جوهر الإنجاز المبدع
تمرّ بالمرء أوقات يكاد يشتعل فيها نشاطاً وحماسةً وتوثّباً، ويتعجب من أين يأتيه كل هذا الوقود المشع، والمزاج المبتهج. فليعضّ على هذه الأوقات بالنواجذ، وليضاعف فيها العمل إلى أقصى الطاقة، لأنها لا تدوم، وسيعود لحال من السكون، والبرود.
وهذا معنى شائع، ومعروف، ولكن الذي ينبغي إلحاقه بهذا المعنى، أن يسعى المرء لتوفير البيئة المناسبة للظفر بهذا المزاج المتوقد، والذهن المستعد. وكان أحد المشايخ البارعين يذكر أنه يعمل ويبحث ويؤلف (وله عدة كتب منشورة) عدة ساعات أول اليوم، وفي وقت الضحى تقريباً يتوقف، ويترك بقية يومه لأعماله الأخرى، الوظيفية، والأسرية. فهو يخصص لبّ اليوم وخلاصته لعمل مركّز وجاد. بينما آخرون يضيع من أوقاتهم الكثير،لتبعثر نشاطهم، وتفرقه في اليوم، أو لكثرة الانقطاعات بين أجزائه، فيفقدون جوهر الرؤية المبدعة = التركيز.
وهكذا لو تستخلص من وقتك بضعة ساعات كل أسبوع -مثلاً- للقيام بعمل محدد، لكن بتركيز تام، وتفرغ ذهني ونفسي ومادي كامل، سترى كيف تصنع تلك الساعات الفارق.
وإن من جملة الضعف المستولي على البشر التفاوت الشديد في العزيمة، وانحلال عرى الإرادة في وسط العمل، أو قبله، وفي بعض الأحيان لا تجد لتحول الإرادة وتبدلها وانفساخ الهمم؛ علة معقولة، ولا سبباً ظاهراً، وقد سأل بعض الأوائل: بم عرفت الله؟ فقال: “بفسخ العزائم، ونقض الهمم”، والمعنى أن هذا الانفساخوالنقض بعد الجزم التام، والعزم المؤكد، لابد أن سببه إرادة عليا تسيطر على هذه الإرادة الدنيا، وتقدّر فيها ما تشاء، وليس ثمّ إلا الله تبارك وتعالى.
مختارات