تجديد أم تخريب؟ (1/4)
تمهيد
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.. وبعد
فقد انتشرت في السنوات الأخيرة دعوات غريبة، بأصوات غير غريبة، تنادي بالحاجة إلى تجديد الخطاب الديني، وتزعم أن الضرورة تقضي بأن يعاد النظر إلى كثير مما نسميه بالمسلّمات، بل وزعم البعض قيامهم بهذا التجديد صراحة، والبعض زُعم لهم أنّهم مجددون، وبعض ثالث لم يَزعموا ولم يُزعم لهم وإنّما تقاطعوا مع أولئك الزاعمين في أمور كثيرة هي من أساسيات ذلك النهج الغريب، وبعض رابع لم تذعرهم تلك المزاعم، وأحسنوا الظن بها.. وبعض خامس وسادس وسابع.. وصار التجديد موضة، وهو في حقيقته تخريب وتبديد لا إصلاح وتجديد..
بعضهم لا يعرف في العلم قبيلا من دبير، وبعضهم لديه من المعلومات القديمة التي استقاها أيام كان الإيمان في قلبه غضّاً.. معلومات ذبلت وكادت تختفي فهي تلوح كباقي الوشم في ظاهر اليد.. وبعضهم تمسّك بمظاهر الشيخ، وسيماء المشايخ وفي مثله قال الأول:
ليس بطول اللحى تستوجبون القضا
إن كان هذا كذا فالتيس عدل الرضا
وما أدق وصف شيخ العربيّة لهم في كتابه الخصب " أباطيل وأسمار " حيث يقول: " وكل ناطق بلسان أو كاتب بقلم، فإنما هو معلّم لمن يتلقى عنه. فإذا احتال، وغشّ، وخادع، وكذب، واجترأ على ما لا يحسن، وادّعى مالم يكن، وحرّف الكلم عن مواضعه، وبدّل لفظاً بلفظ ليزوّر باطلا، فزوّق وحسّن، وأخفى معالم القبح فيه بالتدليس، وستر عُواره ودمامته بالمخرقة والتمويه، فقد خرج بفعل ذلك عن أن يكون مبينا وكاتباً، إلى أن يكون دجالاً يجعل الصدق طلاء لما تعاف النفوس من كذبه. وخرج من أن يكون معلّما لمن يتلقى عنه، إلى أن يكون نهازاً لغفلات السامعين والقارئين " [1]
وهم ممن يصح فيهم قول محمد الغزالي: " صنف يصلح لأي عمل إلا خدمة الإسلام والتصدي لقضاياه الكبرى " [2]والمحزن أنهم تصدّوا بالفعل لقضاياه.. وتكلموا بغير علم فضلوا وأضلوا..
وقد تمنيت أن يكفيني بعض أهل العلم هذه الكلمات اليسيرة لمعرفتي بضعف قوّتي، وقلّة حيلتي، وهواني على الناس، ولكن لابد مما ليس منه بدّ، والغيّ لا ينفع حيث الرشدُ..
هي كلمات يسيرة، وعبارات قصيرة أكشف فيها نظرتي لهذا التيار التخريبي، وإن ركبه البعض جهلاً، أو غفلة، فهذا لا ينفي أنّ أصله مخطط له، وأنّه شيء يراد لزعزعة الثوابت الدينية، والنخر في جسد الأمّة، وتفرقة الصف الإسلامي، والقضاء على الدين من الدين، وتشويه الإسلام من داخل الإسلام، والعودة إلى الجاهليّة باسم العلم والتقدم والحضارة والتجديد..
ودهاقنة هذا المخطط الخبيث القديم قد يصطنعون صنائع يسيّرونهم على هواهم، وقد يكتفون من البعض بكلمة تؤيّد صنيعة لهم، أو سكوت عن انحراف يريدونه، أو نقد لبنيان يهمّهم هدمه..
وقد نقلت في هذه المقالة نقولاً أردت من بعضها محض الاستشهاد، ومن بعضها الآخر الإشارة والتنويه ببعض الكتب والمقالات المفيدة التي أرى أن مراجعتها مفيدة في هذا الموضوع، بغض النظر عن كتّابها.. وما توفيقي إلا بالله..
