نعوذ بالله من سوء الخاتمة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
مدخل:
يقول ابن الجوزي -رحمه الله-: " لابد من لقاء البلاء ولو لم يكن إلا عند صَرْعة الموت، فإنها إن نزلت -والعياذ بالله- فلم تجد معرفة توجب الرضا أو الصبر؛ أخرجت إلى الكفر، ولقد سمعت بعض من كنت أظن فيه كثرة الخير وهو يقول في ليالي موته: " ربي هو ذا يظلمني " -تعالى الله عن قوله-.
قال ابن الجوزي: " فلم أزل منزعجًا مهتمًّا بتحصيل عُدَّة ألقى بها ذلك اليوم " صيد الخاطر.
وقد ذكر ابن القيم -رحمه الله-: " أن من أعظمِ الفقه أن يخاف الرجل أن تخدَعَه ذنوبه عند الموت، فتحول بينه وبين الخاتمة الحُسنى " الداء والدواء.
فهل فكرتَ ـ أيها القارئ ـ وفكرتِ ـ أيتها القارئة ـ في هذه اللحظات الأخيرة من العمر بماذا يختم لكَ أو لكِ؟، إن الأمر عظيم! والخطب جسيم! كيف لو ختم لأحدنا في آخر عمره بخاتمة السوء؟! نسأل العافية!
معنى سوء الخاتمة:
" سوء الخاتمة على رتبتين: إحداهما أعظم، وهو: أن يغلب على القلب -والعياذ بالله- شك، أو جحود عند سكرات الموت وأهواله؛ فيقتضي ذلك العذاب الدائم.
والثانية دونها، وهي: أن يسخط الأقدار، ويتكلم بالاعتراض، أو يجور في وصيته، أو يموت مصرًا على ذنب من الذنوب " (مختصر منهاج القاصدين). أو يختم له بتعلق بالدنيا.
فسوء الخاتمة أن " يختم له بما يوجب له الخلود في نار جهنم، أو بما يوجب له دخولها فترة ـ إن لم يغفر له الله جل وعلا ـ " (التحذير من سوء الخاتمة للسحيباني).
التخويف من سوء الخاتمة:
" كم سمعنا عمن آمن ثم كفر، وكم رأينا من استقام ثم انحرف ". (التحذير من سوء الخاتمة).
أخرج البخاري من طريق أبي غسان قال: حدثني أبو حازم عن سهل بن سعد الساعدي -رضي الله عنه- قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «إِنَّ الْعَبْدَ لَيَعْمَلُ، فِيمَا يَرَى النَّاسُ ـ عَمَلَ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَإِنَّهُ لَمِنْ أَهْلِ النَّارِ، وَيَعْمَلُ ـ فِيمَا يَرَى النَّاسُ ـ عَمَلَ أَهْلِ النَّارِ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِـ وَإِنَّمَا الأَعْمَالُ بِخَوَاتِيمِهَا» [رواه البخاري ومسلم]، وفي موضع آخر: «وَإِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالْخَوَاتِيمِ» [رواه البخاري].
وفي الصحيحين عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ: «إنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، ثُمَّ يَكُونُ فِي ذَلِكَ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَكُونُ فِي ذَلِكَ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يُرْسَلُ الْمَلَكُ؛ فَيَنْفُخُ فِيهِ الرُّوحَ، وَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ بِكَتْبِ رِزْقِهِ، وَأَجَلِهِ، وَعَمَلِهِ، وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ، فَوَالَّذِي لا إِلَهَ غَيْرُهُ إِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلا ذِرَاعٌ، فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ؛ فَيَدْخُلُهَا، وَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلا ذِرَاعٌ، فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ، فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ؛ فَيَدْخُلُهَا» [رواه البخاري ومسلم واللفظ له].
قال ابن حجر -رحمه الله-: " وفيه الحث على الاستعاذة بالله -تعالى- من سوء الخاتمة " فتح الباري.
