ثابري واقتفي الأثر
(الدعوة إلى الله)
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين...
إن الدعوة إلى الله عز وجل هي شرف كل مؤمن ومؤمنة...وهي العز والسؤدد.
كيف لا يكون ذلك وهي سبيل نبينا وقدوتنا عليه الصلاة والسلام{ قل هذه سبيلي ادعوا إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين} يوسف
الدعوة إلى الله نور هداية، ومشكاة صلاح، فهنيئاً لمن حمل هذا المشعل المبارك وسار به ليضيء للناس طريقهم، ويأخذ بأيديهم إلى الله عز وجل...
ففي زمان ترى فيه تسارع أعدائنا في استهداف شبابنا وفتياتنا...زمان كثر فيه الناعقون بإسم الدين وهو منهم براء...زمان يعج بالفتن...كبحر هاجت به الريح فتلاطمت أمواجه...
إلا أنه ثلة من فتياتنا، وأخواتنا، وبنياتنا، كنَّ كجلمود صخر...تحطمت عليها آمال المفسدين... ومخططات المغرضين.
لله درهنّ...نساء صالحات مصلحات...حملن هم هذا الدين...وأشعلن مصابيح الهدى...في طرقات اعتلاها الظلام...
حملنها سائرات بها في قوافل الداعيات...وركاب الصالحات...على خطى الحبيب صلوات ربي وسلامه عليه...سائرات في سبيل الدعوة إلى الله عز وجل
الدعوة إلى الله عند حافظة الوحيين:
حافظة الوحيين تحفظ قول باريها جل في علاه حيث قال{ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} فصلت
وثبت في صدرها قول نبيها عليه الصلاة والسلام(نضّر الله امرأ سمع منا حديثا فحفظه حتى يبلغه، فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه، ورب حامل فقه ليس بفقيه) سنن أبي داوود
ولم يكن أبداً هذا الشرف حكراً على الرجال، بل لشقائقنا من النساء حظ وافر ونصيب منه تماماً كنصيب الرجل...
فخطاب التكليف جاء عاماً لم يفرق بين الرجل والمرأة قال تعالى:{ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر}آل عمران
لا يمكن أن نستغني عنك في هذا المجال...أتدرين لماذا؟؟
مهما كثر الدعاة والمصلحون من الرجال إلا أنه تبقى الحاجة ملحة لوجود أخوات فاضلات داعيات إلى الله في الأوساط النسائية...ويرجع ذلك لعدة أسباب منها:
* أنها تدرك تماماً طبيعة الوسط النسائي وخصوصياته ومشكلاته.
* هي أقدر من الرجل في خوض التفاصيل والإفصاح في ذلك نظراً لتجانس الظروف.
* وكذلك المرأة تتأثر بأقوال أختها وأفعلها أكثر من تأثرها بالرجل لأنها ترى فيها التطابق في القدرات والتحمل إلى نوع ما.
* أيضاً قدرتها على الوصول إلى كافة الشرائح النسائية والحديث معهن بإنبساط تام لعدم وجود الخلوة المحرمة كما هو المحظور بين الرجل والمرأة.
* والمرأة بحكم معاشرتها لمجتمع النساء تستطيع أن تحدد الأولويات التي تحتاجها المرأة في مجال الدعوة.
إذاً نحن بحاجة ماسة جداً جداً جداً لوجود داعيات في الأوساط النسائية، فهي خير من يحمل هذا اللواء وأجدر من ينشر الخير في تلكم المجتمعات...
فإن غابت شمس تلك الداعية، وأحجمت عن حمل هذا اللواء فهي بلا شك تترك ثغرة خطيرة، يتسلل من خلالها الذين يتربصون بأخواتنا لنشر سمومهم...
فإياك أن تتخلي عن دورك... وإياك أن يؤتى الدين من قِبلك.. وتذكري الأثر العظيم الذي تتركينه من بعدك...
ثمرات دعوتك إلى الله:
هل تعلمين ماذا تجنين من ثمار وما تبقين من آثار إذا كنت داعية إلى الله؟
1- من الآثار المهمة سد ثغرة من ثغور الإسلام؛ وقطع الطريق على المتربصين به، وإفشال مخططاتهم.
2- تساهمين بشكل فعال في نشر العلم ورفع الجهل...عن كثير من المجتمعات النسائية.
