الصفة الثامنة عشرة من صفات المؤمنين المتقين طاعة الله ورسوله والاستجابة لله ولرسوله
لقد وصف الله المؤمنين بطاعة الله ورسوله بعد أن وصفهم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وأنهم يتناصرون ويتعاونون.
وأخبر -سبحانه- أن الاتصاف بهذه الصفات سبب لرحمة الله، فمن اتصف بهذه الصفات فهو من أهل الرحمة، قال -تعالى-: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ.
وأخبر -تعالى- بما أعده للمؤمنين والمؤمنات من الخيرات والنعيم المقيم في جنات تجري من تحتها الأنهار، خالدين وماكثين فيها، في مساكن حسنة البناء طيبة القرار، فقال -تعالى-: وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ.
وبين -سبحانه- أن رضى الله عنهم أكبر وأجل وأعظم مما هم فيه من النعيم، وإن هذا الفوز الذي حصل لهم هو الفوز العظيم على الحقيقة فقال: وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ.
وقد أمر الله المؤمنين بالاستجابة لله وللرسول، وناداهم باسم الإيمان، فقال -تعالى-: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ.
فأخبر -تعالى- أن الاستجابة لله وللرسول إذا دعاهم فيه حياة لهم وصلاح لهم؛ لأنه يدعوهم إلى الحق والإيمان وإلى العمل بالقرآن الذي فيه نجاتهم وبقاؤهم وسعادتهم وحياتهم بعد موتهم، وعصمتهم في الدارين.
وفي الصحيح عن أبي سعيد المعلّى -رضي الله عنه- قال: كنت أصلي، فمر بي النبي -صلى الله عليه وسلم- فدعاني فلم آتيه حتى صليت، ثم أتيته، فقال: ما منعك أن تأتيني، ألم يقل الله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ
الحديث.
فطاعة الله ورسوله والاستجابة لله ولرسوله سبب للحياة الحقيقية، حياة الإيمان والهدى والرشاد والعزة والسعادة والفلاح في الدنيا والآخرة، وقد أخبر الله -تعالى- أن ما عند الله من الثواب في الآخرة خير وأبقى للمؤمنين الذين من صفاتهم الاستجابة لربهم، وذلك باتباع رسله وطاعة أمره واجتناب نهيه، مع توكلهم على الله وبعدهم عن الكبائر والفواحش، وإقامتهم للصلاة، وإحسانهم إلى خلق الله بالمال والعفو والحلم وكظم الغيظ عند الغضب، فقال -تعالى-: فَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ.
وقد أوضح الله -تعالى- عاقبة المستجيبين والمطيعين لله ولرسوله، وإن عاقبتهم حميدة، وما لهم من السعادة والمال الحسن الطيب، وإن لهم الجزاء الحسن وهو الجنة التي فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، فهم في نعمة وحبور وبهجة وسرور، قد رضي الله عنهم ورضوا عنه، وأسكنهم فسيح جناته، وأحلهم دار كرامته ورضوانه، فقال -تعالى-: لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَى أي: المال الحسن والعاقبة الحسنة وهي الجنة.
كقوله -تعالى- مخبرًا عن ذي القرنين أنه قال: أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا وقال -تعالى-: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ.
أما الذين لم يستجيبوا لله ولم يطيعوا الله، فإن عاقبتهم وخيمة، ومصيرهم مؤلم، ومأواهم في الآخرة جهنم بعد سوء الحساب حين يناقشون الحساب، ومن نوقش الحساب عذب، يحاسبون على أعمالهم جليلها وحقيرها، ثم يستفزون في النار وبئس الفراش والمهاد لهم، ويؤدون لو يمكنهم أن يفتدوا من عذاب الله بملئ الأرض ذهبًا ومثله معه لافتدوا به من سوء العذاب يوم القيامة، ولكنه لا يتقبل منهم، قال الله -تعالى- فيهم: وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ.
مختارات