارع الرئيسي ، الجو هادئ لأن الموجة الصوتية تتخامد " إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ " .
أحياناً الإنسان أثناء قص أظافره ، يأخذ من مكان ينبغي ألا يأخذ منه ، فإذا أكل طعاماً فيه حمض تحرقه يده ، فلو كانت حساسية الجلد بأعلى مستوى الحياة لا تحتمل .
فحينما يقول الله عز وجل " إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ " هذا من التقدير .
المقتدر من التقدير أو من القدرة :
إذاً " المقتدر " من التقدير و " المقتدر " من القدرة ، إما من التقدير ، أو من القدرة .
" قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِنْ فَوْقِكُمْ " [الأنعام:65] الصواعق قديماً ، والآن الصواريخ .
" أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ " [الأنعام:65] الزلازل قديماً ، وحديثاً ، والألغام .
الله عز وجل قادر ، وقدير ، و " المقتدر " والاقتدار إما من التقدير الدقيق ، أو من القدرة .
الإحساس بالقوة من لوازم الإيمان بالمقتدر :
أيها الأخوة ، المؤمن إذا كان مع " المقتدر " يشعر بالقوة ، المؤمن ضعيف لكن هو يستمد قوته من " المقتدر " يشعر بقوة إذاً لا ينافق ، يشعر بقوة إذاً لا يتضعضع أمام القوي الغني ، يشعر بقوة يرفع رأسه عالياً ، يشعر بقوة بسبب أن مصيره بيد الله ، وأن الله جلّ جلاله لم يسلم الأعمار والأرزاق لبني البشر ، العمر والرزق بيد الله .
أحد التابعين قال له الحجاج : سأقتلك ، قال له : والله لو علمت أن حياتي بيدك لعبدتك من دون الله ، ولكن حياتي بيد الله .
لمجرد أن تؤمن أن حياتك بيد الله ، ترفع رأسك عالياً ، ولا تنافق ، ولا تنبطح ولا تتذلل ، ولا تتضعضع .
فإذا كنت مع القدير ، إذا كنت مع " المقتدر " إذا كنت مع القادر ، قادر ، قدير ، مقتدر ، شعرت بالقوة ، والمؤمن يشعر بقوته التي يستمدها من الله ، نظيف ، واضح سريرته كعلانيته ، وسره كجهره ، وخلوته كجلوته .
" تركتكم على بيضاء نقية ، ليلها كنهارها ، لا يزيغ عنها إلا ضال " [أحمد و ابن ماجه و الحاكم عن العرباض بن سارية] الآن تشعر بالقوة إذ كنت مع " المقتدر " وتشعر بالضعف أمام " المقتدر " شعوران متناقضان ، إذا كنت مع " المقتدر " تشعر أنك في حماه ، تشعر أن قدرته تحميك ، أن قدرته تحول بينك وبين أعدائك ، الإحساس بالقوة من لوازم الإيمان بالمقتدر وأنت أمام " المقتدر " ضعيف ، الضعف يجعلك متواضعاً .
أغبى الأغبياء من لا يدخل الله في حساباته :
المؤمن له حالان ، حالة تواضع لأنه رأى عظمة الله عز وجل ، وحالة قوة لأنه استعان بالله ، إذا أردت أن تكون أقوى الناس فتوكل على الله .
هذان المعنيان ضروريان جداً ، الإنسان أحياناً تغيب عنه قدرة الله فيتحرك بحمق وغباء ، فالله عز وجل يؤدبه أشد التأديب .
بالمناسبة : أي إنسان لا يدخل الله في حساباته يكون أغبى الأغبياء ، وأحمق الحمقى ، المؤمن يتعامل ودائماً وأبداً الله موجود ، الله على كل شيء قدير ، أنا في قبضة الله ، كل شؤوني بيده .
فلذلك المؤمن يستمد قوته من استقامته ، هو ضعيف لكنه يستمد قوته من استقامته واتصاله بالله عز وجل ، إذا غابت عنك قدرة الله تتعدى على الآخرين .
" كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (6) أَنْ رَآَهُ اسْتَغْنَى " [العلق:6-7] رأى نفسه قوياً مستغنياً عن الله يطغى .
المؤمن لا ينبطح ولا يتذلل أمام أحد لأنه يرى الله ويرى علاقته بالله عز وجل :
أيها الأخوة ، هناك أناس كثيرون لضعف إيمانهم ، ولضعف معرفتهم بالله ، وهم أقوياء يتحركون بغطرسة ، وكبر ، واستعلاء ، وقد يبطشون ، ثم يفاجؤون أن الله يبطش بهم ، كل بطولتك ، وكل ذكائك ، وكل التفوق ، في أية لحظة أن تشعر أن الله موجود .