3- مشاركتك في الدعوة تثبت للعالم بأن الإسلام لم يهمل مكانتك ولم يغفل دورك البته.
4- تشعرين بقيمتك كعضو فعال صالح مصلح في أمتك.
5- كما أن قيام المرأة بالدعوة يجعل منها رقيبة على نفسها في قولها وفعلها وحركاتها وسكناتها، فتكونين خير قدوة لأخياتك.
وغير ذلك من الآثار العظيمة والثمار الطيبة، التي تجنينها من خلال نشاطك الدعوي.
إن لعملك ضوابط حتى لا تجنين الشوك:
نعم نحن بحاجة إلى تلكم الداعية الفاضلة...صاحبة الهمة العالية والخير العميم...ولكن لا ينبغي أن يدفعها الحماس أن تقدم المهم على الأهم..وأن تحتج بقول الغاية تبرر الوسيلة...لا
بل هناك ضوابط يجب عليها التقيد بها حتى نجني الثمار اليانعة، ونجسد المعاني السامية ونُشيّدها بدلاً من هدمها تحت شعار الدعوة إلى الله...ومن هذه الضوابط:
* تحريم خلوتها بالأجانب، صلى الله عليه وسلم (لا يخلونّ رجل بامرأة إلا مع ذي محرم) البخاري... وفي رواية (إلا كان الشيطان ثالثهما).
* تحريم سفرها دون محرم حتى وإن كان للدعوة، فقد قال الحبيب صلى الله عليه و سلم (لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم) البخاري.
* الأصل في الدعوة والتصدر للميادين العامة أنها للرجال، كما كان الحال عليه في عصر الرسول صلى الله عليه وسلم والقرون المفضلة، بل تحاول جاهدة أن تكون دعوتها خاصة بالأوساط النسائية لأن هذا هو مجالها.
* لا تشغلك الدعوة عن واجباتك ومسؤولياتك تجاه بيتك وزوجك وأبنائك فهؤلاء حقهم أعظم...وأنت مسئولة عنهم مسئولية تامة.
حقيقة يجب أن تدركيها:
أختي الفاضلة، يا داعية إلى الخير والهدى..اعلمي رعاك الله أن ميدان الدعوة إلى الله، ميدان لا يخلوا البتة من الاحتكاك بالناس والتعامل معهم ومخالطتهم إختلاطاً هادفاً، وإلا كيف سيكون النصح لهم إذاً؟؟!!
لذا كان من الضروري على الداعية أن تتقن عدداً من المهارات، لتجعل منها داعية ناجحة محبوبة قريبة من الجميع...
والهدف: ترغيب من حولك وجذبهم إلى ما تحملينه من خير ونصح وصلاح..
فإذا وصلتي إلى قلوب من تناصحيهم، تكونين بذلك مهدتِ الطريق وهيأتِ النفوس لتقبلها والعمل بها... وقد وجهنا الله في محكم التنزيل إلى أهمية كسب القلوب والاستفادة منها في مجال النصح فقال:{ خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} الأعراف
وقال ابن تيمية رحمه الله (المحبة والإرادة أصل كل دين، صالحاً كان أو فاسداً [لماذا؟] لأن المحبة هي التي تبعث وتحرك الإرادة، وهي التي تمضي وتوقع الفعل في الواقع)
ومضات على بعض المهارات:
لاشك أن المهارات وفنون التعامل التي تحتاجها الداعية كثيرة جداً، والمجال فيها واسعاً..
ولعلنا نلقي الضوء هنا على أهم المهارات التي تقربك من قلوب الناس، وتزيل الحواجز فيما بينكِ وبينهم...لتستقر النصيحة في سويداء قلوبهم...
● سحر الابتسامة:
هي أسرع طريق في امتلاك القلوب، لها تأثير عجيب..فهي تشعر من حولك بالطمأنينة والأنس، وهي أول خطوة في تآلف الأرواح...
فضلاً عن ذلك فهي عبادة وقربة..قال صلى الله عيه وسلم (وتبسمك في وجه أخيك صدقة) الترمذي.
