نور التقوى
هم -في هذا الزمان- وغيره المتخبطون في طرقات التيه والظلام،كثيرون هم الذين تنتابهم الحيرة ويأخذهم القلق وتغشاهم التخوفات والتوجسات.ولو أننا فتحنا عن قلوب كثير من الناس اليوم لسمعت القلوب تصرخ والأرواح تنادي:أين السبيل؟!وما المخرج؟!
لقد امتلأت طرقات الأرض بالأنوار في حين امتلأت قلوب كثير من ساكنيها ظلاما على ظلام تاهت البشرية وضلت حين فقدت شارات الهدى ومعالم النور ولا تعجبك أموالهم ولا أولادهم ولا ضحكاتهم إنما هي ابتسامات المغضب وضحكات الحزين ضحكات من عجز عن إجابة ذاته عن حقيقة وجودها وما يراد لها ومنها “ومن عجز عن الجواب ضحك من غير عجاب”
-يوحي بهذا المذكور أن الكتب التي تتناول موضوعات القلق والهموم والأحزان وتحاول تعالجها هي الأكثر مبيعا في العالم وشهرة ككتاب”دع القلق وابدأ حياتك” لصاحبه “ديل كارنيجي” ثم اعلم -لتعجب-أنه مات منتحراً!!
مات وسيموت غيره من محاولي إخراج البشرية من كبوتها وتيهها دون جدوى أو فائدة لأنهم فقدوا الطريق مع وضوحه.
إنه طريق الإيمان والتقوى الذي به تخرج البشرية من أغلالها وتنحل قيود الضلال التي حاطتها:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا}[الأنفال:29] إنها التقوى.. إنها شارة الهدى والنور الذي يضيء الطريق.
يقول صاحب الظلال”…… إنها حقيقة:أن تقوى الله تجعل في القلب فرقانا يكشف له منعرجات الطريق. ولكن هذه الحقيقة- ككل حقائق العقيدة- لا يعرفها إلا من ذاقها فعلا! إن الوصف لا ينقل مذاق هذه الحقيقة لمن لم يذوقوها!.
إن الأمور تظل متشابكة في الحس والعقل; والطرق تظل متشابكة في النظر والفكر; والباطل يظل متلبسا بالحق عند مفارق الطريق! وتظل الحجة تُفحم ولكن لا تُقنع. وتسكت ولكن لا يستجيب لها القلب والعقل. ويظل الجدل عبثا والمناقشة جهدا ضائعا.. ذلك ما لم تكن هي التقوى.. فإذا كانت استنار العقل، ووضح الحق، وتكشف الطريق، واطمأن القلب، واستراح الضمير، واستقرت القدم وثبتت على الطريق!
إن الحق في ذاته لا يخفى على الفطرة.. إن هناك اصطلاحا من الفطرة على الحق الذي فطرت عليه; والذي خلقت به السماوات والأرض.. ولكنه الهوى هو الذي يحول بين الحق والفطرة.. الهوى هو الذي ينشر الغبش، ويحجب الرؤية، ويُعمي المسالك، ويخفي الدروب.. والهوى لا تدفعه الحجة إنما تدفعه التقوى.. تدفعه مخافة الله، ومراقبته في السر والعلن.. ومن ثم هذا الفرقان الذي ينير البصيرة، ويرفع اللبس، ويكشف الطريق.وهو أمر لا يقدر بثمن”.
مختارات