يحاربون حكاية النكبة حتى في تشيلي..!
ليس فقط الرصاص والصواريخ والأسلحة على اختلافها تقلق " إسرائيل " وإنما الثقافة والذاكرة الوطنية وحكاية النكبة واللجوء الفلسطيني... والرواية الفلسطينية كلها تسبب أرقاً ورعباً دائماً للمؤسسة الصهيونية، فأي استحضار للنكبة والتهجير والمجازر الصهيونية يثير قلقهم، حتى لو كان ذلك من قبل طفل فلسطيني في أقاصي الدنيا، هناك في تشيلي اللاتينية.
قد تبدو الحكاية طريفة وغير معقولة، أن يقوم سفير " إسرائيل " بشن حرب على طفل فلسطيني مهاجر من العراق إلى تشيلي، ولكن هذا ما حصل؛ إذ أعلن سفير " إسرائيل " في تشيلي الحرب على طفل فلسطيني (بطل كتاب يدرس في رياض الأطفال في تشيلي) وطالب السلطات التشيلية المتخصصة بإخراج الكتاب من رياض الأطفال.
وذكرت صحيفة يديعوت أحرونوت العبرية - 6/09/2012 - " أن السفير دافيد ددون علم من مدرسة يهودية أن مكتبة رياض الأطفال في المدارس الحكومية تحتوي على كتاب بعنوان " من العراق إلى كالاره (مدينة في تشيلي) " يروي قصة عبودي، الطفل الفلسطيني الذي وصل إلى تشيلي؛ لأن عائلته طردت من فلسطين على أيدي الاحتلال الصهيوني.
ويصف الكتاب الطفل عبودي أنه لاجئ مسكين فقد وطنه بعد احتلاله من قبل اليهود واضطر للوصول إلى تشيلي البعيدة، وادعى السفير الإسرائيلي أمام وزارة التعليم التشيلية أن الكتاب هو دعاية فلسطينية يجب محاربتها، وأبلغ الخارجية الإسرائيلية أنه تلقى رداً بأنه تم منع تداول الكتاب في رياض الأطفال.
وهكذا حقّق السفير الإسرائيلي انتصاراً على الطفل الفلسطيني حين منع الكتاب بفضل تجاوب السلطات التشيلية مع الأسف.
ولكن بيت القصيد هنا في هذه القصة، أننا أمام حرب صهيونية شاملة على القضية والذاكرة الفلسطينية والعربية؛ فالدولة الصهيونية تسعى بوصفها " دولة مختلقة " إلى اختطاف الأرض والوطن والتاريخ والحضارة والتراث، وتعمل بلا كلل على تهويد فلسطين تهويداً شاملاً: جغرافياً،سكانياً، حضارياً، تراثياً، ثقافياً، واقتصادياً، وذلك عبر التزييف الشامل لكل العناوين والملفات.. كما تعمل إلى جانب ذلك كله على تفريغ ذكرى النكبة وذاكرتها من مضامينها ومن كل معانيها ودلالاتها، في الوقت الذي تشن هجوماً تجريفياً منسقاً واستراتيجياً على العقل والوعي الجمعي العربي المتعلق بالنكبة والقضية والذكرى والذاكرة.
يقول أورن يفتاحئيل (أستاذ الجغرافيا السياسية في جامعة بن غوريون): " إن مشاهد القتل والدمار في غزة فظيعة "، وإن " هذه الحرب- الأخيرة - استمرار للمشروع والسلوك الإقليمي الإسرائيلي الذي تبنى هدفاً متشدداً ووحشياً يتمثل في إسكات الزمن الفلسطيني، أي محو التاريخ الكامل لهذه البلاد.. إسكات التاريخ يشكل أيضاً محواً للمكان الفلسطيني والحقوق السياسية الكاملة القائمة بمشروعيتها وليس بمنة من إسرائيل...
إن الغزو الإسرائيلي لغزة استمرار لاستراتيجية مديدة السنوات من إنكار ومحو وشطب أي ذكر لتاريخ هذا المكان في العصور الأخيرة، ومشروع المحو هذا ينخرط فيه الجميع تقريباً: السياسيون والفنانون ووسائل الإعلام والباحثون في الجامعات والمثقفون الإسرائيليون "، وهذا ما تؤكده دراسة إسرائيلية تستخلص " أن إسرائيل تمعن في إقصاء تاريخ النكبة ".
وتوضح الدكتورة نوغة كدمان في دراستها المعنونة بـ " على جنبات الطريق وهوامش الوعي: إقصاء القرى الفلسطينية المهجرة من التخاطب والحوار في إسرائيل "، " أن السلطات الإسرائيلية تواصل على نحو منهجي طمس المعالم العربية للبلاد من التاريخ والذاكرة الجماعية بعد محوها من الجغرافيا "، وتؤكد " المنهجية الإسرائيلية المعتمدة منذ النكبة محو تسميات الأمكنة الفلسطينية أو عبرنتها، وإزالتها من الخرائط الرسمية وتجاهل تاريخها ".
تصوروا.. هم يشنون حرباً على طفل فلسطيني في تشيلي ويسلبونه حق حكاية نكبته المفتوحة من فلسطين إلى العراق إلى كالاره، فماذا يُعلمون أطفالهم بالمقابل..؟!.
يعترف كاتب إسرائيلي في بحث له " نحن الإسرائيليين نعيش زمن الصراع مع العرب، نعيش في ما يطلق عليه " حقول الدم " ؛ لذا يجب أن نبتعد عن كتابة القصص الجميلة التي تتحدث عن الفراشات والأزهار حتى لا نضلل أطفالنا ".
إلى ذلك، فقد كشفت صحيفة هآرتس العبرية النقاب عن: " أن مؤسسة " يد فشيم " اليهودية- متحف المحرقة اليهودية- في القدس تتلقى وتصدر سنوياً 200 كتاب مذكرات شخصية ليهود عايشوا – على حد زعمهم- المحرقة/ الكارثة اليهودية "، والغاية من هذه الكتب توثيق تفاصيل المحرقة والمعاناة اليهودية -المزعومة - التي يختلف على صحتها عدد كبير من علماء العالم وبعض علماء اليهود، في مسعى راسخ لترويج وترسيخ الرواية الصهيونية المزيفة.
بينما كتب جدعون ليفي في هآرتس تحت عنوان: " إسرائيل لا تزال تخاف الرواية الفلسطينية " عن وجود " 150موقعاً تراثياً على الانترنت " تُروج أكذوبة قديمة كبيرة هي " شعب بلا أرض جاء إلى أرض بلا شعب ".
تصّوروا..؟!.
الكاتب: نواف الزرو
مختارات