● المبادرة بالسلام:
فقابلي أخواتك بوجه يتهلل سعادة وبشاشة، ثم بادري بمد يدك مصافحة لهنّ، تُلقين عليهن أعظم تحية وهي تحية أهل الجنة.. " السلام عليكم ورحمة الله "
لتزيلي بذلك كثيراً جداً من الحواجز فيما بينك وبينهن..وقد قال صلى الله عليه وسلم (تصافحوا يذهب الغل، وتهادوا تحابوا وتذهب الشحناء) حديث حسن
وقال الحسن البصري (المصافحة تزيد في المودة)
● إظهار الاهتمام بمن أمامك:
من طبيعة البشر أنهم يميلون إلى من يهتم بهم، ويحترم وجودهم، ويقدر شخصياتهم...ولعلك تلمسين هذا الشيء في نفسك وفيمن يتعامل معك..
ولك في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة، فقد أخبر أنس رضي الله عنه عن جانب من شمائل نبينا عليه الصلاة والسلام فقال(وما سأله سائل قط إلا أصغى إليه أذنه فلم ينصرف حتى يكون هو الذي ينصرف عنه وما تناول أحد بيده إلا ناوله إياها فلم ينزع حتى يكون هو الذي ينزعها منه)
فحاولي إشعار أخواتك بأهميتهن لديك، استشيريهن في بعض الأمور، ولا تحطمي آرائهن، رويداً بهن حتى تتركي إنطباعاً طيباً في نفوسهن تجاهك.
● إحسان الظن بأخواتك:
إن إساءة الظن بمن حولك، وتفسير ما يصدر عنهن وحمله على أسوء الاحتمالات، هذا من شأنه أن يسبب الفجوة، ويزيد الحواجز بينك وبينهنّ..
بل عليك إحسان الظن بهنّ، وأن تنظري إليهن بعين الرحمة والشفقة، والتمسي الأعذار لهن..فهذا من صفات المؤمنين يقول العالم الجليل ابن المبارك (المؤمن يطلب معاذير إخوانه، والمنافق يطلب عثراتهم).
فإن جاهدتِ في ذلك، وجدتِ في قلبك إنشراحاً، وإقبالاً عليهنّ...وحتماً سيبادلنكِ نفس الشعور..
● البسي جلباب التواضع:
إن التكبر والعلو صفة تنفر الناس من صاحبتها، ويتجنبون مخالطتها والاحتكاك بها..لأنهم لا يرون سوى الازدراء والسخرية والاستحقار منها..
أما المتواضعة، لينة الجانب، خافضة الجناح، الكل يرغب مصاحبتها والتقرب إليها...لأنهم يرتاحون في تعاملهم معها...إذ لا علو ولا ازدراء..
فاحذري أن تنظري لأخواتك بنظرة العلو وأنك الأفضل منهن،وألبسي جلباب التواضع الذي أُمر به نبيك عليه الصلاة والسلام وهو صاحب الخلق العظيم فقال الله له{ واخفض جناحك للمؤمنين} الحجر... وفي آية أخرى{ واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين}الشعراء
● املئي قلبك بالرحمة:
فالدعوة تحتاج منكِ أن تكوني ذات قلب كبير يسع الجميع، ويفيض عليهم محبة ورحمة...لأن الأصل أن رحمتك بهم هي الدافع لمناصحتهم وبذل الخير لهم...
فإذا لم تجد أخياتك منك سوى الجفاف والغلظة، وشدة الغضب وسرعة الإنفعال..حتماً سينفرن منك ولن يتقبلن أي نصح وتوجيه منك..واسمعي ماذا قال الله عز وجل لنبينا عليه أفضل الصلاة والسلام{ فبما رحمة من الله لنت لهم، ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك} آل عمران
فهذا يدلك على أهمية التخلق بالرحمة في كسب قلوب الناس.
كانت هذه ومضات عاجلة لأهم المهارات...فما لا يدرك كله لا يترك جله...
وفي الختام أختي الفاضلة:
فلنحرص على إحياء شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولنضرب بسهامنا مع من ساهموا في مجال الدعوة، ولنسارع لنحلق بركاب الدعاة والمصلحين.
واعلمي أن الأيام تمضي والعمر ينقضي، ودقائقنا بل ثوانينا وحتى أنفسنا محسوبة علينا، فإما أن تسمو بنا نحو زيادة الخير ولإيمان، أو تهوي بنا في وحل الآثام والعصيان.
مختارات