اسم الله الملك 2
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
من أسماء الله الحسنى : ( الملِك ) :
1 – ( الملِك ) اسم ذاتٍ وصفة وفعل :
أيها الإخوة الأكارم ، مع درس من دروس أسماء الله الحسنى ، ولا زلنا في اسم الله ( الملك ) وكلكم يعلم أن أسماء الله عز وجل على أنواع ، هناك اسم ذات ، وهناك اسم فعل ، وهناك اسم صفة ، فالملك اسم يدل على ذات الله ، والملك اسم يدل على فعله ، قال تعالى : " تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ " [الملك:1] .
2 – " فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ " وقال بعض العلماء : في قوله تعالى :
" فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ " [يس: 83] قالوا : المُلك مُلك الأجسام ، والملكوت مُلك النفوس ، فالله سبحانه وتعالى رب العالمين ، يربي أجسامنا ويربي نفوسنا ، يربي أجسامنا فيمدها بما تحتاج ، من طعام وشراب ، وهواء ، وما إلى ذلك ، ويربي النفوس حينما تنحرف عن منهجه ، يسوق لها من الشدائد ما يحملها على طاعته : " فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ "
" تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ "
من مِن لوازم اسم ( الملِك ) :
1 – العلوُّ : أيها الإخوة ، من لوازم الملك العلو .
" فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ " [طه:114] .
2 – الاستواء : ومن لوازم الملك الاستواء :
" الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى " [طه:5] .
3 – التمليك :
لكن الموضوع الدقيق في هذا اللقاء الطيب أن ( الملك ) هو المالك والمملِّك ، فالله عز وجل ، يعطيك الصحة ، الصحة تُملك ، يعطيك القوة ، القوة تُملك .
هناك رجل من علماء الشام عاش 96 عاماً ، وهو في أتم صحته ، منتصب القامة ، حاد البصر ، مرهف السمع ، أسنانه في فمه ، فكان إذا سُل : يا سيدي ! ما هذه الصحة التي حباك الله بها ؟! يقول : يا بني ، حفظناها في الصغر فحفظها الله علينا في الكبر ، من عاش تقيناً عاش قوياً .
( الملِك ) هو المالك والمملِّك ، يملكك الصحة والقوة ، يعطي العقل والذكاء ، يعطي الجمال والوسامة ، يعطيك زوجة ، يهبك أولاداً ، يهبك بيتاً ، مأوى تؤوي إليه ، يجعلك ممكَّناً في الأرض ، تتقن حرفة ، تتقن اختصاصاً ، تحمل شهادة ، فـ( الملك ) هو المالك والمملِّك .
حينما تملك ، وحينما تمكَّن في الأرض يرتفع مقامك ، ومع ارتفاع مقامك تزداد فرص العمل الصالح ، القوة في ثلاث ، في المال ، وفي العلم ، وفي المنصب .
أحياناً إذا كنت في منصب رفيع بجرة قلم تحق حقاً ، وتبطل باطلاً ، تقرّ معروفاً ، وتزيل منكراً ، وإذا كنت عالماً قد يسعد الناس بعلمك ، وإذا كنت غنياً قد يسعد الناس بمالك ، فإذا مكنك في الأرض أعطاك القوة ، أو أعطاك المال ، أو أعطاك العلم ، عندئذٍ تزداد فرص العمل الصالح أمامك ، وعندئذٍ تزداد مسؤوليتك .
كل إنسان ممكَّن في الأرض ، إن أحسن فله أجران ؛ أجر إحسانه ، وأجر مَن اقتدى به ، وكل إنسان ممكَّن في الأرض إذا أساء فعليه وزران ، وزره ووزر مَن قلَّده .
إذاً : ( الملك ) هو المالك والمملِّك ، لذلك سيدنا عمر بن عبد العزيز دخلت عليه زوجته فاطمة بنت عبد الملك ، رأته يبكي في مصلاه ، قالت له : ما لك تبكي ؟ قال : " دعينِي وشأني ، فلما ألحت عليه قال : ويحك يا فاطمة ، إني وليتُ أمرَ هذه الأمة ، فرأيت المريض الضائع ، والفقير الجائع ، والشيخ الكبير ، والأرملة الوحيدة ، وذا العيال الكثير ، والرزق القليل ، والأسير ، والمظلوم في أطراف البلاد ، فعلمت أن الله سيسألني عنهم جميعاً ، وأن خصمي دونهم رسول الله ، فخفت ألا تثبت حجتي فلهذا أبكي " .
سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، سأل والياً : " ماذا تفعل إذا جاءك الناس بسارق أو ناهب ؟ فأجابه الإجابة الشرعية ، قال : أقطع يده ، قال : فإن جاءني مِن رعيتك مَن هو جائع أو عاطل فسأقطع يدك ، إن الله قد استخلفنا عن خلقه لنسدّ جوعتهم ، ونستر عورتهم ، ونوفِّر لهم حرفتهم ، فإن وفينا لهم ذلك تقاضيناهم شكرها ، إن هذه الأيدي خلقت لتعمل ، فإذا لم تجد في الطاعة عملاً التمست في المعصية أعمالاً ، فاشغلها بالطاعة قبل أن تشغلك بالمعصية " .