لم لا وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «يُبْعَثُ كُلُّ عَبْدٍ عَلَى مَا مَاتَ عَلَيْهِ» [رواه مسلم]، وفي لفظ: «مَنْ مَاتَ عَلَى شَيْءٍ؛ بَعَثَهُ اللهُ عَلَيْهِ» [رواه أحمد، وصححه الألباني].
قال ابن القيم -رحمه الله-: " العمر بآخره، والعمل بخاتمته، من أحدث قبل السلام؛ بطل ما مضى من صلاته، ومن أفطر قبل غروب الشمس؛ ذهب صيامه ضائعًا، ومن أساء في آخر عمره؛ لقِي ربه بذلك الوجه " (الفوائد).
وانظر إلى أدعيته -صلى الله عليه وسلم-؛ تعرف مدى اعتنائه بهذا الأمر: فعن أنس -رضي الله عنه- قال: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ: «يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ، ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ» (رواه الترمذي، وصححه الألباني].
ومن دعائه -صلى الله عليه وسلم-: «وَأَعُوذُ بِكَ أَنْ يَتَخَبَّطَنِي الشَّيْطَانُ عِنْدَ الْمَوْتِ» [رواه أبو داود والنسائي، وصححه الألباني].
قال الخطابي -رحمه الله-: " هو أن يستولي عليه الشيطان عند مفارقة الدنيا، فيضله، ويحول بينه وبين التوبة، أو يعوقه عن إصلاح شأنه، والخروج من مظلمة تكون قبله، أو يوئسه من رحمة الله، أو يكره الموت، ويتأسف على حياة الدنيا، فلا يرضى بما قضاه الله من الفناء، والنقلة إلى الدار الآخرة؛ فيختم له بالسوء، ويلقى الله وهو ساخط عليه " (معالم السنن 1/ 257،258)، ونقله عنه بنحوه السيوطي في شرحه على النسائي (8/282،283).
وكان -صلى الله عليه وسلم- يستعيذ من فتنة المحيا والممات: «وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ» [متفق عليه].
قال ابن حجر -رحمه الله-: " قوله: «فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ»، قال ابن دقيق العيد: فتنة المحيا: ما يعرض للإنسان مدة حياته من الافتتان بالدنيا والشهوات والجهالات، وأعظمها -والعياذ بالله-: أمر الخاتمة عند الموت، وفتنة الممات يجوز أن يُراد بها: الفتنة عند الموت أضيفت إليه؛ لقربها منه، ويكون المراد بفتنة المحيا ـ على هذا ـ: ما قبل ذلك، ويجوز أن يراد بها: فتنة القبر " (فتح الباري).
وقال العيني -رحمه الله-: " وفتنة المحيا: أن يفتتن بالدنيا، ويشتغل بها عن الآخرة، وفتنة الممات: أن يخاف عليه من سوء الخاتمة عند الموت وعذاب القبر مما يعرض له عند مساءلة الملكين، ومشاهدة أعماله السيئة في أقبح الصور ـ أعاذنا الله منه بمنه وكرمه ـ " (عمدة القارئ).
وكان -صلى الله عليه وسلم- يتعوذ «مِنْ دَرَكِ الشَّقَاءِ» [رواه البخاري ومسلم].
قال السندي -رحمه الله-: " قوله: «وَمِنْ دَرَكِ الشَّقَاءِ»: الدَرَك ـ بفتحتين، وحكي سكون الثاني ـ: اللَّحاق، والشقاء ـ بالفتح والمد ـ: الشدة، أي: من لَحاق الشدة، وقال السيوطي: والمراد بالشقاء: سوء الخاتمة ـ نعوذ بالله منه ـ " السندي على النسائي.
