5- تلبية النداء
والاستجابة لأمر الله الذي خاطب أحب الخلق إليه: وصاحب الرسالة يعلم أن هذا الخطاب يشمله ويشرِّفه. جاء في التفسير:
• (شمِّر عن ساعد العزم وأنذر الناس)
•(قم قيام عزم وتصميم ) .
• (قم فاشتغل بالإنذار وإن آذاك الفجار) .
• (إنه النداء العلوي الجليل للأمر العظيم الثقيل... نذارة هذه البشرية وإيقاظها، وتخليصها من الشر في الدنيا، ومن النار في الآخرة وتوجيهها إلى طريق الخلاص قبل فوات الأوان).
•(قم فما يُعهد من صاحب رسالة نوم.. قم للأمر العظيم الذي ينتظرك، والعبء الثقيل المهيأ لك..
قم للجهد والنصب والكد والتعب، قم فقد مضى وقت النوم والراحة.)
وكان هذا النداء الذي تتردَّد أصداؤه بيننا إلى اليوم إيذانا بشحذ العزائم، وتوديعا لأوقات النوم والراحة، والتلفف بأثواب الهجوع، وكان إشعارا بالجد الذي يصنع الحدث ويرميه في حجر أعدائه ليتفاعلوا معه، لا أن ينتظر كيد العدو ليتفاعل هو معه.
صاحب الرسالة يا دعاة يسبق الحدث لا ينتظره حتى يقع، ويسابق الزمن خوف الفوت، متوثباً إلى غايته النبيلة وهدفه السامي، وصوته الهادر يبايع نبيه موقِّعا معه عقد البذل والاستشهاد صائحا:
نبي الهدى قد جفونا الكرى... وعِفنا الشهي من المطعم
نهضنا إلى الله نجلو السرى... بـــــروعــة قرآنه الــمنزل
يا صاحب الرسالة.. افهم ما يُراد منك:
أنت صاحب دعوة ينتظرها المسلمون في جميع الأرض، المحاصرون في غزة، والمعذبون في كشمير، والمقهورون في العراق، بل وكل من طالت محنته وأنهكته المظالم.
أنت اليوم في مواجهة حاسمة مع عدو متبجِّح يصل الليل بالنهار في سبيل اقتلاع دينك، أو على الأقل تركه في قلوب الناس صنما لا روح فيه، فماذا أنت صانع؟!
أنت قائد التغيير البشري اللازم لوقوع التغيير الإلهي المرتقب، فكيف نطلبك فلا نجدك؟!
إن الدعوة كما وصفها بعض الفضلاء منهج تغيير كامل وثورة شاملة، إنها إبطال الباطل وإحقاق الحق، إنها أمانة عظمى ورسالة كبرى، إن مهمة الداعية أن يقيم مكان كل باطل يمحوه حقا، ومكان كل ضلال هديا، ومكان كل شر يبيده بدعوته خيراً يزرعه بعمله، ومكان كل ظلم عدلاً ينشره، ومكان كل رذيلة يمزقها فضيلة يؤسسها، ومكان كل تسلط بالبغي والكبرياء الآثمة تراحما ومساواة.
يا ابن الدعوة.. يا صاحب الرسالة.. يا وريث أولي العزم من الرسل..
إنها الأمانة الثقيلة التي ناءت بحملها السماوات والأرض والجبال وحملتها أنت، فعلمت بذلك أنك لابد أن تكون أقوى من السماوات والأرض والجبال!! فهذه الأمانة لن يحملها ضعيف متخاذل، ولا كسول متراخ ولن يصلح لها إلا الجد والقوة، وهذه هي لغة القرآن.. ألم تسمع: ﴿ يا يحيى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيّاً* وَحَنَانًا مِّن لَّدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيًّا* وَبَرًّا بِوَلِدَيْهِ وَلَمْ يَكُن جَبَّاراً عَصِيّاً* وَسَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَياً ﴾ مريم: 12
أما وقد سمعت، فانزع عنك ما نسجته غفلتك من دثار وشعار، واقتل على الفور كل مبرِّرات التخلف والأعذار.
اعرف قدر نفسك.. وموضع قدمك..
يا مقتفي الأثر الرائع.. أثر محمد وصحبه:
أنت لابس لأمته في معركته مع الباطل
أنت خليفته في دعوته
أنت راقي منبره لتعظ الأمة من ورائه
أنت وارث رسالته
يا من تسلَّم الراية منه قبل أن تسقط.. هل سقطت منك الراية؟!
يا من حمل شعلة الهداية من يده لتنير بها الوجود.. هل انطفأت بين يديك الشعلة؟!
مختارات