أنماط: (41) نمط الأخ (سي السيد)!
وهناك نمط الأخ " سي السيد " !
وهو نمط شعاره: " الكلمة هنا كلمتي، والشورى شورتي "..!
تمامًا كتلك العبارة التي كان يحسم بها " سي السيد " أي مناقشة، فترد الست الغلبانة أمينة بصوتٍ مُنكسِر: " أمرك يا سي السيد ".
ذلك الحوار المقتضب يُمثِّل ثنائية فلكلورية شهيرة مستقرة في وجدان أصحاب ذلك النمط..
ثنائية " سي السيد " وزوجه الطيبة المسكينة " أمينة " !
لقد كانت تلك الشخصية عنوانًا دائمًا للزوج القوي صاحب الشخصية الكاسحة، التي ظلَّت علامة على التحكم المُطلق، ومُرادفًا للإصرار الحديدي على إنفاذ الرأي دون مناقشة أو حوار، مستغلًا ما يتصوَّره من أن حق القوامة يُتيح له التسلُّط المُطلق على زوجه وأبنائه، غير متقبِّل لأي نوع من التهاون أو التفاوض في تنفيذ أوامره، فلا يقبل إلا كلمة " أمرك يا سي السيد " عنوانًا على الطاعة المنكسرة، التي كانت شعار " أمينة " في رواية نجيب محفوظ الشهيرة، والتي صارت تلك الشخصيات بعدها أيقونات تُعبِّر عن تلك العلاقة التسلُّطية..!
وهذا النمط الذي أتحدَّث عنه ينتهج نهج سي السيد بحذافيره في كل شيء وأي شيء؛ فيُصِر على أن رأيه وحده هو الصواب الذي لا يحتمل الخطأ ولا يقبل التفاوض، وأن قوله لا بُدَّ أن يمضي ومن بعده الطوفان، وليكن ما يكون دون أدنى استعداد لحوارٍ بنَّاء، أو لتفاهم وقبول للآخر، أو حتى اعتبار مخالفه كائنًا عاقلًا من حقه أيضًا أن يكون له رأيٌ وفِكر، وأن الأمور لا تسير في الأمم بهذا المنهج المتسلِّط أبدًا!
والحقيقة أنه بغض النظر عن الفهم المغلوط لمعنى القِوامة الذي يعتقد البعض أنه لا يتحقق إلا بتلك الصورة النمطية، وهو ما يخالف تمامًا الخُلق النبوى الهيِّن الليِّن، الذي كان لا يُوظِّف قوته وقِوامته بهذا الشكل الاستعلائي أبدًا، فإن أهل هذا النمط لسان حالهم ومقالهم وتعاملهم مع الأحداث ليس له إلا مؤدىً واحد وهو أنهم يريدون أن يكونوا نُسخًا كربونية جديدة من " سي السيد ".
المدهش في الأمر أن " سي السيد " الخيالي ومن سار على نهجه في دنيا الواقع كان لديهم ما يتأوَّلون به ذلك التسلُّط، من فهمٍ مغلوط -كما أشرت- لمعنى القِوامة في الشرع، وكان لديهم أيضًا من القوة والجبروت ما يدفعهم للاغترار به والتجبُّر على ذويهم، بينما لا يملك " سي السيد " السياسة والفِكر والرأي ما يُسوِّغ له ذلك التحجُّر في الرأي، وذلك الإصرار الفولاذي على إمضاء رؤيته، وإنفاذ إرادته على الجميع..!
فلا هو يملك وصاية أو قِوامة، ولا هو أقوى من غيره ليغتر بعنفوانه ويتسلَّط ببطشه، ومن ثم يتبادر إلى الذهن ذلك المشهد الهزلي لذلك الممثل ضئيل الجسد الذي يقف أمام من هو ضِعف حجمه وقوته صائحًا في عنفٍ لا يناسب مظهره: " ما تقدرش " !
إن الفرعونية على ما يبدو ليست قاصرة على من يجلس على عرش مصر، بل الظاهر والله أعلم أنها جينات موجودة في كثير من المصريين تدفعهم دون أن يشعروا لهذا الشعار العتيق: {مَا أُرِيكُمْ إِلا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلا سَبِيلَ الرَّشَادِ}[1]!
لقد تلفَّظ فرعون بذاك الشعار، وقد غرَّته قوته، وأغراه بطشه وجبروته، فظن أن باستطاعته فرض رأيه على الجميع.
لكن سؤالًا يشغل بالي كلما طالعت أفعال وأقوال هذا النمط..!
- تُرى ما الذي يدفعهم لتقمُّص ذلك السلوك العجيب، وإدمان تلك المحاكاة غير المبرَّرة؟!
- وما هي المقومات التي تجعل إنسانًا ما يظن أن من حقه فرض رأيه على غيره على طول الخط، وتُغريه بأن يسمح لنفسه أن يغرِّد دائمًا باسم السرب؟!
- وبأي حقٍ سمح لنفسه بتقمُّص شخصية " سي السيد " والأعجب بأي منطق تصوَّر أن يكون كل مخالف له أمينة المسكينة المستكينة؟!
مختارات