أتواصوا به؟
وظاهرة التخريب باسم التجديد مثلها مثل غيرها من ظواهر مصادمة الحق ومعاكسته، فلا جديد في التجديد، الجديد هي الأسماء، وبعض الاستراتيجيات، أما الحقيقة، وغالبيّة المضمون فهي هي، وسبحان من جعل الحق يتكرر فلا يلتبس على أحد، وجعل الباطل يتكرر فلا يلتبس على أحد..
لذلك لم يأمرنا الله أن نكتفي بسؤاله الهداية، بل أمرنا أن نسأله الهداية إلى صراط الذين أنعم عليهم، وأن نتخذ سبيل المؤمنين سبيلاً..
ولم يأمرنا أن نكتفي بالاستعاذة من الغضب والضلال، بل أن نستعيذ من صراط المغضوب عليهم والضالين!
وأما أهل الزيغ على مختلف درجات الزيغ فتاريخهم يعيد نفسه، ومؤامراتهم باتت من المعلوم من الانحراف بالضرورة..
وإنّك تكاد تقول: شَبَهُ أهل الزيغ بعضهم ببعض أشد من شبه الأبناء بالآباء، وأهل العصر بعصرهم، وذلك من المعالم والصُوى التي نصبها الحق ليُعلم بها الباطل، وكأنّما أنزلت فيهم " أتواصوا به " و " تشابهت قلوبهم " و " قد نبأنا الله من أخباركم "..فما عليك إلا أن تقرأ زيغ مرجئة الأمس حتى تعلم أصول انحراف مرجئة اليوم، وما عليك إلا أن تنظر لانحرافات محمد أحمد خلف الله وكمال أبو المجد ومحمد عمارة وخالد محمد خالد حتى تكتشف تفاصيل انحراف عدنان إبراهيم وأحمد الكبيسي وحسن فرحان المالكي والحبيب الجفري وأحمد قاسم الغامدي وغيرهم..
وإن من أنواع الجهاد المشكور جهادهم، وبيان ما قاموا به من تدليس للشريعة، وافتيات على المشرّع، وهو من قبيل ما سمّاه محمد الغزالي بالغشّ الثقافي، بل هو من أعظم الغش لأنّ المقصود به الثقافة الدينيّة، بل محكمات الشريعة، يقول الغزالي: " الغش الثقافي وباء تعرّضت له الأمّة الإسلاميّة قديماً وحديثاً، ثم يتصدى له الراسخون في العلم فيكسرون شوكته، ويكشفون حقيقته، فإمّا قطعوا دابره، ونجت الأمّة منه! وإمّا بقيت له ذيول تختفي هنا وهناك؛ لتنفث شرّها بين أولي الغفلة حتى يتيقظ لها العلماء العدول فيتم القضاء عليها ويستريح المسلمون منها " [3]
فهذه ورقة من نذيرٍ عريان يبعث بها إلى الراسخين والعدول من علماء الشريعة، يصرخ فيهم مشقوق الرداء، اللطيمة اللطيمة، حصونكم يا معاشر العلماء مهددة من الداخل، يا لثارات الشريعة، يا لثارات كتاب الله وسنّة رسوله صلى الله عليه وسلم..
التجديد الحق
مصطلح التجديد مصطلح شرعي، جاءت به السنة النبويّة، وأسهب العلماء في الحديث عنه، وعاشه الواقع الإسلامي جيلاً بعد جيل..
ومن أشهر مستندات التجديد، حديث التجديد الشهير:
عن أبي هريرة _رضي الله عنه_ قال: قال عليه الصلاة والسلام: " إن الله يبعث لهذه الأمّة على رأس كل مئة سنة من يجدد لها دينها " رواه أبو داود وغيره، واتّفق الحفّاظ على صحّته..
ومن ألفاظ الحديث الشارحة الكاشفة: عن سفيان بن عيينة _رحمه الله_ قال: " بلغني أنه يخرج في كل مئة سنة بعد موت رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل يقوّي اللهُ به الدين " أخرجه البزّار.
