حال الخشوع ودرجات الذاكرين
ذكرها الإمام ابن القيم في كتابه مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين (2/ 404)":
إِحْدَاهَا: أَنْ تنْسَى غَيْرَ اللَّهِ وَلَا تنْسَى نَفْسَك
فهذه أَوَّلُ دَرَجَاتِ الذِّكْرِ وَهِيَ: أَنْ تَنْسَى غَيْرَ الْمَذْكُورِ دون أن تَنْسَى نَفْسَكَ فِي الذِّكْرِ؛ تنسى والدك، ولدك، تجاراتك، مالك، مواعيدك..؛ لكنك مستحضر لأحوال نفسك: جو حار، جوع، ألم... الخ
الثَّانِيَةُ: نِسْيَانُ نَفْسِك فِي ذِكْرِ ربك
فتَغِيبُ بِذِكْرِهِ سبحانه عَنْ نَفْسِك../ مثال: قطع رجل عروة بن الزبير: دعوني حتى أدخل في ذكر الله تعالى..
الْمَرْتَبَةِ الثَّالِثَةِ: أن تنسى ذِكْرَكَ فِي ذِكْرِهِ
وَهِيَ مَرْتَبَةُ الْفَنَاءِ. = تنتقل من التدبر في معاني الذكر إلى التدبر في معاني وآثار الأسماء والصفات.. / كَمَا سُئِلَ ذُو النُّونِ عَنِ الذِّكْرِ فَقَالَ: "غَيْبَةُ الذَّاكِرِ عَنِ الذِّكْرِ".
فَفِي الْأُولَى: فَنِيَ الذاكر عَمَّا سِوَى الْمَذْكُورِ وَلَمْ يَفْنَ عَنْ نَفْسِهِ. وَفِي الثَّانِيَةِ: فَنِيَ عَنْ نَفْسِهِ دُونَ ذِكْرِهِ. وَفِي الثَّالِثَةِ: فَنِيَ عَنْ نَفْسِهِ وَذِكْرِهِ.
الْمَرْتَبَةِ الرَّابِعَةِ: أن تنسى فِي ذِكْرِ الْحَقِّ إِيَّاكَ كُلَّ ذِكْرٍ
وَهَذَا هو الْفَنَاءُ بِذِكْرِ الْحَقِّ عَبْدَهُ عَنْ ذِكْرِ الْعَبْدِ رَبَّهُ.
وَهِيَ: أَنْ يَفْنَى بِذِكْرِ الْحَقِّ سُبْحَانَهُ لَهُ عَنْ كُلِّ ذِكْرٍ، فَإِنَّهُ مَا ذَكَرَ اللَّهَ إِلَّا بَعْدَ ذِكْرِ اللَّهِ لَهُ، فَذِكْرُ اللَّهِ لِلْعَبْدِ سَابِقٌ عَلَى ذِكْرِ الْعَبْدِ لِلرَّبِّ.
فَفِي هَذِهِ الْمَرْتَبَةِ الرَّابِعَةِ: يَشْهَدُ صِفَاتِ الْمَذْكُورِ سُبْحَانَهُ، وَذِكْرَهُ لِعَبْدِهِ، فَيَفْنَى بِذَلِكَ عَنْ شُهُودِ مَا مِنَ الْعَبْدِ.
فَإِنَّ الذَّاكِرَ وَذِكْرَهُ وَالْمَذْكُورَ ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ: فَالذَّاكِرُ وَذِكْرُهُ قَدِ اضْمَحَلَّا وَفَنِيَا، وَلَمْ يَبْقَ غَيْرُ الْمَذْكُورِ وَحْدَهُ وَلَا شَيْءَ مَعَهُ سِوَاهُ.
فذِكْرُ الْعَبْدِ لِرَبِّهِ مَحْفُوفٌ بِذِكْرَيْنِ مِنْ رَبِّهِ لَهُ:
1 ذِكْرٍ قَبْلَهُ؛ بِهِ صَارَ الْعَبْدُ ذَاكِرًا لَهُ
2 وَذِكْرٍ بَعْدَهُ؛ بِهِ صَارَ الْعَبْدُ مَذْكُورًا كَمَا قَالَ تَعَالَى: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ} [البقرة: 152] وَقَالَ فِيمَا يَرْوِي عَنْهُ نَبِيُّهُ: «مَنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي وَمَنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَأٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلَأٍ خَيْرٍ مِنْهُ».
اللهم بلغنا هذه الدرجة.
مختارات