" كم من وجوه خاشعة وقع على قصص أعمالها {عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ. تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً} [الغاشية: 3-4]، كم مَن شارَفَ مركبُه ساحلَ النجاة فلما هَمَّ أن يرقى لعب به موج الهوى؛ فغرق، الخلق كلهم تحت هذا الخطر، قلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء، قال بعضهم: " ما العجب ممن هلَك كيف هلَك؟، إنما العجب ممن نجا كيف نجا؟ " لطائف المعارف.
ها هو عبيد الله بن جحش أسلم ثم " مات نصرانيًّا بأرض الحبشة، وتزوج النبي -صلى الله عليه وسلم- امرأته أم حبيبة بنت أبي سفيان بعده " " الإصابة (7/4)، وانظر جلاء الأفهام (276،280) "، فهل من خائف؟! وهل من معتبر؟!
من أسباب سوء الخاتمة:
1- البدعة وفساد الاعتقاد:
قال الشاطبي -رحمه الله- في ذم المبتدع: " يبعد عن حوض رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ويخاف عليه أن يكون معدودًا في الكفار الخارجين عن الملة وسوء الخاتمة عند الخروج من الدنيا " (الاعتصام).
ثم بيَّن أسباب ذلك، ومما قال: " لأن المبتدع -مع كونه مصرًّا على ما نُهي عنه- يزيد على المصر بأنه معارض للشريعة بعقله، غير مسلم لها في تحصيل أمره، معتقدًا في المعصية أنها طاعة حيث حسَّن ما قبحه الشارع، ومن كان هكذا فحقيق بالقرب من سوء الخاتمة إلا ما شاء الله " (الاعتصام).
فالمبتدع " إذا انكشف الغطاء عند الموت؛ بان له بطلان ما اعتقده، فظن أن جميع ما اعتقده لا أصل له، وكم ختم لكثير من البشر بهذا عندما ابتدعوا في دين الله -عز وجل-، وزاغوا وانحرفوا عن صراط الله المستقيم، وظهرت حقيقتهم في أول لقاء لهم مع رب العالمين -سبحانه- " (التحذير من سوء الخاتمة). " وقلَّ أن يختم لمبتدع في دين الله -تعالى- بالإيمان " (التحذير من سوء الخاتمة).
وقد قيل: " أكثر الناس شكًّا عند الموت أصحاب الكلام " " نقله شيخ الإسلام في " الفتوى الحموية الكبرى " (33) تحقيق هزاع "، أي: المنشغلين بعلم الكلام من فلسفة ومنطق، وقد حذر منه السلف.
ومثال ذلك: ما ذكره شيخ الإسلام -رحمه الله- فقال: " ولهذا حدثونا ـ بإسناد متصل ـ عن فاضل زمانه في المنطق وهو الخونجي، صاحب (كشف أسرار المنطقظظ9 و(الموجز) وغيرهما أنه قال عند الموت: " أموت وما عرفت شيئًا إلا علمي بأن الممكن يفتقر إلى المؤثر. ثم قال: الافتقار وصف سلبي، فأنا أموت وما عرفت شيئًا! " (مجموع الفتاوى).
وانظر إلى خبر ابن الفارض القائل بالاتحاد، وهو قول كفري يزعم أصحابه أن الله هو هذه المخلوقات " انظر (معجم ألفاظ العقيدة) (18-21)، و(المنة شرح اعتقاد أهل السنة) (30-33)، فيقولون: إن كل مخلوق هو الله، -تعالى- الله عما يقولون علوًّا كبيرًا ".
قال الذهبي -رحمه الله- عن ابن الفارض هذا: " ينعق بالاتحاد الصريح في شعره، وهذه بلية عظيمة، فتدبر نظمه ولا تستعجل، ولكنك حسن الظن بالصوفية، وما ثَمَّ إلا زي الصوفية وإشارات مجملة، وتحت الزي والعبارة فلسفة وأفاعي، فقد نصحتك، والله الموعد! " (ميزان الاعتدال).
