" الإيثَـــار "
" الإيثَـــار "
#### الفرق بين الإيثَار والسَّخاء والجود:
ذكر ابن قيِّم الجوزية فروقًا بين كلٍّ مِن الإيثار والسَّخاء والجود، مع أنَّها كلَّها أفعال بذلٍ وعطاء، قال ابن القيِّم في مدارج السالكين: (وهذا المنزل – أي الإيثَار-: هو منزل الجود والسَّخاء والإحْسَان، وسمِّي بمنزل الإيثَار؛ لأنَّه أعلى مراتبه، فإنَّ المراتب ثلاثة:
إحداها: أن لا ينقصه البذل ولا يصعب عليه، فهو منزلة السَّخاء.
الثَّانية: أن يعطي الأكثر ويبقي له شيئًا، أو يبقي مثل ما أعطى فهو الجود.
الثَّالثة: أن يؤثر غيره بالشَّيء مع حاجته إليه، وهي مرتبة الإيثَار) [مدارج السالكين].
التَّرغيب في الإيثار: أولًا: في القرآن الكريم:
قال الله تبارك وتعالى: " وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ " [الحشر: 9].
قال الطَّبري: (يقول تعالى ذكره: وهو يصفُ الأنصار: " وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ " مِن قبل المهاجرين، " وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ " يقول: ويعطون المهاجرين أموالهم إيثَارًا لهم بِها على أنفسهم " وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ " يقول: ولو كان بهم حاجة وفاقة إلى ما آثَرُوا به مِن أموالهم على أنفسهم) [جامع البيان].
وقال ابن كثير: (أي: يقدِّمون المحاويج على حاجة أنفسهم، ويبدؤون بالنَّاس قبلهم في حال احتياجهم إلى ذلك) [تفسير القرآن العظيم].
- وقال الله تعالى: " لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ " [آل عمران: 92].
(يعني: لن تنالوا وتدركوا البرَّ، الذي هو اسمٌ جامعٌ للخيرات، وهو الطَّريق الموصل إلى الجنَّة، حتى تنفقوا ممَّا تحبُّون، مِن أطيب أموالكم وأزكاها. فإنَّ النَّفقة مِن الطَّيب المحبوب للنُّفوس، مِن أكبر الأدلَّة على سماحة النَّفس، واتِّصافها بمكارم الأخلاق، ورحمتها ورقَّتها، ومِن أدلِّ الدَّلائل على محبَّة الله، وتقديم محبَّته على محبَّة الأموال، التي جبلت النُّفوس على قوَّة التَّعلُّق بها، فمَن آثر محبَّة الله على محبَّة نفسه، فقد بلغ الذِّروة العليا مِن الكمال، وكذلك مَن أنفق الطَّيبات، وأحسن إلى عباد الله، أحسن الله إليه ووفَّقه أعمالًا وأخلاقًا، لا تحصل بدون هذه الحالة) [تفسير السعدى].
#### ثانيًا: في السُّنَّة النَّبويَّة:
- عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الأشعريِّين إذا أرملوا (نفذ زادهم) في الغزو، أو قلَّ طعام عيالهم بالمدينة جمعوا ما كان عندهم في ثوب واحد، ثمَّ اقتسموه بينهم في إناء واحد بالسَّويَّة، فهم منِّي، وأنا منهم) [رواه البخارى ومسلم).
يقول العيني: (فيه منقبة عظيمة للأشعريين من إيثارهم ومواساتهم بشهادة سيدنا رسول الله وأعظم ما شرفوا به كونه أضافهم إليه....وفيه فضيلة الإيثَار والمواساة) [عمدة القارى شرح صحيح البخارى].
وقال أبو العبَّاس القرطبي: (هذا الحديث يدلُّ على أنَّ الغالب على الأشعريِّين الإيثَار، والمواساة عند الحاجة... فثبت لهم بشهادة رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنَّهم...كرماء مؤثرون) [المفهوم لما أشكل من تلخيص كاب مسلم].
- وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (طعام الاثنين كافي الثَّلاثة، وطعام الثَّلاثة كافي الأربع) [رواه البخارى ومسلم) وفي لفظ لمسلم: (طعام الواحد يكفي الاثنين، وطعام الاثنين يكفي الأربعة، وطعام الأربعة يكفي الثَّمانية) [رواه مسلم من حديث جابر بن عبد الله رضى الله عنهما].
(قال المهَلَّب: والمراد بهذه الأحاديث الحضُّ على المكارمة في الأكل والمواساة والإيثَار على النَّفس، الذي مدح الله به أصحاب نبيَّه، فقال: " وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ " [الحشر:9] ولا يُراد بها معنى التَّساوي في الأكل والتَّشاح؛ لأنَّ قوله عليه السَّلام: (كافي الثَّلاثة) دليل على الأثرة التي كانوا يمتدحون بها والتَّقنُّع بالكفاية، وقد همَّ عمر بن الخطَّاب في سنة مجاعة أن يجعل مع كل أهل بيت مثلهم، وقال: لن يهلك أحد عن نصف قوته) [شرح صحيح البخارى لابن بطال].
من فوائد الإيثَار:
1- دخولهم فيمن أثنى الله عليهم مِن أهل الإيثَار، وجعلهم مِن المفلحين.
2- الإيثَار طريق إلى محبَّة الله تبارك وتعالى.
3- تحقيق الكمال الإيماني، فالإيثَار دليلٌ عليه، وثمرة مِن ثماره.
4- ومِن أعظم الثِّمار والفوائد: أنَّ التَّحلِّي بخُلُق الإيثَار فيه اقتداءٌ بالحبيب محمَّد صلى الله عليه وسلم.
5- أنَّ المؤْثر يجني ثمار إيثاره في الدُّنْيا قبل الآخرة وذلك بمحبَّة النَّاس له وثناؤهم عليه، كما أنَّه يجني ثمار إيثاره بعد موته بحسن الأحدوثة وجمال الذِّكر، فيكون بذلك قد أضاف عمرًا إلى عمره.
أقسام الإيثَار:
#### القسم الأوَّل: إيثار يتعلَّق بالخالق:
وهو أفضل أنواع الإيثَار وأعلاها منزلة، وأرفعها قدرًا، يقول ابن القيِّم: (والإيثَار المتعلِّق بالخالق أجلُّ مِن هذا -أي مِن الإيثَار المتعلِّق بالخلق- وأفضل، وهو إيثار رضاه على رضى غيره، وإيثار حبِّه على حبِّ غيره، وإيثار خوفه ورجائه على خوف غيره ورجائه، وإيثار الذُّل له والخضوع والاستكانة والضَّراعة والتملُّق على بذل ذلك لغيره، وكذلك إيثار الطلب منه والسُّؤال وإنزال الفاقات به على تعلُّق ذلك بغيره) [طريق الهجرتين وباب السعادتين].
ولهذا النَّوع مِن الإيثَار علامتان تدلان عليه، لا بدَّ أن تظهرا على مدَّعيه، وهما:
الأول: أن يفعل المرء كلَّ ما يحبُّه الله تعالى ويأمر به، وإن كان ما يحبُّه الله مكروهًا إلى نفسه، ثقيلًا عليه.
الثَّاني: أن يترك ما يكرهه الله تعالى وينهى عنه، وإن كان محبَّـــبًا إليه، تشتهيه نفسه، وترغِّب فيه.
يقول ابن القيِّم: (فبهذين الأمرين يصحُّ مقام الإيثَار) [طريق الهجرتين وباب السعادتين].
صعوبة هذا الإيثَار على النَّفس:
جُبِلت النَّفس على الرَّاحة والدَّعة والميل إلى الملاذ والمتع، كما جُبِلت على البعد عن كلِّ ما يشقُّ عليها أو ينغِّص متعتها أو يحدُّ مِن ملذَّاتها، ولـمَّا كان هذا النَّوع مِن الإيثَار يضادُّ ما جُبِلَت عليه النَّفس مِن الرَّاحة والدَّعة كان صعبًا عليها التَّلبُّس به، أو التَّخلُّق والتَّحلِّي بمعناه.
