"الربيع العربي" و"اللاجئون اليهود"
مجدداً نعود إلى قضية عودة اللاجئين الفلسطينيين وما تريده " إسرائيل ". وباختصار، لا تريد عودتهم، ولا تريد التعويض عليهم، بل تطالب العالم بالإقرار بقضية اللاجئين اليهود في " إسرائيل "، أي اليهود الذين كانوا يقيمون في الدول العربية وتدعي أنهم تركوها قسراً وإرهاباً ورغماً عنهم، وتركوا وراءهم ثروات من المال والأراضي.
في كتابات سابقة ذكرنا أنه وحسب المشروع الإسرائيلي تطرح " إسرائيل " التعويض لهؤلاء الذين يقدر عددهم بما يقارب المليون نسمة. وتعتبر أن اللاجئين الفلسطينيين هم فقط الذين طردوا من فلسطين عام 48، وبالتالي عددهم هو العدد الذي كان في ذلك الوقت أي سبعمائة وخمسين ألف لاجئ. مما يعني أنه إذا كان الحل عن طريق التعويضات، فسيكون لـ " إسرائيل " في ذمة العرب والعالم مالاً، لأنها الأكثر تضرراً من اللاجئين الفلسطينيين.
اليوم، العالم مشغول بسوريا، وحركات " الربيع العربي " المتنوعة وتقلبات الطقس في هذا الربيع هنا أو هناك، التركيز على سوريا، ونال الفلسطينيون نصيبهم هناك. كان قدرهم أن يدفعوا الثمن أينما كان، وفي كل المحطات والمراحل. مخيم اليرموك الذي يضم مئات الألوف من الفلسطينيين يقصف، يدمّر يهجّر أبناؤه، ويموت منهم من يموت، و " إسرائيل " هي المستفيد. وما جرى في عدد من الدول العربية وما يجري في سوريا اليوم يفيد " إسرائيل ". ولذلك هي تتفرغ لقضيتها المركزية الأولى المرتبطة بمبرر وجودها وهي إسقاط حق الفلسطينيين على أرضهم.
وبالتالي إسقاط حق العودة وحق الإقامة لتصفية القضية الفلسطينية. والواقع الفلسطيني الداخلي يساعد " إسرائيل " للأسف. في هذا التوقيت الذي لا نسمع فيه كلمة عن القضية الفلسطينية. ولا نرى حركة من أجلها، بل نرى محاولة عقاب وتهديد بالتصفية الجسدية والمعنوية والسياسية لرئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس لأنه تجرأ وطالب في الأمم المتحدة بالاعتراف بفلسطين دولة مستقلة.
وينشغل العالم أيضاً بالملف النووي الإيراني وتداعياته، لا سيما في ظل التهديدات الإسرائيلية بضرب إيران، والمعلومات عن الموقف الأميركي الرافض الآن. والتساؤلات هل الرفض نهائي، أم أن المسألة هي مسألة توقيت؟ هل تأتي الضربة بعد الانتخابات الأميركية، أم تكون قبلها لتحرج " إسرائيل " الرئيس الحالي والرئيس المقبل أياً يكن الفائز في الانتخابات؟ وبالتالي تمارس الابتزاز على الجميع لتحظى بالدعم والتأييد وتفرض الأمر الواقع.
في هذا التوقيت، تندفع " إسرائيل " في حملة جديدة للردّ على " حق العودة " من خلال المطالبة باستعادة أملاك اليهود في الدول العربية. شكلت خلية يرأسها نائب وزير الخارجية " داني أيالون "، عنوان الحملة: " أنا لاجئ يهودي ".
الخلية دعت كل " اللاجئين اليهود " إلى تعبئة استمارات تعرّف عنهم. وتتضمن توثيقاً لحالاتهم وأوضاعهم وسجلاتهم وما جرى معهم في الدول التي كانوا يقيمون فيها. كيف " سلبت " حقوقهم وأموالهم وممتلكاتهم. وكيف " فرضت " عليهم غرامات أو ضرائب أو تعرضوا لابتزاز. ثم كيف طردوا. كيف وصلوا إلى " إسرائيل "، المطلوب أن يكون ثمة ملف موثق يستند إلى شهادات ومعلومات حول كل هذه الأمور.