الحظوظ وزعت في الدنيا توزيع ابتلاء ، وهي موضع ابتلاء وجودًا وعدمًا :
أيها الإخوة ، هناك تساؤل ، المال حظ ، العلم حظ ، الذكاء حظ ، طلاقة اللسان حظ ، الوسامة حظ ، هذه الحظوظ كيف ووزعت في الدنيا ؟ قال بعض العلماء : الحظوظ وزعت في الدنيا توزيع ابتلاء ، ما الذي أتاك الله إياه ؟ أتاك المال ؟ أنت ممتحن بالمال ، أتاك العلم ، أنت ممتحن بالعلم ، أتاك القوة ، أنت ممتحن بها ، ما الذي زوي عنك ؟ زوي عنك الغنى ، أنت ممتحن بالفقر ، زويت عنك القوة ، أنت ممتحن بالضعف ، زويت عنك الوسامة ، أنت ممتحن بها ، فأنت ممتحن في بندين ، فيما وهبك الله ، وفيما زوى عنك وهذا المعنى الدقيق يذكرنا بدعاء النبي عليه الصلاة والسلام : " اللهم ما رزقتني مما أُحِبُّ فاجعَلْهُ قُوَّة لي فيما تُحِبُّ ، وما زَوَيْتَ عني مما أُحِبُّ فاجعَلْهُ فَرَاغا لي فيما تُحِبُّ " [الترمذي] .
ما مِن رجبٍ من الناس إلا وآتاه الله حظوظاً ، وزوى عنه حظوظاً ، فأنت ممتحن فيما أتاك ، وممتحن فيما زوي عنك .
الإنسان مخيَّرٌ :
أيها الإخوة ، لكن الإنسان مخير ، قال تعالى : " مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ " [الإسراء:18] .
لحكمة ما بعدها حكمة ، لرحمة ما بعدها رحمة ، لعلم ما بعده علم : " مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ " أي الدنيا .
" عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ "
يعني عجّلنا بالقدر الذي نشاء ، والإنسان الذي إن عجلنا له فيها كان هذا التعجيل حكمة في حقه : " مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ "
" ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُوماً مَدْحُوراً " [الإسراء:18] .
الآن دققوا : " وَمَنْ أَرَادَ الْآَخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا " [الإسراء:19] لم يقل : وسعى لها : " وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً " [الإسراء:19] الآن كقانون ، كسنة من سنن الله عز وجل : " كُلّاً نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً " [الإسراء:20] أنت مخير ، الشيء الذي تصدق في طلبه تناله ، ما أنت فيه صادق ، وما لست فيه ، تمنياتك ، الله عز وجل لا يتعامل أبداً مع التمنيات .
" لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ " [النساء:123] .
يتعامل مع الصدق ، أي شيء تطلبه من الله بصدق ، وتدفع ثمنه يؤتيك الله إياه ، قال بعض المفكرين : " إن القرار الذي يتخذه الإنسان في شأن مصيره قلّما تنقضه الأيام إذا كان صادراً حقاً عن إرادة وإيمان " اطلب ما تشاء من الله ، ولكن اطلب بصدق ، واطلب مع دفع الثمن : " وَمَنْ أَرَادَ الْآَخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا " لم يقل وسعى لها : " وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا " السعي الذي تستحقه .
" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ " [آل عمران:102] .
" حَقَّ تُقَاتِهِ " أن تطيعه فلا تعصيه ، أن تذكره فلا تنساه ، أن تشكره فلا تكفره .
إذاً الحظوظ في الدنيا موزعة توزيع ابتلاء ، أنت ممتحن فيما أعطاك ، ممتحن فيما زوى عنك .
" انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ " دقق في هذه الآية :
" انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ " [الإسراء:21] هل بائع متجول كتاجر كبير ؟ هل ممرض كجراح قلب ؟ هل معلم في قرية كأستاذ في الجامعة ؟
" انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآَخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً " [الإسراء:21] .
أين بطولتك ؟ أن تحقق نجاحاً في الدنيا ، ثم يأتي الموت لينهي هذا النجاح ؟ أم أن تحقق نجاحاً في الآخرة .
حظوظ الدنيا لا تعني شيئا :
حظوظ الدنيا موزعة في الدنيا توزيع ابتلاء ، وهذا التوزيع مؤقت ، والتوزيع ينتهي بالموت ، وهذا التوزيع قد لا يعني أنك عند الله متفوق ، لأن الله يعطي الملك لمن يحب ، ولمن لا يحب، أعطى الملك لفرعون ، وهو لا يحبه ، أعطى الملك لسليمان ، وهو يحبه ، أعطى المال لقارون ، وهو لا يحبه ، أعطى المال لعبد الرحمن بن عوف ، وهو يحبه ، فحظوظ الدنيا لمن يحب ولمن لا يحب ، ولا تعني شيئاً ، وقد تعني العكس : " فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ " [الأنعام:44] .
