آفات اللسان 2
الآفة الثالثة عشرة: الغناء وهو ما يفسد القلوب، وقد غَرَّ به الشيطان خلقاً كثيراً من العوام والعلماء والزهاد حتى ظنوه قربة إلى الله.
الآفة الرابعة عشرة: اللعن: إما لحيوان أو جماد أو إنسان وكل ذلك مذموم، والمؤمن ليس بالطعان ولا اللعان.
واللعن: عبارة عن الطرد والإبعاد عن رحمة الله، وذلك غير جائز إلا على من اتصف بصفة تبعده عن الله عزَّ وجلَّ مثل الكفر والظلم ونحوهما، وينبغي أن يتبع فيه لفظ الشرع فإن في اللعنة خطراً؛ لأنه قد حكم على الله عزَّ وجلَّ بأنه قد أبعد الملعون، وذلك غيب لا يطلع عليه إلا الله تعالى.
والصفات المقتضية للعن ثلاثة:
الكفر.. والبدعة.. والفسق.
وللعن في كل واحدة ثلاث مراتب:
الأولى: اللعن بالوصف الأعم كقوله: لعنة الله على الكافرين والمبتدعة والفسقة.
الثانية: اللعن بوصف أخص منه كقوله: لعنة الله على اليهود والنصارى أو لعنة الله على الزناة والظلمة، وآكلي الربا، وكل ذلك جائز.
الثالثة: اللعن للشخص المعين، وهذا فيه خطر كقوله: زيد لعنه الله، وهو كافر أو فاسق أو مبتدع.
والتفصيل فيه: أن كل شخص ثبتت لعنته شرعاً فتجوز لعنته كقولنا: فرعون لعنه لله، وأبو جهل لعنه الله؛ لأنه ثبت أن هؤلاء ماتوا على الكفر، وعرف ذلك شرعاً.
وإما شخص بعينه كقول: زيد لعنه الله، وهو يهودي مثلاً، فهذا فيه خطر؛ لأنه ربما يُسلم فيموت مقرباً عند الله، فكيف يحكم بكونه ملعوناً؟.
فعلى المسلم أن يصون لسانه عن الكذب والغيبة والنميمة وقول الزور وغير ذلك مما نهى الله ورسوله عنه.
واللسان من نعم الله تبارك وتعالى العظيمة اللطيفة، فهو صغير جِرمه، عظيم طاعته ونفعه، وعظيم خطره وجُرمه.
فلا يستبين الكفر والإيمان إلا بشهادة اللسان، وهما غاية الطاعة والمعصية.
والكلام ترجمان يعبر عما في الضمائر، ويخبر بمكنونات السرائر.
وللكلام شروط لا يسلم المتكلم من الزلل إلا بها، وهي:
الأول: أن يكون الكلام لداع يدعو إليه إما في جلب نفع، أو دفع ضرر، ذلك أن ما لا داعي له هذيان، وما لا سبب له هُجْر.
الثاني: أن يقتصر من الكلام على قدر حاجته منه، فإن الكلام إن لم ينحصر بالحاجة لم يكن لحده غاية، ولا لقدره نهاية، ومن كَثُر كلامه كثر سقطه.
الثالث: اختيار الألفاظ التي يتكلم بها؛ لأن اللسان عنوان الإنسان، فلا يتجاوز في مدح، ويسرف في ذم.. ولا تبعثه الرغبة والرهبة في وعد أو وعيد يعجز عنهما.. وإذا قال قولاً حققه بفعله.. وإذا تكلم بكلام صدقه بعمله.. ويراعي مخارج كلامه بحسب مقاصده.. فإن كان ترغيباً قرنه باللين واللطف.. وإن كان ترهيباً خلطه بالخشونة والخوف.. ولا يرفع صوته بكلام مكروه.. ولا ينزعج له انزعاجاً مستهجناً.. ويكف عن حركة تكون طيشاً.. ويتجافى هجر القول ومستقبح الكلام.. وليعدل إلى الكناية عما يُستقبح صريحه ويُستهجن فصيحه.. ؛ ليبلغ الغرض ولسانه نزيه، وأدبه مصون.. ولا يسمع الخنا ولا يصغي إلى فحش ولا يقوله.. ويتجنب أمثال العامة الساقطة.. ولا يذكر في كلامه إلا أمثال القرآن والسنة، وأمثال العلماء والأدباء، فلهذه الأمثال موقع في السمع وتأثير في القلب لا يكاد الكلام المرسَل يبلغ مبلغها ولا يؤثر تأثيرها.
الرابع: أن يأتي بالكلام في موضعه؛ لأن الكلام في غير حينه لا يقع موقع الانتفاع به، فإن قدم ما يقتضي التأخير كان عجلة وخرقاً، وإن أخر ما يقتضي التقديم كان توانياً وعجزاً، فلكل مقام قول.
فما عقل دينه من لم يحفظ لسانه، وحفظ اللسان أشد على الناس من حفظ الدينار والدرهم، ومن عد كلامه من عمله لم يتكلم إلا فيما يعنيه، وكثرة الكلام تذهب الوقار، ومن فتنة العالم أن يكون الكلام أحب إليه من الاستماع.
ولا خير في الكلام إلا في عشر:
تهليل وتكبير وتسبيح وتحميد.. والسؤال عن الخير.. والتعوذ من الشر.. والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.. وقراءة القرآن.. وما لا بدَّ منه في قضاء حاجته.
مختارات