أنماط: (40) نمط إشمعنى!
ونمط الأخ إشمعنى من الأنماط العجيبة للغاية..!
إنه نمط طفولي مثير للشفقة يُصِر دائمًا على استدعاء المقارنة بالغير واسترجاع أخطائهم والتنقيب عن زلَّاتهم في دفاتر التاريخ القريب أو البعيد..
أزعم أننا جميعًا تعاملنا مع هذا النمط مؤخرًا ولربما وقع كثير مِنَّا في بعض خصاله أحيانًا..
ألم تشهد مؤخرًا أي حوار حول أخطاء طرف من أطراف المشهد السياسي أو الأيديولوجي فوجدت الحوار قد تحوَّل فجأة إلى الحديث عن أخطاء الطرف الآخر كتبرير لتلك الأخطاء؟!
ألم تفاجأ يومًا بمخالفك يُبرِّر أخطاءه أو خطايا فصيله بجرائم الفصيل الآخر؟!
ألم ترَ قط استدعاء منطق المقارنات في أي نقاش لا علاقة له بالمقارنات؟!
تلك هي المشكلة يا عزيزي وهذا هو النمط الذي أعنيه..
نمط اشمعنى فلان؟!
منطق العِيال وسبيل المتهرِّبين من المسؤولية وأسلوب المفلسين الذين لا يملكون إلا تعيير غيرهم..!
ويكأن كون الآخرين سيئين - يتيح للمرء أن يكون سيئًا..!
ويكأن أخطائهم أو حتى جرائمهم - تبيح له أن يُجرم أو يتهاون في حق من حقوق الله أو حقوق عباده وتسقط عنه المسؤولية وتعفيه من المساءلة ثم تنجيه من عاقبة ذلك يوم العرض على الله..!
ويكأن كون البادي أظلم - يسمح له أن يكون ظالمًا أقل ظلمًا..!
ويكأن معصية الغير أو تقصيرهم وخطأهم - ترخص للجميع أن يفعلوا المثل بمنطقٍ آخر بئيس.. يُشابه منطق نمط سبق وتكلَّمت عنه وهو نمط الأخ اليائس بتاع شعار: ما هي بايظة بايظة هي يعني جت عليَّا أنا؟!
يعني إنت مش شايف فلان وعِلَّان وترتان بيهبِّبوا إيه؟!
وهكذا يستباح أي شيء وكل شيء..!
لعل ذلك المنطق (العيالي) يُقبَل من طفلٍ صغير أو من شخص غير مُكتمِل النضج العقلي أو الفكري..
لكن أن يستحضر ذلك المنطق من قبل أناس يُفترض أنهم كبار السِنّ والمقام راجحو العقل والتفكير فذلك بلا شك أمر يدعو للاندهاش والأسف..!
أما الاندهاش فهو لدرجة سذاجة وسفه هذا المنطق الذي يُستدعى عند كل نكير ويُصَدَّر في وجه كل من يرفض أو يستبشع خطئا أو تقصيرًا..!
وأما الأسف فلتلاشي الشعور بالأسف، واختفاء ثقافة الاعتذار وتحمل المسؤولية لدي أولئك المستعيلين -نسبة للعيال- ومن سار على دربهم واستعمل منطقهم..!
ولصديقي صاحب هذا النمط الطفولي أقول:
يا عزيزي! طالما كانت أخطاء الآخرين وسوءاتهم هي دومًا مُبرِّرات أفعالك ومسوغات مواقفك - فاعلم أنك مفلس!
نعم.. هذه هي الحقيقة التي ربما تكون مفاجأة لك..
حقيقة تقطع بأنه لا يسأل عن جرمه إلا الذي أجرم {قُل لَّا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلَا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ} [سبأ:25]..
وبالتالي فلا حجة في الدنيا إلا بكسب المرء ومسؤولية الخطأ تقع على من اقترفه حتى لو أخطأ جميع من حوله معه {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ ۖ لَا يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} [المائدة من الآية:105]..
وتذكَّر أنك حين تقف بين يدي الله فلن تُسأل إلا عن نفسك ولن تُحاسب إلا على كسبك ومن كانوا في مسؤوليتك فربك يقول: {لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ} [البقرة من الآية:286]..
ويقول: {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} [المدَّثِّر:38]..
ويقول: {وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ ۖ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا. اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَىٰ بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا. مَّنِ اهْتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ ۖ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا ۚ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ ۗ وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولًا} [الإسراء:13-15]..
فانتبه الآن واعلم أنك " لا تُكلَّف إلا نفسك " وأعدَّ جوابًا ليس فيه: أصل (فُلان) كان سيئًا و(عِلّان) كان مجرمًا و(ترتان) قال وفعل وسوى وزاد وعاد..!
أعدَّ جوابًا عنك أنت..
أنت وحدك..
ولا تقل: إشمعنى..!
مختارات