تابع " أسباب الارتقاء بالهمَّة "
تابع " أسباب الارتقاء بالهمَّة "
12- مطالعة أخبار السلف وقراءة سيرهم:
والنظر في تراجمهم وما كانوا عليه من الجدِّ والنشاط، يقول ابن الجوزي رحمه الله: «فسبيل طالب الكمال الاطلاع على الكتب.. فإنه يرى من علوم القوم وعلوِّ هممهم، ما يشحذ خاطره، ويحرك عزيمته للجد»..ثم يقول: «وعليكم بملاحظة سير السلف ومطالعة تصانيفهم وأخبارهم، فالاستكثار من مطالعة كُتبهم رُؤية لهم».
ثم يُبين ثمرة ذلك فيقول: «.. فاستفدت بالنظر فيها من ملاحظة سير القوم وقدر هممهم وحفظهم وعباداتهم وغرائب علومهم ما لا يعرفه من لم يطالع».
13- اعتراف الشخص بقصور همَّته وأنه لا بد له أن يطورها ويعلو بها:
وهذا أمرٌ لا بدَّ منه، فمن لم يعترف بقصور همَّته لا يمكن أن يحاول في تطويرها والارتقاء بها، ثم لا بدَّ أن يعتقد أنه قادرٌ على أن يكون من أهل الهمَّة العالية، وبدون هذين الأمرين لا يمكن أن يتقدَّم المرء أو يخطو خطوات صحيحة.
14- الحرص على تحصيل الكمالات والتشويق إلى المعرفة:
فمن استوى عنده العلم والجهل، أو كان قانعًا بحاله وما هو عليه؛ لم ترتقِ همَّته ولم يحرص على علوِّها والارتقاء بها إلى الأفضل، يقول عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه: «إن نفسي تواقة، وإنها لم تُعط من الدنيا شيئًا إلا تاقت إلى ما هو أفضل منه، فلما أُعطيت ما لا أفضل منه في الدنيا؛ تاقت إلى ما هو أفضل منه.. يعني الجنة».
ويقول ابن حجر رحمه الله واصفًا حال الإمام جلال الدين البلقيني: «ما رأيت أحدًا ممَّن لقيته أحرص على تحصيل الفائدة منه، بحيث إنه كان إذا طرق سمعه شيء لم يكن يعرفه لا يقر ولا يهدأ ولا ينام حتى يقف عليه ويحفظه، وهو على هذا مكبٌّ على الاشتغال، محبٌّ للعلم حقّ المحبة» اهـ.
15- تحديد الأهداف ومراعاة الأولويات والإعداد الجيد للوصول إليها:
وذلك لأنَّ الإنسان إذا لم يحدِّد الأهداف التي يريد تحقيقها ولم يقدم ما حقُّه التقديم، ولم يرسم لنفسه طُرقًا للوصول إلى هذه الأهداف، إذا لم يفعل ذلك سيصاب بالملل والرتابة والكسل، وكلُّها أشياء مثبطة للهمم مضعفة لها.
16- البعد عن الترف والنعيم:
وذلك لأنَّ الانغماس في النعيم والتقلُّب في الترف، والانهماك في اللذات يشغل الإنسان عن طلب المعالي، ويسد عليه طريق المجد، ويورث ضعف الهمَّة وحقارة الشأن، والعكس صحيح، فالبعد عن الترف والتجافي عن النعيم يعين على بلوغ العز واكتساب الهمَّة العالية والطموح إلى معالي الأمور.
17- النظر إلى من هو أعلى في الفضائل، وإلى ما هو أسفل في أمور الدنيا:
فهذا من وسائل اكتساب الهمَّة العالية والنهوض إلى طلب معالي الأمور، وقد قيل: «إذا علمت فلا تفكر في كثرة من دونك من الجهال، ولكن انظر إلى من فوقك من العلماء».
وذلك لأنَّ الإنسان إذا نظر إلى من هو أعلى منه في الفضائل دفعه ذلك إلى اقتنائها واجتهد في طلبها، ولم يرض من المناقب إلاَّ بأعلاها ولم يقف عند فضيلة إلاَّ وطلب الزيادة فيها.