ابن الفارض هذا يجعل " عند الموت ينشد ويقول:
إن كان منزلتي في الحب عندكمُ ما قد لقِيتُ فقد ضيعـتُ أيامي
أمنـيةٌ ظـفـِرَتْ نـفـسي بها زمنًا واليومُ أحسِبُها أضغاثَ أحلام
فإنه كان يظن أنه هو الله، فلما حضرت ملائكة الله ـ لقبض روحه ـ؛ تبين له بطلان ما كان يظنه " (الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان).
2- فساد الباطن:
قال الحافظ ابن رجب -رحمه الله-: وفي الصحيحين عن سهل بن سعد -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- التقى هو والمشركون، وفي أصحابه رجل لا يدع شاذة ولا فاذة إلا اتبعها يضربها بسيفه، فقالوا: ما أجزأ منا اليوم أحد كما أجزأ فلان، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: " هو من أهل النار " فقال رجل من القوم: أنا صاحبه، فاتبعه، فجرح الرجل جرحًا شديدًا، فاستعجل الموت، فوضع نصل سيفه على الأرض وذبابه بين ثدييه، ثم تحامل على سيفه، فقتل نفسه، فخرج الرجل إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال: أشهد أنك رسول الله، وقص عليه القصة، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إِنَّ الرَّجُلَ لِيَعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِ الْجَنَّةِ ـ فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ ـ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لِيَعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِ النَّارِ ـ فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ ـ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ) [رواه البخاري ومسلم]، وفي موضع آخر: «وَإِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالْخَوَاتِيمِ» [رواه البخاري].
وقوله: «فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ» إشارة إلى أن باطن الأمر يكون بخلاف ذلك، وأن خاتمة السوء تكون بسبب دسيسة باطنة للعبد لا يطلع عليها الناس، إما من جهة عمل سيء ونحو ذلك.. فتلك الخصلة الخفية توجب سوء الخاتمة عند الموت " جامع العلوم والحكم.
3- المعاصي والذنوب:
" إذا أَلِف الإنسان المعصية ولم يتب منها؛ فإن الشيطان يستولي على تفكيره حتى في اللحظات الأخيرة من حياته، فإذا أراد أقرباؤه أن يلقنوه الشهادة ـ ليكون آخر كلامه لا إله إلا الله ـ؛ طغت هذه المعصية على تفكيره، فتكلم بما لا يفيد انشغاله بها، وختم له بالسوء -عياذًا بالله -تعالى- من ذلك " (التحذير من سوء الخاتمة).
" كما قيل: المعاصي بريد الكفر، فيخاف على من أدامها وأصر عليها سوء الخاتمة " (فتح الباري).
" أفلا يخشى الذين يتركون الصلاة تلو الصلاة، ثم يوعظون فلا يستجيبون، ألا يخشى هؤلاء أن يختم لهم بالسوء؟! ألا يخشى الذين يتعاملون بالربا ثم لا يتوبون، ولا يذَّكَّرون أن يتخطفهم الموت وهم على هذا الجرم العظيم، والذنب الكبير؟! " التحذير من سوء الخاتمة.
" قال عبد العزيز بن أبي رواد حضرت رجلا عند الموت يُلَقَّن: لا إله إلا الله. فقال في آخر ما قال: هو كافر بما تقول، ومات على ذلك قال: فسألت عنه فإذا هو مدمن خمر. فكان عبد العزيز يقول: اتقوا الذنوب، فإنها هي التي أوقعته " (جامع العلوم والحكم).
وفي حديث السبع الموبقات: «وَأَكْلُ الرِّبَا» (رواه البخاري ومسلم)، " أي: تناوُله بأي وجه كان كما قال -تعالى-: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمـَسِّ} [البقرة:275]، قال ابن دقيق العيد: وهو مجرب لسوء الخاتمة. نعوذ بالله من ذلك " (فتح المجيد باب: ما جاء في السحر (1/369).
