أنماط: (39) نمط (يا أبيض يا إسود)!
ولا ننسى نمط الأخ (يا أبيض يا إسود)..!
يُعد هذا النمط في رأيي من أهم مشاكل المراحل الساخنة التي تكتظ بالمنحنيات الحادة والأحداث المفصلية القاسية، وهذا النمط تغيب لديه موضوعية التقييم ويخفت عنده صوت العقل والإنصاف ويبزغ بدلًا منهم الغلو في الرؤى والأحكام سلبًا أو إيجابًا..
فما بين شيطنة كاملة أو تنزيه كامل وافتراض ملائكية مفرطة؛ يتناسى معهما أهل هذا النمط حقيقة أن الإنسان مخلوق أكثر تعقيدًا من تلك السطحية التي تتبدى أثناء احتدام الصراع بين الحق والباطل، وأن تعقيده هذا يستلزم عدم شرطية العصمة عند الأقربين إلى الحق..
إن المجموعات البشرية غير المعصومة تحمل في داخلها عيوبًا ومميزات وتحدث أثناء سيرها أخطاءً وتصحيحات، ومقتضى البشرية وجود النجدين وإلهام الفجور والتقوى - وليس معنى غلبة التزكية ومظنة الفلاح أن الخطأ لم يقع أحيانًا كما أنه ليس معنى غلبة الباطل على بشري خلوه من أي صواب ونفي مُطلَق الحق والحقوق عنه..
لكن للأسف! حين يطغى الصراع ويعلو دوي المعركة الصاخب ويتطاير الغبار في كل مكان؛ تتغيّر ألوان الأشياء ويسعى أُحادِيو الرؤى من أتباع نمط (يا أبيض يا إسود) لأن يطمسوا الحقائق ويصبغوا كل شيء بلوني رؤيتهم وانحيازهم ويخفتوا كل صوت ينادي ببقاء حقيقة الأشياء..!
حينئذٍ تصير أخطاء الأقربين إلى الحق روائع الحكمة، وتصبح زلَّاتهم منتهى الصواب والذكاء ويُعلِّق كل فشل أو خلل على شمَّاعة الخصوم الشيطانيين وحدهم! وتكاد المسؤولية والإحساس بها أن تتلاشى تمامًا من نفوس المبتلين نظرًا لابتلائهم!
ومن هنا يزور التاريخ بعد أن طمس الواقع بشعارٍ لا صوت يعلو فوق صوت المعركة ويتحوّل الخلق فقط إلى ملائكة أو شياطين، ويتناسى البشر أنهم في النهاية بشر يُخطئون ويُصيبون ويزلُّون ويُسدَّدون وهم على أي حال ليسوا بمعصومين..
وإن كانت المروءة تقتضي عدم جلد المظلوم أثناء ظُلمه فإنها لا تُغيِّر للأبد حقيقة أنه بشر يخطئ وأن الأزمات وعدالة القضايا لا تغير طبيعة الأشياء ولا مسمياتها ولا ألوانها ولا تسبغ عصمة على بني آدم (الخطائين)..
على العقلاء دائمًا أن يتذكَّروا هذا ويحتفظوا به في خزائن موضوعيتهم المؤمَّنة بأقفال الإنصاف ومتاريس حراسة المفاهيم ورعاية الحقائق، ويخرجوه حين يأتي الوقت المناسب حتى لا يُنسى أو يطمسه غبار المعركة ويحوله إلى اللونين الذين لا يعرف أصحاب هذا النمط غيرهما.. اللون الأبيض والأسود!
مختارات