يقول ابن القيِّم مبيِّــنًا صعوبة هذا النَّوع مِن الإيثَار وثقله على النَّفس:
(ومؤنة هذا الإيثَار شديدة لغلبة الأغيار، وقوَّة داعي العادة والطَّبع، فالمحنة فيه عظيمة، والمؤنة فيه شديدة، والنَّفس عنه ضعيفة، ولا يتم فلاح العبد وسعادته إلَّا به، وإنَّه ليسيرٌ على مَن يسَّره الله عليه) [طريق الهجرتين وباب السعادتين].
وإن كان هذا النَّوع مِن الإيثَار شديدٌ على النَّفس صعب على الرُّوح إلَّا أنَّ ثمراته وما يجنيه الشَّخص منه تفوق ثمرات أيِّ نوع مِن الأعمال، فنهايته فوز محقَّق وفلاح محتوم، وملك لا يضاهيه ملك.
#### القسم الثَّاني: إيثار يتعلَّق بالخَلْق:
وهذا هو النَّوع الثَّاني مِن أنواع الإيثَار مِن حيث تعلُّقه بالخَلْق.. وقد قسَّم ابن عثيمين هذا النَّوع مِن الإيثَار إلى ثلاثة أقسام: (الأوَّل: ممنوع، والثَّاني: مكروه أو مباح، والثَّالث: مباح).
- القسم الأوَّل: وهو الممنوع: وهو أن تؤثر غيرك بما يجب عليك شرعًا، فإنَّه لا يجوز أن تقدم غيرك فيما يجب عليك شرعًا... فالإيثَار في الواجبات الشَّرعية حرام، ولا يحل لأنَّه يستلزم إسقاط الواجب عليك.
- القسم الثَّاني: وهو المكروه أو المباح: فهو الإيثَار في الأمور المستحبة، وقد كرهه بعض أهل العلم، وأباحه بعضهم، لكن تَــركُه أولى لا شكَّ إلَّا لمصلحة.
- القسم الثَّالث: وهو المباح: وهذا المباح قد يكون مستحبًّا، وذلك أن تؤثر غيرك في أمر غير تعبُّدي أي تؤثر غيرك، وتقدِّمه على نفسك في أمرٍ غير تعبُّدي) [شرح رياض الصالحين].
شروط هذا النَّوع مِن الإيثَار:
ذكر ابن القيِّم شروطًا للإيثَار المتعلِّق بالمخلوقين تنقله مِن حيِّز المنع أو الكراهة إلى حيِّز الإباحة ولعلَّنا نجملها فيما يلي:
1- أن لا يضيع على المؤْثِر وقته.
2- أن لا يتسبَّب في إفساد حاله.
3- أن لا يهضم له دينه.
4- ألَّا يكون سببًا في سدِّ طريق خير على المؤْثِر.
5- أن لا يمنع للمُؤْثر واردًا.
فإذا توفَّرت هذه الشُّروط كان الإيثَار إلى الخَلْق قد بلغ كماله، أمَّا إن وُجِد شيء مِن هذه الأشياء كان الإيثَار إلى النَّفس أَوْلَى مِن الإيثَار إلى الغير، فالإيثَار المحمود -كما قال ابن القيِّم هو: (الإيثَار بالدُّنْيا لا بالوقت والدِّين وما يعود بصلاح القلب) [طريق الهجرتين وباب السعادتين].
#### درجات الإيثَار:
ذَكَر أبو إسماعيل الهرويُّ في كتابه (منازل السَّائرين) أنَّ للإيثار ثلاث درجات:
- الدَّرجة الأولى: (أن تؤثر الخَلْق على نفسك فيما لا يَحْرُم عليك دينًا، ولا يقطع عليك طريقًا، ولا يفسد عليك وقتًا) [منازل السائرين].
