" بكت أخاها وفرحت لموت أولادها الأربعة "
" بكت أخاها وفرحت لموت أولادها الأربعة "
إن أثر وقوع المصيبة على المؤمن يختلف تمام الاختلاف عن الكافر، ولنأخذ حال امرأة كانت في جاهليتها كافرة وقعت عليها مصيبة، ولما صارت مؤمنة في الإسلام وقعت عليها مصائب فاختلف حالها في إسلامها عن حالها لما كانت كافرة، تلك المرأة هي الخنساء؛ التي فقدت في جاهليتها أخاها لأبيها صخر فملأت الآفاق عليه بكاء وعويلاً، ونياحة وشعرًا حزينا حتى قالت:
يذكرني طلوع الشمس صخرًا واذكره بكل غروب شمس
ولولا كثرة الباكين حولي على إخوانهم لقتلت نفسي
هذه المرأة هي نفسها المرأة التي أسلمت وحضرت حرب القادسية مع أبنائها الأربعة وجلست معهم في تلك الليلة الحاسمة موجهة إياهم: يا بني ! إنكم أسلمتم طائعين وهاجرتم مختارين، والله الذي لا إله إلا هو إنكم لبنو رحم واحد، كما أنكم بنو رجل واحد، ما خنت أباكم ولا فضحت خالكم، ولا غيرت نسبكم وقد تعلمون ما أعد الله للمسلمين من الثواب الجزيل في حرب الكافرين، واعلموا أن الدار الباقية خير من الدار الفانية والله يقول: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ " [آل عمران:2] فإذا أصبحتم غدا إن شاء الله سالمين فاغدوا إلى قتال عدوكم مستبصرين، وبالله على أعدائكم مستنصرين، فإذا رأيتم الحرب قد شمرت عن ساقها فتيمموا وطيسها، وجالدوا رئيسها تظفروا بالغنم والشهادة في دار الخلد والسعادة.
فلما أصبحوا باشروا القتال بقلوب فتية، وأنوف حمية، تدفعهم وصية أمهم بموعود ربهم إذا فتر أحدهم ذكره إخوته وصية العجوز؛ فزأر كالليث، وانطلق كالسهم، وانقض كالصاعقة حتى استشهدوا واحدًا بعد واحد، فبلغ الأم نعي أولادها الأربعة فلم تلطم خدًا، ولم تشق جيبًا، ولم تطلق صيحة، ولا نياحة، ولكنها استقبلت النبأ بإيمان الصابرين وفضل المؤمنين فقالت: الحمد لله الذي شرفني بقتلهم، وأرجو من ربي أن يجمعني بهم في مستقر رحمته.
أيها أشق على النفس: الأخ لأب أم الأولاد الأربعة؟ الواحد أم الأربعة؟ ومع ذلك كان للمرأة موقف آخر يختلف تمام الاختلاف عن الموقف السابق، فما الذي تغير؟ تغير شيء واحد إنها النقلة من الكفر إلى الإسلام، ومن الجاهلية إلى الإيمان، ولذلك كان الكفر يأسًا وكان الإسلام أملاً، الإيمان أمل بالله تعالى وهو الذي يجعل المسلم يطلب ويرجو رحمة ربه ويطرد اليأس من حياته؛ لأن اليأس يعني الكفر بالخالق والقنوط من رحمته.
مختارات