إذن فالتجديد مصطلح شرعي، لا ينبغي تجاهله، ولا ردّه، بل يجب الترحيب به إن جاء وفق شروطه المعتبرة! وحتى نعرف شروطه سنقف وقفات سريعة مع ألفاظ وعبارات الحديث.
وقفات مع حديث التجديد
ولنا وقفات سريعة مع جُمل الحديث نتلمّس بها بعض المعاني المهمّة في حديث التجديد:
الوقفة الأولى:
" إن الله يبعث " فالتجديد قدر إلهي، وإرادة ربّانيّة، يبعثها الله إذا شاء أن يبعثها، فليست خاضعة لإرادة شخص، أو مجموعة كتب أو فتاوى قال بها أحد أهل العلم فيكون بذلك مجدّداً، الذي على العالم فعله هو الاجتهاد، ومحاولة معرفة مرادات الله، ونشر العلم والوعي في الأمّة، ثم الله سبحانه إن شاء أن يمنّ عليه بأن يكون من الأبدال المجددين ظهر ذلك في أثره، وعمله، وذِكْرُ (أهل العلم) له، لا بادعاءاته هو، وتزكية أهل الزيغ والضلال له.
الوقفة الثانيّة:
" لهذه الأمّة " فرسالة المجدد رسالة أمميّة، لا مذهبيّة، كالمطر الذي ينال بركته الحاضر والباد، ويعم خيره البلاد، فليس مجدداً من يكون رحمة على فئة من الأمّة عذاباً على غيرهم، بله من يستبشر به العصاة وأهل الزيغ، ويكون نقمة على أهل المسجد والقرآن والصلاة..
ومما يستنبط من هذه العبارة أن " هذا المبعوث لم يعد همّه نفسه فحسب، بل تجاوز ذلك ليعيش لهذه الأمة " [4] يحترق لمصابها، ويسهر لآلامها، واهتمام العالم (مجدّدا كان أم غير مجدد) بأمّته كالبصمة فيه، والعلامة الفارقة في جبين آثاره، لا يمكن تجاهله ولا يخفى عن عين ناظر ولو بلا تأمّل، وهذا نصّ فريد لابن القيّم يتحدّث عن شيخه ابن تيمية الذي عدّ _بحقّ_ مجدد قرنه، بل ومازال تجديده ينعكس ويتوهّج إلى زمننا هذا يقول: " كنّا إذا اشتد بنا الخوف، وساءت منا الظنون، وضاقت بنا الأرض، أتيناه فما هو إلا أن نراه، ونسمع كلامه، فيذهب ذلك كلّه عنّا وينقلب انشراحاً ".
بين قوسين: قارن هذا ببعض من ادّعى التجديد في زمننا ممن يكون الناس في سعة وفي استقرار من دينهم فتأتي فتواه أو كلامه فينغّص على أهل الصلاح صلاحهم والله المستعان.
الوقفة الثالثة:
" على رأس كل مئة سنة " التجديد إذن حاجة تكون بعد مُضي حقبة من الزمن، وليس موضة تبثها الصحف، ويتخطّفها الناس!
فإن اعتبرنا دلالة المنطوق فلا يصح التجديد فيما دون المئة سنة، وإن اعتبرنا الدلالة بالمفهوم فإن التجديد لا يكون إلا بعد حقبة يصح أن تندثر فيها بعض معالم الشريعة، ومنارات الدين، أما أن يظهر عشرات (المجددين!) في سنوات قليلة وكلهم يزعم أو يُزعم له أنّه مجدد، فهذا أقرب لنَفَس الموضة من معنى التجديد الصحيح.
الوقفة الرابعة:
" يجدد لها دينها " فالتجديد متعلّق بالدين، وداخل فيه، فلا يمكن أن يجدد الإسلام بالحضارة الغربية، ولا أن تعاد هيكلة الإسلام وفق منظور الكنيسة! وقد عبّر محمد إقبال عن هذا المعنى فقال: " الكعبة لا تُجدد بجلب حجارة لها من أوروبا ". فالمجدد كما قال يوسف القرضاوي: " يجدّد الدين بالدين للدين " [5] ولي مزيد كلام عن هذا المعنى في عنوان مستقل آتٍ إن شاء الله.
