آفة العُجْب
قال الله تعالى: {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ (٢٥)} [التوبة: ٢٥].
وقال تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا (٤٩)} [النساء: ٤٩].
آفات العجب كثيرة:
فإن العجب يدعو إلى الكبر؛ لأنه أحد أسبابه، فيتولد من العجب الكبر، ومن الكبر الآفات الكثيرة التي لا تخفى كما سبق، هذا مع العباد.
وأما مع الله تعالى فالعجب يدعو إلى نسيان الذنوب وإهمالها، وما يتذكره منها يستصغره ولا يستعظمه، فلا يجتهد في تداركه وتلافيه، بل يظن أنه يُغفر له.
وأما العبادات والأعمال فالمعجب يستعظمها ويتبجح بها، ويمن على الله بفعلها، وينسى نعمة الله عليه بالتوفيق لها، والتمكين منها، ثم إذا أعجب بها عمي عن آفاتها، ومن لم يتفقد آفات الأعمال كان أكثر سعيه ضائعاً.
والمعجب يغتر بنفسه وبرأيه، ويأمن مكر الله وعذابه، ويظن أنه عند الله بمكان، وأن له عند الله منَّة وحقاً بأعماله التي هي نعمة وعطية من عطاياه، ويخرجه العجب إلى أن يثني على نفسه ويحمدها ويزكيها.
وإن أعجب برأيه وعقله وعمله منع ذلك من الاستفادة والاستشارة والسؤال، فيستبد بنفسه ورأيه، ويستنكف مِنْ سؤال مَنْ هو أعلم منه.
ومن أعظم آفات العجب أن يفتر العبد عن السعي لظنه أنه قد فاز، وأنه قد استغنى، وهذا هو الهلاك الصريح الذي لا شبهة فيه.
فهذا وأمثاله من آفات العجب، فلهذا صار من المهلكات.
والعجب: هو استعظام النعمة والركون إليها، مع نسبتها إلى نفسه ونسيان إضافتها إلى المنعم.وعلة العجب: الجهل المحض.
وعلاجه المعرفة المضادة لذلك الجهل، فما يدخل تحت اختيار العبد إذا حصله من مال أو علم أو عبادة أو إحسان فهذا له حالتان:
إن كان إنما يعجب به من حيث أنه فيه فهو محله ومجراه يجري فيه وعليه من جهة غيره، فهذا جهل، إذ كيف يعجب بما ليس إليه ولا منه؟.
وإن كان يعجب به من حيث أنه هو منه وإليه، وباختياره حصل، وبقدرته تم، فهذا ينبغي أن يتأمل في قدرته وإرادته وسائر الأسباب التي يتم بها عمله، من أين هي؟ ومن أين كانت له؟.
فإن كان جميع ذلك نعمة من الله عليه من غير حق سبق له، ومن غير وسيلة يدلي بها، فينبغي أن يكون إعجابه بجود الله وكرمه وفضله، إذ أفاض عليه ما لا يستحقه، وآثره به على غيره من غير سابقة.
فكل خير وفضل حصل للعبد فهو من الله وحده، والواجب شكره عليه، ومهما غلب ذلك على القلب شغله خوف سلب هذه النعمة عن الإعجاب بها.
وما يحصل به العجب أمور:
الأول: أن يعجب الإنسان ببدنه في جماله وصحته وقوته وحسن صورته وحسن صوته، ونحو ذلك، فيلتفت إلى جمال نفسه وينسى أنه نعمة من الله تعالى، وهو بعرضة الزوال في كل حال.
الثاني: البطش والقوة كما حكى الله عن قوم عاد بقوله سبحانه: {فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ (١٥)} [فصلت: ١٥].
الثالث: العجب بالعقل والفطنة، وذلك يولد الاستبداد بالرأي، وترك المشورة، واستجهال الناس المخالفين له، ويخرجه إلى قلة الإصغاء إلى أهل العلم، إعراضاً عنهم بالاستغناء بالرأي والعقل، واستحقاراً لهم وإهانة.
وعلاجه: أن يشكر الله تعالى على ما رزقه من نعمة العقل، وأنه قادر على سلبه منه.
لرابع: العجب بالنسب الشريف، حتى يظن بعضهم أنه ينجو بسبب شرف نسبه، ونجاة آبائه، وأنه مغفور له، ويتخيل بعضهم أن جميع الخلق له موال وعبيد.
وعلاجه: أن يعلم أن شرف الإنسان بطاعة ربه وتقواه كما قال سبحانه: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: ١٣].
الخامس: العجب بكثرة الأتباع من الأولاد والأنصار والعشيرة ونحو ذلك.
وعلاجه: أن يعلم أن الكل ضعيف عاجز لا يملك واحد منهم لنفسه ولا لغيره نفعاً ولا ضراً، وأنهم يموتون ويتركونه، ويهربون منه يوم القيامة فكيف يعجب بهم.
السادس: العجب بالمال، كما قال صاحب الجنتين لصاحبه: {أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا (٣٤)} [الكهف: ٣٤].
وعلاجه: أن يتفكر في آفات المال وغوائله، وكثرة حقوقه، وينظر إلى فضيلة الفقراء، وسبقهم إلى الجنة يوم القيامة، ويتذكر أن المال غاد ورائح لا أصل له.
السابع: العجب بالرأي الخطأ كما قال سبحانه: {أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا} [فاطر: ٨].
وجميع أهل البدع والضلال إنما أصروا عليها لعُجْبهم بآرائهم.
والعجب بالبدعة هو استحسان ما يسوق إليه الهوى والشهوة مع ظن كونه حقاً.
وعلاج هذا العجب أشد من علاج غيره؛ لأن صاحب الرأي الخطأ جاهل بخطئه، ولو عرفه لتركه، ولا يعالج الداء الذي لا يعرف، والجهل داء لا يُعرف، فتعسر مداواته جداً؛ لأن العارف يقدر على أن يبين للجاهل جهله ويزيله عنه، إلا إذا كان معجباً برأيه وجهله فإنه لا يصغي إلى العارف ويتهمه.
فمن سلط الله عليه بلية تهلكه وهو يظنها نعمة.. فكيف يمكن علاجه؟.
وكيف يطلب الهرب مما هو سبب سعادته في اعتقاده؟.
وعلاجه: أن يكون متهماً لرأيه أبداً لا يغتر به، إلا أن يشهد له قاطع من كتاب، أو سنة، أو دليل عقلي صحيح.
<<
مختارات