بدأت الخلية بالعمل، أنجزت فيلماً مصوراً عن هذه القضية. أعدت منشورات ودراسات وإعلانات للنشر في الصحف العالمية ووسائل الإعلام المؤثرة. في هذه الحملة تقدم الخلية اليهود العرب على أساس أنهم كانوا مسالمين في دولهم، لكن الفلسطينيين استخدموا وشاركوا في نزاعات في عدد من الدول العربية. وأن اليهود اعتدي عليهم وعوملوا كأهل ذمة. وهذا غير صحيح. لكن من يتابع من الفلسطينيين والعرب لإثبات عدم صحة المزاعم الإسرائيلية. ولكشف النوايا والخلفيات والحسابات والسياسات الإسرائيلية؟.
" إسرائيل " تندفع في حملة في الخارج تريد من خلالها إسقاط حق العودة، وتندفع في حملة في الداخل لإسقاط حق الإقامة على " أرضها " لأن " إسرائيل " هي دولة يهودية! وهذا أمر خطير.
" داني أيالون " يهودي من أصل جزائري يقود الحملة ويقول: " أمثال والدي ومئات الآلاف الذين قدموا إلى إسرائيل - لاجئون يستحقون التعويض " ! ويؤكد أنه لا بد من خوض هذه المعركة حتى النهاية.
" إسرائيل " تستنفر كل أجهزتها وإمكاناتها وطاقاتها، تفبرك ملفات، وتخترع أسباباً وذرائع لربح قضيتها. ونحن أصحاب الحق والقضية الأخلاقية والإنسانية التي يقر بها العالم ولو نظرياً لا نفعل شيئاً يذكر. والأمر ليس شأناً فلسطينياً داخلياً. هذه قضية إنسانية عربية إسلامية، وتعني كل دولة من دولنا. فالحل في نظر " إسرائيل " سيكون ليس مالياً فقط. لأنه عندما نتحدث عن رفض حق العودة والذهاب إلى المعالجة بالتعويضات، الأمر لن يتوقف عند هذا الحد.عدم العودة يعني توطين الفلسطينيين حيث يتواجدون أو توزيعهم على دول مختلفة وهذا سيثير مجدداً نزاعات سياسية ومذهبية في عالم عربي وإسلامي يحذر فيه الجميع من خطر الفتنة المذهبية التي تسعى " إسرائيل " إلى تسعير نارها ومدّها بكل العناصر.
لذلك من البديهي ورغم كل المشاكل الداخلية في بلادنا أن يبقى العرب متيقظين لهذه القضية. أي علاج موضعي أو علاج بالمفرق وأي تصرّف على طريقة تقديم أولوية تصفية الحساب مع هذا أو ذاك هنا وهناك والابتعاد عن هذا الأمر سيضاعف الكلفة لاحقاً. فوق الدمار العام الذي سنراه في دولنا وما سينجم عنه من تهجير جديد ولاجئين جدد على أيدي الأنظمة التي ذهبت إلى الحلول الأمنية كما يجري في سوريا، سيكون للاحتقان المذهبي نتائج سلبية في مجتمعات لها خصوصياتها الديموغرافية وتنوعها الطائفي والمذهبي. وإسرائيل تعرف ذلك وتعمل على إذكاء نار الفتن. هذا الكلام لا يتلاقى بالتأكيد مع ما يحاول البعض تعميمه من نظرية المؤامرة الإسرائيلية أو الأميركية على منطقتنا.
" إسرائيل " ليست بريئة، وهي دولة إرهاب واغتصاب وقتل وإجرام وتهجير وتهديد للأمن والسلم والاستقرار في المنطقة وفي العالم أحياناً. وأميركا ليست بريئة وهي داعمة استراتيجياً لهذه الـ " إسرائيل "، لكن الفلسطينيين يتحملون مسؤولية كبرى والعرب يتحملون مسؤولية أيضاً لا سيما هؤلاء الذين حكموا بالدم ويصفّون حساباتهم مع شعوبهم بالدم أيضاً، كما أحكموا القبضة على القضية الفلسطينية وسفكوا دماء عدد من القادة والفلسطينيين الأبرياء، وأولئك الذين ينكفئون عن القيام بأي دور لمواجهة هذا الخطر الذي تروّج له " إسرائيل " اليوم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*وزير الأشغال العامة والنقل اللبناني
صحيفة الاتحاد الإماراتية
الكاتب: غازي العريضي*
مختارات