الوقفة الخامسة:
" رجل يقوي الله به الدين " فالتجديد قوّة للدين، ونفخة حياة لشيء من معالمه وآثاره ومعانيه، لا قوّة للتخاذل عنه، وطعن في حملته، وتعزيز لبعض الأفكار التي تنفّر عن حقيقته..
***
بقيت قضايا تمس بعض متعلقات حديث التجديد من مثل: مفهوم (رأس مئة سنة) وهل رأسها آخرها أم أوّلها؟ وهل المجدد واحد أم يتعددون؟ وغير ذلك مما لم أنشئ المقالة للإطالة فيه، ومن شاء التفصيل فليرجع إلى مظان ذلك.
ماهيّة التجديد!
فليس الاجتهاد خروجاً عن مضمار الشريعة، أو بثّاً للعنديات في تضاعيف النصوص، وليس التجديد الإتيان بلمسة جديدة وبهار خاص يوضع فوق الخلطة الدينية، ليخرج الدين بنكهة عصريّة ذات لمسة حضاريّة..
التجديد في حقيقته عمليّتان تتمّان بالتناوب، بل لا تكون إحداهما حتى تكون الأخرى، بل هما شيء واحد لا يمكن فصله، ولكن لغرض التفصيل والتقسيم فصَلت بينهما وسميت إحداهما بالتجديد الإبقائي وسنمثّل له بمثال القصر، والأخرى بالتجديد التشذيبي وسنمثّل له بمثال البستان:
تجديد القصر:
لا ينبغي أن نتصوّر أن التجديد يكون بتغيير الأصل، فإن ترميم البناء وتجديده يقضي بإعادته إلى هيئته يوم بنائه، أما أن تأتي على قصر ضخم هندسهُ أمهر البنّائين، وأرسى دعائمه، وشيّد أركانه، ورفع سُقُفه، وزخرفه وجعله على أرفع إمكانيّات الفخامة ثم تأتي لتهدم جزءاً منه، ثم تغيّر دهانه إلى لون باهت رديء، ثم تلغي حدائقه وتجعلها زرائب، وتزعم أنّك جدّدته! هذا ليس بتجديد " فتجديد شيء يعني العودة به إلى ما كان عليه عند بدايته وظهوره لأول مرّة، وترميم ما أصابه من خلل على مر العصور، مع الإبقاء على طابعه الأصيل " [6] فأنت بما فعلت بالقصر لم تجدد بل خرّبت القصر، وألغيت فنيّات بنائه، ومحوت عنه لمسات المهندس البارع لتضع مكانها عبثيات المراهق الغر!
وزعْمُك أنّك مجدد لن يلغي حقيقة التخريب في عملك، وإن انطلت أكاذيبك على من لا يعلم أصل ذلك القصر، فإنها لن تنطلي على العالِـمين بتفاصيل ذلك القصر وماضيه الجميل.
يقول جمال سلطان في كتابه المهم تجديد الفكر الإسلامي: " إن التجديد _في مجال الفكر أو في مجال الأشياء على السواء_ هو أن تعيد الفكرة أو الشيء الذي بَلِيَ أو قَدِمَ أو تراكمت عليه من السمات والمظاهر ما طمس جوهره، أن تعيده إلى حاله الأولى، يوم كان أول مرة " [7]
ثم يواصل شرح الفكرة موضحّا أنّ " حركة التجديد ليست تلك التي تتجاوز المعطيات الأساسية للدين، وإنما هي تلك التي تجاهد لإعادة الناس وفكرهم وقيمهم إلى حقيقة الدين وهيئته التي كان عليها سلفهم الصالح، أو بالمعنى الإسلامي المباشر: ما كان عليه محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه " [8]
على هذا فكل دعوى تجديد للإسلام لا تتخّذ نصوص الوحي مرجعاً، وأقوال الصحابة موئلاً، وفهم السلف منهجاً هي تقويض لا تجديد، وتفكيك لا بناء، وتخريب لا تشييد..