الموت ينهي كل شيء ، لكن حظوظ الآخرة تعني كل شيء ، وهي أبدية سرمدية لذلك اكبر خسارة أن تخسر الآخرة .
" قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ " [الزمر:15] .
حظوظ الدنيا موزعة توزيع ابتلاء ، هذه الحظوظ سوف توزع في الآخرة توزيع جزاء ، فقد يكون الإنسان غنيا والآخر فقيرا ، عاشا عمراً واحداً ، سبعين عاما ، الغني لم ينجح في امتحان الغنى ، فتاه على مَن حوله ، وأنفق ماله على لذاته وحظوظه ، وحرمه من الفقراء والمساكين ، والفقير نجح في امتحان الفقر ، فصبر وتجمل ، انتهت السبعون عاماً ، الذي نجح في امتحان الفقر في جنة إلى أبد الآبدين ، والذي لم ينجح في امتحان الغنى في نار جهنم ، وبئس المصير فالحظوظ في الدنيا موزعة توزيع ابتلاء وسوف توزع في الآخرة توزيع جزاء .
الأخذ بالأسباب بين الحقيقة الشرعية وأوهام الناس :
أيها الإخوة ، لحكمة بالغةٍ بالغة جعل الله لكل شيء سببا ، فالأسباب تفضي إلى النتائج ، ولكن لئلا نتوهم أن السبب وحده خالق النتيجة ، الله عز وجل من حين لآخر يعطل هذه الأسباب ، قد يجعلك قوياً وأنت ضعيف ، وغنياً وأنت فقير ، وقد يسلب الغنى من الغني فيغدو فقيراً ، وقد يسلب القوة من القوي فيغدو ضعيفاً ، من هنا يجب أن نعتقد أن خالق النتائج هو الله .
السيدة مريم أنجبت نبياً كريماً من دون زوج ، ألغي السبب ، وأحياناً شابان قويان في أوج نشاطهما لا ينجبان ، هناك سبب بغير نتيجة ، وهناك نتيجة بلا سبب ، لذلك لا تؤلّه الأسباب ، العالم الغربي أخذ بالأسباب ، واعتمد عليها ، وألّهها ، ونسي الله ، وقع في الشرك ، والمسلمون المقصرون في آخر الزمان لم يأخذوا بها إطلاقاً ، وقعوا في المعصية ، كلاهما على خطأ ، يجب أن تأخذ بالأسباب ، وكأنها كل شيء ، ثم تتوكل على الله ، وكأنها ليست بشيء ، هذا الموقف الدقيق ، والموقف الحكيم ، أن تأخذ بالأسباب ، وكأنها كل شيء ، ثم تتوكل على الله ، وكأنها ليست بشيء .
أيها الإخوة ، ماذا قال الله عز وجل مخاطباً نبيه ؟
" قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلَا رَشَداً " [الجن:21] .
بل قل لهم : " قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرّاً وَلَا نَفْعاً " [يونس:49] .
فإذا كنت : " لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرّاً وَلَا نَفْعاً " فمن باب أولى أنني : " لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلَا رَشَداً " معنى ذلك أن الله هو الملِك ، هو الذي يُملِّك ، الملك مالك مملك ، الحظوظ الله عز وجل يملكك إياها ، والحظوظ الله عز وجل يسلبها منك ، هو ( الملك ) .
التطبيقات العملية لاسم ( الملِك ) :
لا ينبغي لعبد الملِك أن يتذلل لمخلوق :
أيها الإخوة ، الآن لا يليق بمن آمن بالله بأنه ملك أن يتذلل لمخلوق ، لا يليق بمن آمن بالله بأنه ملك أن يتضعضع أمام غني أو أمام قوي .
" من جلس إلى غني فتضعضع له ذهب ثلثا دينه " [ورد في الأثر] .
قال بعضهم : ما أجمل عطف الأغنياء على الفقراء ، هناك أجمل من هذا ، تيه الفقراء على الأغنياء ، ثقة بما عند الله ، لذلك لا ينبغي للمؤمن أن يذل نفسه .
اجعل لربك كل عــزك يستقر ويثـبت
فإذا اعتززت بمن يمـوت فإن عزك ميت
مختارات
-
" مراتب المنكر الذي ينكره المرء "
-
اسم الله العـــزيز
-
روشتة البدايه
-
قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ
-
الإنسان ليس ربّاً !!
-
بمـاذا نبـدأ ؟
-
راكلو عربة الصحوة
-
" حارب اليأس.. فأصبح أغنى الرجال في العالم ! "
-
لا تنس أخي المشرف
-
" ثالثًا : أحبُّ الأعمال إلى الله : الأمرُ بالمعروف والنهيُ عن المنكر "