الآن أحياناً تستمع إلى الأخبار تضعف همتك ، تشعر بالإحباط أحياناً ، الطرف الآخر قوي جداً ، ويفعل ما يقول ، ويتفنن أحياناً بإذلال الآخر ، ونهب ثرواته ، وقهره ، ولكن المؤمن بأية لحظة لا ينسى أن الله موجود ، استمع إلى الأخبار ، واستمع إلى التحاليل ، ولا تنس لثانية واحدة أن الله موجود ، وأن الأمر بيد الله ، وأن الله قادر على أن يقلب الموازين بلمح البصر .
" ما شاءَ اللهُ كانَ ، وما لم يشأْ لم يكن " [أخرجه أبو داود عن بعض بنات النبي صلى الله عليه وسلم] فإذا رأيت قوياً فاعلم أن الله سمح له أن يكون قوياً ، لحكمة بالغةٍ بالغة بالغةٍ عرفها من عرفها ، وجهلها من جهلها .
لذلك المؤمن لا يتضعضع ، المؤمن لا ييأس ، المؤمن لا يخضع ، المؤمن لا ينبطح لأنه يرى الله ، ويرى علاقته بالله عز وجل .
دعاء الاستخارة دعاء سنّه النبي عليه الصلاة والسلام :
أيها الأخوة ، كلما تطاول الإنسان ، وكلما نسي الله ، وكلما تحرك ولم ينتبه إلى أن الأمر كله بيد الله ، يقع في إشكال كبير ، إما في تأديب أو في خيبة أمل ، لذلك :
اجعل لربك كل عزك يستقر ويثبت فإذا اعتززت بمن يموت فإن عزك ميت
* * *
دققوا في الدعاء النبوي :
" اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا ، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا ، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا ، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير ، واجعل الموت راحة لنا من كل شر " .
إذاً : ".....إِن كنتَ تعلم أن هذا الأمْرَ خير لي في ديني ومعاشي ـ يعني في دنيانا ـ وعاقبةِ أمري أو قال : عاجِلِ أمري وآجِلِهِ - فاقْدُرْهُ لي ، ويسِّرْهُ لي ، ثم بارك لي فيه اللهم إن كنتَ تعلمُ أنَّ هذا الأمر شَرّ لي في دِيني ومعاشي وعاقبةِ أمري - أو قال : في عاجِلِ أمري وآجِلهِ - فاصْرِفه عَنِّي ، واصرفْني عنه " [البخاري] يعني خطب فتاة أعجبته ثم لم يوفق إلى الاقتران بها، السؤال الرابع أن ينزع الله حبها من قلب الإنسان .
" فاصْرِفه عَنِّي ، واصرفْني عنه ، واقْدُرْ لِي الخيرَ حيث كان ، ثم رَضِّني به قال : ويُسَمِّي حاجَتَه " هذا دعاء الاستخارة ، هذا سنّه النبي عليه الصلاة والسلام .
على الإنسان أن يستخير ربه بنفسه فالاستخارة في المباحات لا في الفرائض والمحرمات :
الإنسان قد يخترع أساليب ليست من الشريعة في شيء ، الرد الإلهي التيسير فقط يسره لي ، فمادام في تيسير ، يقول لك ما انشرحت ، هذا كلام غير منضبط ، أو يفتح المصحف على آية معينة ، لا ، الرد الإلهي هو التيسير ، الأمر ميسر ، السفر ميسر ، الجماعة وافقوا ، إذا الله سمح بهذا الشيء ، طبعاً الاستخارة في المباحات لا في الفرائض ولا في المحرمات ، في المباحات فقط .
وروى النسائي من حديث عمار بن ياسر ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " اللهمَّ بِعلْمِكَ الغَيبَ ، وَقُدرَتِكَ على الخَلقِ ، أحيني ما عَلِمْتَ الحيَاةَ خَيْرا لي وتَوَفَّني إذا عَلِمْتَ الوفاةَ خَيرا لي ، اللهمَّ وأسألك خشيتك في الغيبِ والشهادة " .
" من لم يكن له ورع يصده عن معصية الله إذاا خلا لم يعبأ الله بشيء من عمله " .
تغضب من إنسان تجعله أسوأ بني البشر ، وترضى عن إنسان تجعله تقياً ، نقياً ، ورعاً ، هناك مبالغات .
بطولة الإنسان أن يعرف الله عز وجل وهو قوي شديد معافى : " وأَسألك كلمة الحقِّ في الرضا والغضب ، وأسأَلك القَصْدَ في الفقر والغنى " .
الإنسان حينما يغتني ويقوى قد لا يسأل الله شيئاً ، لأنه استغنى عن الله .
" وأسأَلك القَصْدَ في الفقر والغنى " .