18- استشعار المسئولية:
وهذا مما يبعث الهمَّة ويقوِّيها ويقود إلى التنافس في الخيرات، ويجعل الإنسان يبذل كلَّ ما في وسعه ومقدوره، وينهض بالواجبات من غير تردُّد أو إحجام، ولا يختلق الأعذار للتهرب من المسئولية، قال صلى الله عليه وسلم: «كلكم راع، وكلكم مسئول عن رعيته» (متفق عليه).
19- التنافس والتنازع بين الشخص وهمَّته:
فعلى من يريد أن يرتقي بهمَّته ويطوِّرها أن يكلِّف نفسه بأعمال جديدة غير التي اعتادها، وهذا بدوره يخلق نوعًا من التحدِّي بداخله لإنجاز هذه الأعمال الجديدة، كما أنه بهذا العمل استثار همَّته وحرك إرادته نحو مزيد من الأعمال، ودفع عن نفسه الملل واليأس اللذين قد يُصاب بهما نتيجة تكرار الأعمال اليومية.
20- ا نتهاز الفرص التي تعرض عليك:
فإنَّ الفرص ثمينة، وفواتها لا يعوض، وانتهازها دليل على الجد والحزم، ووسيلة لتحسين الأخلاق وتقويتها والتي منها علو الهمَّة.
21- اغتنام الأوقات:
فإنَّ الوقت هو رأس مال الإنسان، وضياعه ضياع للإنسان، وحفظه واستثماره في المفيد النافع من أعظم الحفظ وأحسن الاستثمار فإن كنت حريصًا أخي ا لمسلم على أن يكون لك مجدٌ فدعِ الراحة جانبًا، واجعل بينك وبين اللهو واللعب حاجبًا، فالعاقل من يقدِّر قيمة وقته حقَّ قدره، ولا يتخذه وعاء لأبخس الأشياء، فالأنفاس معدودة، والوقت محدود، وما فات من الزمن لا يعود.
22- التوكل على الله مع الأخذ بالأسباب:
فتوجَّه القلب إلى الله تعالى واستمداد العون منه والاعتماد عليه وحده والقيام بالأسباب المأمور بها حال العمل، سبب في حصول المراد ودفع المكروه، ولا يكفي أحدهما، بل لا بد منهما معًا، وهذا هو التوكل الحقيقي على الله، وما بذل أحد جهده، وسعى في الأمور النافعة، واستعان بالله، وأتى الأمور من أبوابها؛ إلاَّ وأدرك مقصوده، وحقَّق مناه كلَّه أو بعضه.
23- السلامة من الغرور ومن المبالغة في احتقار النفس:
وذلك لأنَّ الغرور واحتقار النفس من أعظم أسباب سقوط الهمَّة ودنوِّها، كما أنَّ السلامة منهما من أعظم علو الهمَّة وقوَّة الإرادة، أمَّا الغرور فلأنَّ صاحبه يحتقر كلَّ من عداه، ويترفَّع عن الإصغاء للنصيحة والاستماع إلى آراء الآخرين ويستبد برأيه، ولا يستفيد من تجارب غيره، وأمَّا احتقار النفس فلأنه يحطم النفس ويسلب الإرادة ويفقد الأمل ويقلل الثقة بالنفس ويساعده على الكسل والخمول.
24- الابتعاد عن كلِّ ما من شأنه الهبوط بالهمَّة وتضييعها:
وقد ذكرنا جُملة من الأسباب التي تؤدِّي إلى انحطاط الهمَّة ودنوِّها، ولا شك أن تلافي هذه الأسباب والابتعاد عنها والعمل على إيجاد عكسها، هو أنجع الأدوية وأقواها.
25- تقوى الله تعالى وطاعته:
وهذا السبب جامعٌ لكلِّ ما مضى، فتقوى الله هي العدَّة في الشدائد والعون في الملمَّات، وهي مبعث القوة ومعراج السموِّ إلى السماء، وهي التي تُثبِّت الأقدام في المزالق، وتربط القلوب في الفتن، وتقذف النفس نحو معالي الأمور وتورث الطمأنينة والسكينة.
مختارات