قال ابن القيِّم في شرحه لهذه الدَّرجة: (يعني: أن تُقدِّمهم على نفسك في مصالحهم، مثل: أن تطعمهم وتجوع، وتكسوهم وتعرى وتسقيهم وتظمأ بحيث لا يؤدِّي ذلك إلى ارتكاب إتلافٍ لا يجوز في الدِّين) [مدارج السالكين].
- الدَّرجة الثَّانية: (إيثار رضى الله تعالى على رضى غيره، وإن عَظُمَت فيه المحن وثَقُلَت به المؤن، وضَعُفَ عنه الطول والبدن) [منازل السائرين].
قال ابن القيِّم: (هو أن يريد ويفعل ما فيه مرضاته، ولو أغضب الخَلْق، وهي درجة الأنبياء وأعلاها للرُّسل عليهم صلوات الله وسلامه وأعلاها لأولي العزم منهم، وأعلاها لنبيِّنا صلى الله عليه وسلم) [مدارج السالكين].
- الدَّرجة الثَّالثة: (إيثارُ إيثارِ الله تعالى: فإنَّ الخوض في الإيثَار دعوى في الملك، ثمَّ تَرْك شهود رؤيتك إيثار الله، ثمَّ غيبتك عن التَّرك) [منازل السائرين].
#### موانع اكتساب صفة الإيثَار:
موانع اكتساب الإيثَار المتعلِّق بالخالق:
يقول ابن قيِّم الجوزية في الموانع التي تجعل النَّفس تتخلَّف عن هذا النَّوع مِن الإيثَار:
(والنَّقص والتَّخلُّف في النَّفس عن هذا يكون مِن أمرين:
1- أن تكون جامدة غير سريعة الإدراك، بل بطيئة ولا تكاد ترى حقيقة الشَّيء إلَّا بعد عُسْر، وإن رأتها اقترنت به الأوهام والشُّكوك والشُّبهات والاحتمالات، فلا يتخلَّص له رؤيتها وعيانها.
2- الثَّاني أن تكون القريحة وَقَّادة دَرَّاكة، لكن النَّفس ضعيفة مهينة إذا أبصرت الحقَّ والرُّشد ضَعُفَت عن إيثاره، فصاحبها يسوقها سوق العليل المريض: كلَّما ساقه خطوة وقف خطوة، أو كسوق الطِّفل الصَّغير الذي تعلَّقت نفسه بشهواته ومألوفاته، فهو يسوقه إلى رشده وهو ملتفت إلى لهوه ولعبه، لا ينساق معه إلَّا كَرْهًا) [طريق الهجرتين وباب السعادتين].
موانع اكتساب الإيثَار المتعلِّق بالخَلْق:
1- ضعف الإيمان واليقين، فكما أنَّ الإيمان القويَّ يدفع صاحبه للبذل والعطاء والإيثَار، فإنَّ ضعفه يكون سببًا في الأثرة والشُّح.
2- الشُّح المطاع، لذا ذكر الله عزَّ وجلَّ في الآية التي مدح فيها أهل الإيثَار أنَّ مَن يُوَفَّق في الوقاية مِن شحِّ نفسه فقد أفلح.
#### الوسائل المعينة على اكتساب الإيثَار:
الوسائل المعينة على اكتساب الإيثَار المتعلِّق بالخالق:
ذكر ابن قيِّم الجوزية أمورًا تجعل مِن هذا الإيثَار أمرًا سهلًا على النَّفس، فقال:
(والذي يسهِّله على العبد أمور:
- أحدها: أن تكون طبيعته ليِّنة منقادة سلسة ليست بجافية ولا قاسية، بل تنقاد معه بسهولة.
- الثَّاني: أن يكون إيمانه راسخًا ويقينه قويًّا؛ فإنَّ هذا ثمرة الإيمان ونتيجته.
- الثَّالث: قوَّة صبره وثباته.