البطولة أن تسأله ، وأن تتذلل إليه ، وأن تمرغ جبهتك في أعتابه ، وأنت غني ، وأنت قوي ، وأنت صحيح ، لكن البشر جميعاً حتى من ضعفت عقيدتهم عند الشدة دعوا الله مخلصين ، فالبطولة أن تعرفه وأنت صحيح معافى ، شديد ، قوي .
" وأسأَلك القَصْدَ في الفقر والغنى ، وأسألك نعيما لا يَنْفَدُ ، وأسألك قُرَّة عينٍ لا تنقطع ، وأسألك الرِّضا بعدَ القَضاءِ ، وأسأَلك بَردَ العَيشِ بَعدَ المَوتِ ، وَأَسأْلك لَذَّةَ النظر إلى وَجهِكَ ، والشَّوقَ إلى لِقَائِكَ ، في غير ضَرَّاءَ مُضِرَّةٍ ، ولا فِتْنَةٍ مُضِلَّة " .
الإنسان أحياناً بعد شدة لا تحتمل يتوب إلى الله ، أو بعد قهر وإذلال يرجع إلى الله ، فالبطولة أن تعود إليه من دون شدة ، من دون قهر ، من دون إذلال .
" اللهمَّ زَيِّنَّا بِزِينةِ الإيمانِ ، واجعلنا هُدَاة مَهْدِيِّينَ " هذا من أدعية النبي عليه الصلاة والسلام في التهجد .
أثر اسم المقتدر يظهر حينما يعلق الموحد أفعاله على مشيئة الله :
أيها الأخوة ، أثر هذا الاسم في عبودية اللسان يظهر حينما يعلق الموحد أفعاله على مشيئة الله ، أفعل هذا إن شاء الله ، إن شاء الله الإيمانية ، أما المنافق إن أراد أن يأتي يقول لك إن شاء الله سآتي ، إن أراد أن لا يدفع ما عليه إن شاء الله أدفع لك ، هذه إن شاء الله النفاقية ، أما إن شاء الله الإيمانية عازم على التنفيذ لكن ربط مشيئته بمشيئة الله ، إن شاء الله سواء في الماضي والحاضر والمستقبل .
وقد علمنا النبي صلى الله عليه وسلم أن الموحد يقول فيما وقع ومضى من الأحداث :
" فلا تَقُل : لو أنَّي فعلتُ لكان كذا وكذا ، ولكن قل : قَدَّر الله وما شاءَ فَعَل فإن لو تفتحُ عَمَلَ الشيطان " [مسلم] لو ممنوعة ، ممنوعة في قاموس المؤمن .
خيارات العمل الصالح للقوي والغني لا تعد ولا تحصى :
إذا كان طريق القوة ، وطريق الغنى سالكاً وفق منهج الله ، يجب أن تكون قوياً لأن خيارات العمل الصالح للقوي لا تعد ولا تحصى ، ولأن خيارات العمل الصالح للغني لا تعد ولا تحصى .
" المؤمن القويُّ خيْر وأحبُّ إلى الله من المؤمن الضعيف " لكن النبي بالتعبير الدارج جبار خواطر " وفي كلّ خير " يعني أي مؤمن على العين والرأس .
على المؤمن ألا ينسب النعم الكبرى إلى فضله وذكائه بل إلى فضل الله عز وجل ونعمه :
لا حول عن معصيته إلا به ، الأدب الجم الذي تمتع به سيدنا يوسف : " وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ " [يوسف:33] لا حول عن معصيته إلا به ، ولا قوة على طاعته إلا به " إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ " لذلك المؤمن ينسب النعمة إلى المنعم لا إلى ذكائه .
إذا كنت بنعمة ، ببحبوحة ، بمنصب رفيع ، بشهادة عليا ، بأولاد أبرار ، لك مأوى ، هذه النعم الكبرى لا تنسبها إلى جهدك ، وذكائك ، وخبرتك ، وتعبك ، وعرق جبينك ، وكد يمينك ، انسبها إلى فضل الله عز وجل .
على المؤمن التخلق بالكمال الإلهي الذي أساسه دقة التقدير والقدرة :
الأجانب أحياناً يسخرون من بعض المسلمين المقصرين يسمون الشرقي أي ، بي إم ( أي إن شاء الله ، إذا أراد ألا يفعل ، وبي ، بكرة ، تأجيل ، وإم ، معلش ، لا يهتم ، لا يبالي وإذا بال فمن بال يبول ، لا من بال يبالي ) إذاً الإنسان حينما يرجئ ، ويسوف يكون مقصراً ، فالمؤمن لفهمه لهذا الاسم العظيم متمكن في عمله ، متمكن في بيته ، يعلم دقائق الأمور ، ومهيمن على كل أطراف الأمور ، مؤمن شكلي ، صوري ، ما في هيمنة ، ما في قدرة ، ما في معلومات صحيحة ، هذا يتناقض مع تخلق الإنسان المؤمن بهذا الكمال الإلهي الذي أساسه دقة التقدير والقدرة .