تجديد البستان:
لو تخيّلنا بستاناً شاسع المساحة، كثيف الأشجار، مزدهر الجوانب، يانع الثمار، ثم نظرنا من ثقب الزمن إلى السنوات وهي تمرّ عليه، فتنبت الحشائش الضارة بين أشجاره الخضراء، وتتفرّع أغصان الأشجار بشكل يقضي على كثير من جماليّة البستان، وتأخذ بعض أوراق الأشجار صُفرة الخريف..
هنا مهمّة (البستاني) تكمن في إزالة الشوائب، وتهذيب تلك الأغصان، وتشذيب تلك الأوراق وقصقصتها..
هذه العمليّة تشبه عمليّة التجديد التشذيبي، فقد تراكمت على مرّ العصور وكرّ الدهور مفاهيم ليست من الإسلام، وعقائد دخيلة على ذلك الأصل النقي، وآراء فقهيّة هي إلى الشذوذ أقرب، فواجب على المجدد الذي يحرص على أن يكون تجديده إبقائيّا أن يكون تجديده تشذيبيّا أيضاً، فيقصقص تلك الأفكار الرديئة، ويحذّر الناس من الآراء الشاذة، ويبيّن عوار العقائد المنحرفة، حتى يعود بستان الإسلام إلى عهده الأوّل.
يصف خميس بن عاشور هذه المهمّة الجسيمة قائلا: " إن مهمّة التجديد إذاً هي إبعاد كل العناصر والجزئيات الدخيلة على عملية تفاعل الوحي مع النفوس، هذا التفاعل هو الذي من شأنه أن يحيي تلك الإيجابيّة الإيمانيّة التي أخرجت من بين من أخرجت جيل الصحابة وجيل التابعين الذين مثلوا الإسلام خير تمثيل، وأصبحوا بذلك النموذج السامي لثمرة تفاعل الوحي الإلهي بالنفوس " [9]
أما أن يأتي زاعم التجديد فيحوّل بستان الإسلام إلى حشائش ضارّة، فيزكّي انحرافات الصوفيّة، ويداهن أكاذيب الرافضة، ويعلي من شأن بعض المثقفين المستغربين، وينظر في عمليّته التجديدية نظرة للقرآن ونظرة لديكارت وهيجل ونيتشه! فهذا لا يشذّب ويهذّب بل يخادع ويكذّب!
التجديد عبر التاريخ
لم يكن حديث التجديد نصا مدفونا في كتاب، أو أثرا مخبوءا في طومار، بل انتفض عبر طول التاريخ الإسلامي وعرضه، وأخرجه العلماء من متون السنة ليكون مَعْلَمَة تُثَوَّر حوله القضايا والمسائل، فتنعكس على أيام الناس وحياتهم..
فهؤلاء يتحدّثون عن أسانيد أحاديث التجديد تقويّة وتصحيحاً..
وأولئك يخوضون بعلم ومعرفة حول معانيها، شرحاً واستنباطاً..
وآخرون يقفون عند ظلالها فقهاً واستدلالا..
ثم تأخذ دوائر معاني هذه النصوص بالاندياح والاتساع وتتشكّل معها ملامح هؤلاء المجددين..
فيشيرون بإجماع إلى بعض الأسماء كعمر بن عبد العزيز والشافعي _رحمهم الله_ ويصفونهم بأنّهم مجددو القرون الأولى..
وبشبه إجماع إلى أسماء أخرى في قرون أخرى..
ثم تبدأ الأسماء تكثر، ومسوّغات الترجيح تطرح، وتبزغ في سماء التاريخ الإسلامي أقمار التجديد واضحة، يُجَمعُ على بعضها، ويختلف على بعضها الآخر، وإن كان حتى المختلف فيها متلألئة وضّاءة لا تخلو من تجديد..
فالمقصود: أن التجديد باب خصب، لم ينكره عالم، ولم يلغه فقيه، ولو لم يأت به النص الصحيح، لكان قد قال به العقل الصريح، والمشاهد والمنظور.
مختارات