فبهذه الأمور الثَّلاثة ينهض إلى هذا المقام ويسهل عليه دركه) [طريق الهجرتين وباب السعادتين].
الوسائل المعينة على اكتساب الإيثَار المتعلِّق بالخَلْق:
قال ابن القيِّم: (فإن قيل: فما الذي يسهِّل على النَّفس هذا الإيثَار، فإنَّ النَّفس مجبولة على الأَثَـــرَة لا على الإيثَار؟ قيل: يسهِّله أمور:
- أحدها: رغبة العبد في مكارم الأخلاق ومعاليها؛ فإنَّ مِن أفضل أخلاق الرَّجل وأشرفها وأعلاها: الإيثَار. وقد جبل الله القلوب على تعظيم صاحبه ومحبَّته، كما جبلها على بغض المستأثر ومقته، لا تبديل لخلق الله.
- الثَّاني: النُّفرة مِن أخلاق اللِّئام ومقت الشُّح وكراهته له.
#### نماذج مِن إيثار رسول الله صلى الله عليه وسلم:
- عن سهل بن سعد قال: (جاءت امرأة ببردة، قال: أتدرون ما البردة؟ فقيل له: نعم، هي الشَّملة منسوج في حاشيتها، قالت: يا رسول الله، إنِّي نسجت هذه بيدي أكسوكها، فأخذها النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم محتاجًا إليها، فخرج إلينا وإنَّها إزاره، فقال رجل مِن القوم: يا رسول الله، اكسنيها، فقال: (نعم) فجلس النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم في المجلس، ثمَّ رجع فطواها، ثمَّ أرسل بها إليه، فقال له القوم: ما أحسنت، سألتها إيَّاه، لقد علمت أنَّه لا يردُّ سائلًا، فقال الرَّجل: والله ما سألته إلَّا لتكون كفني يوم أموت، قال سهل: فكانت كفنه) [رواه البخارى].
نماذج مِن إيثار الصَّحابة رضوان الله عليهم:
ضيف رسول الله صلى الله عليه وسلم:
- عن أبي هريرة رضي الله عنه (أنَّ رجلًا أتى النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم، فبعث إلى نسائه، فقلن: ما معنا إلَّا الماء. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مَن يضمُّ - أو يضيف - هذا؟ فقال رجل مِن الأنصار: أنا، فانطلق به إلى امرأته، فقال: أكرمي ضيف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: ما عندنا إلَّا قوت صبياني، فقال: هيِّئي طعامك، وأصبحي سراجك (1)، ونوِّمي صبيانك إذا أرادوا عشاء، فهيَّأت طعامها، وأصبحت سراجها، ونوَّمت صبيانها، ثمَّ قامت كأنَّها تصلح سراجها فأطفأته، فجعلا يريانه أنَّهما يأكلان، فباتا طاويين (2)، فلمَّا أصبح غدا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ضحك الله اللَّيلة- أو عجب مِن فعالكما-، فأنزل الله: " وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ " [الحشر:9]) [روه البخارى].
#### نماذج مِن إيثار السَّلف رحمهم الله:
عن أبي الحسن الأنطاكيِّ: أنَّه اجتمع عنده نيِّف وثلاثون رجلًا بقرية مِن قرى الرَّيِّ، ومعهم أرغفة معدودة لا تُشْبِع جميعهم، فكسروا الرُّغفان، وأطفئوا السِّراج، وجلسوا للطَّعام، فلمَّا رُفع فإذا الطَّعام بحاله، لم يأكل منه أحد شيئًا إيثارًا لصاحبه على نفسه.
#### أقوالٌ وحكمٌ في الإيثَار:
قال أبو سليمان الدَّارني: لو أنَّ الدُّنْيا كلَّها لي فجعلتها في فم أخ مِن إخواني لاستقللتها له.
- وقال أيضًا: إنِّي لألقم اللُّقمة أخًا مِن إخواني فأجد طعمها في حلقي [إحياء علوم الدين].
مختارات