آفة الكبر 5
إن الكبر آفة من آفات النفس ينشأ من الاغترار بالجاه أو السلطان أو المال، فينشأ من ذلك الكبر على الحق برده، والكبر على الناس باحتقارهم.
والطغيان كذلك آفة من آفات النفس ينشأ مما سبق، وهو وصف لكل من يتجاوز الحق والهدى.
ومداه أوسع من الطغاة ذوي السلطان والجبروت، حيث يشمل كل متجاوز للهدى، وكل من آثر الحياة الدنيا واختارها على الآخرة، فعمل لها وحدها غير حاسب للآخرة حساباً.
واعتبار الآخرة هو الذي يقيم الموازين في يد الإنسان وضميره، فإذا أهمل حساب الآخرة، أو آثر عليها الدنيا، اختلت كل الموازين في يده، واختلت كل القيم في تقديره، واختلت كل قواعد السلوك والشعور في حياته، وعُدَّ طاغياً وباغياً ومتجاوزاً للهدى.
فهذا مصيره إلى الجحيم كما قال سبحانه: {فَأَمَّا مَنْ طَغَى (٣٧) وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (٣٨) فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى (٣٩)} [النازعات: ٣٧ - ٣٩].
والله تبارك وتعالى رحيم ودود، ينادي في الإنسان أكرم ما في كيانه وهي إنسانيته التي تميز بها عن سائر الأحياء، وارتفع بها إلى أكرم مكان، وتجلى فيها إكرام الله له فيقول له: {يَاأَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (٦) الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ (٧) فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ (٨)} [الانفطار: ٦ - ٨].
إن هذا النص يلتفت إلى واقع الإنسان الحاضر، فإذا هو غافل لاهٍ سادر، ويلمس قلبه لمسة فيها عتاب رضى، وفيها وعيد خفي، وفيها تذكير بنعمة الله الأولى عليه، نعمة خلقه في هذه الصورة السوية، على حين يملك ربه أن يركبه في أي صورة شاء، ولكنه سبحانه اختار له هذه الصورة السوية المعتدلة الجميلة وهو لا يشكر ولا يقدر، بل يغتر ويستكبر.
يا أيها الإنسان الذي تكرم عليك ربك، ما الذي غرك بربك الكريم فجعلك تستكبر عن الإيمان به، وتعرض عن طاعته، وتقصر في حقه، وتتهاون في أمره، ويسوء أدبك في جانبه، وهو ربك الكريم الذي أغدق عليك من كرمه وفضله وبره، ومن هذا إنسانيتك التي تميزك عن سائر خلقه.
أغرك علمه وحلمه؟.. أم غرتك نعمه وآلاؤه؟.. أم غرك جهلك بربك؟..
إنه نداء وخطاب يهز كل ذرة في كيان الإنسان، وربه يعاتبه هذا العتاب الجميل، ويذكره هذا الجميل، بينما هو سادر في التقصير، سيء الأدب في حق مولاه، الذي خلقه فسواه.
إن خلق الإنسان على هذه الصورة الجميلة السوية المعتدلة الكاملة الشكل والوظيفة أمر يستحق التدبر الطويل، والشكر العميق، والأدب الجم، والحب لربه الكريم الذي أكرمه بهذه الخلقة تفضلاً منه ورعاية منه.
وإن الجمال والسواء والاعتدال لتبدو في تكوين الإنسان الجسدي، وفي تكوينه الروحي، وفي تكوينه العقلي.
فسبحان: {الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ (٧) ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ (٨)} [السجدة: ٧، ٨].
وإنه ما من خلق حادث مهما كان إلا وفيه نقص يصغره، وما يقال عن خلق من خلق الله كبير، أو أمر من الأمور كبير، أو عمل من الأعمال كبير، حتى يتضاءل بمجرد أن يذكر الله الكبير المتعال.
{فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (٣٦) وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٣٧)}... [الجاثية: ٣٦، ٣٧].ومراد الله من العباد إيمانهم وصلاح قلوبهم، فإذا طلب العبد العلم ليعمل به صلح قلبه وزاده تواضعاً، وإذا طلبه لغير العمل به فسد قلبه وزاده فخراً وكبراً.
والسيئة التي لا تنفع معها حسنة هي الكبر، والسجود يذهب الكبر، والتوحيد يذهب الرياء.
والتواضع في الخلق كلهم حسن.. وفي الأمراء والعلماء والأغنياء أحسن.. والتكبر في الخلق كلهم قبيح.. وفي الفقراء أقبح.
مختارات