وذكر ابن القيم -رحمه الله- في عقوبات الذنوب والمعاصي أنه: " ربما تعذر عليه النطق بالشهادة كما شاهد الناس كثيرًا من المحتضرين ممن أصابهم ذلك، حتى قيل لبعضهم: قل: لا إله إلا الله فقال: آه آه، لا أستطيع أن أقولها.
وقيل لآخر: قل: لا إله إلا الله فقال: شاه ورخ، غلبتك، ثم قضى.
وقيل لآخر: قل: لا إله إلا الله فقال:
يا رُبَّ قائلةٍ يوما وقد تعبِتْ كيف الطريقُ إلى حمام منجاب؟
ثم قضى، وقيل لآخر: قل: لا إله إلا الله، فجعل يهذي بالغناء، ويقول: تاتنا تنتنا، حتى قضى.
وقيل لآخر ذلك فقال: وما ينفعني ما تقول، ولم أدع معصية إلا ركِبتها، ثم قضى، ولم يقلها.
وقيل لآخر ذلك فقال: وما يغني عني وما أعرف أني صليت صلاة، ولم يقلها " الداء والدواء.
4- الإكباب على الدنيا والإعراض عن الأخرى:
قال الحافظ أبو محمد عبد الحق بن عبد الرحمن الإشبيلي -رحمه الله-: " واعلم أن لسوء الخاتمة -أعاذنا الله منها- أسبابًا، ولها طرقًا وأبوابًا، أعظمها: الانكباب على الدنيا وطلبها، والحرص عليها، والإعراض عن الأخرى، والإقدام والجرأة على معاصي الله -عز وجل-، وربما غلب على الإنسان ضرب من الخطيئة، ونوع من المعصية، وجانب من الإعراض، ونصيب من الجرأة والإقدام؛ فملك قلبه، وسبى عقله، وأطفأ نوره، وأرسل عليه حجبه؛ فلم تنفع فيه تذكرة، ولا تنجح فيه موعظة، فربما جاءه الموت على ذلك؛ فسمع النداء من مكان بعيد، فلم يتبين له المراد، ولا علم ما أراد، وإن كرر عليه الداعي وأعاد قوله ".
ثم قال ابن القيم -رحمه الله-: " قال عبد الحق: وقيل لآخر -ممن أعرفه- قل: لا إله إلا الله، فجعل يقول: الدار الفلانية أصلحوا فيها كذا، والبستان الفلاني افعلوا فيه كذا " الداء والدواء.
قال ابن القيم -رحمه الله-: " وأخبرني من حضر بعض الشحاذين عند موته فجعل يقول: لله... فَلْس لله، فَلْس لله... حتى قضى.
وأخبرني بعض التجار عن قرابة له أنه احتضر وهو عنده، وجعلوا يلقنونه: لا إله إلا الله، وهو يقول: هذه القطعة رخيصة، هذا مشترٍ جيد، هذه كذا، حتى قضى.
وسبحان الله! كم شاهد الناس من هذا عبرًا! والذي يخفى عليهم من أحوال المحتضرين أعظم وأعظم " الداء والدواء.
تنبيه:
قال ابن القيم نقلا عن عبد الحق الإشبيلي: " واعلم أن سوء الخاتمة -أعاذنا الله -تعالى منها-: لا تكون لمن استقام ظاهره وصلح باطنه "، وعلق ابن القيم -رحمه الله- فقال: " ما سمع بهذا، ولا علم به، ولله الحمد " الداء والدواء.
استعد وكن على وجل: " إذا عرفتَ معنى سوء الخاتمة؛ فاحذر أسبابها، وأعد ما يصلح لها، وإياك والتسويف بالاستعداد؛ فإن العمر قصير، وكل نفَس من أنفاسك بمنزلة خاتمتك؛ لأنه يمكن أن تخطف فيه روحك، والإنسان يموت على ما عاش عليه، ويحشر على ما مات عليه " مختصر منهاج القاصدين.
اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك، اللهم أحسن خاتمتنا، اللهم قنا الفتن ما ظهر منها وما بطن.
مختارات