اسم الله الرازق 2
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
من أسماء الله الحسنى : ( الرازق ) :
أيها الإخوة الأكارم ، لا زلنا في اسم " الرازق " .
تثبيت الله عز وجل القوانين التي لا تعد ولا تحصى من أجل أن يطمئن الإنسان :
قبل أن نمضي في الحديث عن هذا الاسم لابدّ من التنويه إلى أن الله سبحانه وتعالى ثبت ملايين ملايين القوانين في الكون ، ثبات هذه القوانين يوحي بالاستقرار ، يوحي بالنظام ، فالقوانين ثابتة ، الذهب ذهب ، والفضة فضة ، والحديد حديد ، خصائص المواد هي هي ، هذه القوانين التي لا تعد ولا تحصى والتي ثبتها الله عز وجل من أجل أن يطمئن الإنسان .
أنت حينما تشيد بناء الحديد الذي فيه لو غيّر خصائصه لانهار البناء ، أن حينما تشتري سبيكة ذهب تبقى ذهب ما دامت عندك ، لو أنها تحولت إلى معدن خسيس خسرت كل مالك ، ثبات خصائص المعادن ، وأشباه المعادن ، القوانين ، قوانين الحركة ، قوانين الفيزياء ، الكيمياء ، هذا الثبات يوحي بالنظام ، يوحي بالاستقرار .
ولكن الله جلّت حكمته حرك موضوعين خطيرين، حرك الصحة، وحرك الرزق ، الرزق ليس ثابتاً ، والصحة ليست كذلك .
تحريك الله تعالى الصحة والرزق لحكمة بالغة :
يبدو أن هذين الموضوعين الخطيرين ، حينما تحركا ليؤدب الله بهما الإنسان ، فالإنسان مهما ملك من ثروات طائلة كل استمتاعه بالحياة مبني على صحته ، على قطر شريانه التاجي ، على نمو خلاياه ، على سيولة دمه ، لو تجمد الدم في العروق لمات الإنسان احتشاء ، لو نمت الخلايا نمواً عشوائياً ورم خبيث ، لو ضاقت الشرايين ذبحة صدرية ، هناك أمراض وبيلة قاتلة .
فالصحة ليست ثابتة ، وكذلك الرزق ، أحياناً تنقطع الأمطار ، يموت النبات ، يموت الحيوان ، يهاجر الإنسان .
نحن آمنا أن الله سبحانه وتعالى وحده هو " الرازق " لكن بعد هذا الإيمان بيّن في قرآنه ، والنبي المعصوم بيّن في سنته أسباب زيادة الرزق ، وما منا واحد على وجه الأرض إلا حريص على صحته ، وعلى رزقه .
الأسباب التي وردت في القرآن الكريم والتي جعلها الله سبباً لزيادة الرزق :
1 ـ تقوى الله عز وجل : ما دمنا في اسم " الرازق " ما الأسباب التي وردت في القرآن الكريم ، والتي جعلها الله سبباً لزيادة الرزق، الله عز وجل في أول سبب من أسباب الزيادة قال تعالى : " وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ۚ" [الطلاق:2-3] .
ضاقت فلما استحكمت حلقاتها فرجت وكان يظن أنها لا تفرج
* * *
كن عن هـــمومك معرضا وكل الأمور إلى الــــقضا
وابشـــر بخـــــير عاجـــل تنسى به ما قد مضــــى
فلــــــرب أمر مسخط لك في عواقبه رضـــــا
* * *
وربما ضــــاق المضيق ولربما اتسع الفضـــــا
الله يفعل ما يشــــــاء فلا تكن معترضــــــا
الله عودك الــــــجميل فقس على ما قد مضـــى
* * *
الإنسان المؤمن لا يقنط ولا ييأس بل يتجه إلى الله عز وجل :
والله أيها الأخوة ، لو لم يكن في كتاب الله إلا هذه الآية لكفتني " وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً " من اسم شرط جازم ، اسم الشرط الجازم يحتاج إلى فعلين ، الفعل الأول فعل الشرط ، والثاني جوابه وجزاؤه ، هذه الصيغة توحي بالقانون ، من يجتهد ينجح ، من سار على الدرب وصل " وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً " ماذا تعني كلمة مخرج ؟ أمامه الأبواب كلها مغلقة ، أنت متى تقول أين المخرج ؟ حينما تحاول أن تخرج ولم تجد باباً تقول أين المخرج ؟ .كلمة " وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً " توحي أن أبواب الأرض أغلقت ، تقدم طلباً لا يوافق له ، يقدم بعثة مرفوض ، يبحث عن عمل لا يجد ، يحاول أن يستأجر دكاناً لا يستطيع ، الأبواب كلها مغلقة ، ولحكمة بَالغةٍ بالغةٍ بالغة أحياناً يكون هذا الامتحان الصعب يغلق الله كل أبواب الأرض ، ويفتح لك أبواب السماء ، فالإنسان المؤمن لا يقنط ولا ييأس يتجه إلى الله .
وكان عليه الصلاة والسلام إذا حزبه أمر بادر إلى الصلاة ، في أي شأن ، في شأن عملك ، في شأن صحتك ، في شأن زواجك ، مشكلة لاحت لك بالأفق ، مصيبة قريبة منك ، شبح فقر ، شبح مرض لابد من أن تقول :
الله عودك الــــــجميل فقس على ما قد مضــــى
* * *
" وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ " والله أيها الأخوة ، لولا ضيق الوقت لكان هناك مئات القصص التي إذا رويت يقشعر البدن ، كيف أن الأبواب كانت مغلقة ثم فتحت .
إذاً أول أسباب زيادة الرزق تقوى الله عز وجل ، الإنسان حينما يرى الأمور معسرة الأبواب مغلقة ، الأمل أصبح صفراً ، يطرق باب السماء ، ليتقِ الله " وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً " أحياناً مرض عضال يتم الشفاء الذاتي ، أحياناً فقر مدقع يتم الغنى الذي هو فضل من الله عز وجل ، أحياناً عدو متربص كيف يلين الله قلبه ، وينصرف عنه " وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ " .من عظمة القرآن الكريم أن الآية فيه لها ثلاثة معان سياقي سباقي ولحاقي :
بالمناسبة : عظمة القرآن الكريم أن الآية في القرآن لها معنى سياقي ، ومعنى سباقي ، ومعنى لحاقي ، الآية لها مكان ، هناك معنى يؤخذ من سياقها ، أما إذا نُزعت وحدها لها معنى آخر ، هذه الآية وردت في سورة الطلاق ، بالسياق : " وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ " .
في تطليق زوجته ثلاث مرات " يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً " إلى إرجاعها ، هذا المعنى السياقي ، انزعها من سياقها هي قانون ، في أي موضوع ، في أي موضوع على الإطلاق " وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ۚ" .2 ـ صدق التوكل على الله : أحد الأسباب لزيادة الرزق صدق التوكل على الله:" وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ " [الطلاق:3] لكن التوكل من عمل القلب ، وليس من عمل الجوارح ، المسلمون حينما تخلفوا في فهم دينهم جعلوا التوكل بالجوارح ، لا يفعل شيئاً ، يقول سلمت أمري إليك يا رب ، لا يتحرك ، مع أن الله عز وجل يقـــول : " وَقُلِ اعْمَلُوا " [التوبة:105] .
" إِن الله يَلُومُ على العَجْز ، ولكن عليكَ بالكَيْس ، فإِذا غَلَبَك أَمر ، فقل حَسبيَ الله ونعم الوكيل " [أبو داود] لا يسعى ، ولا يتحرك ، ولا يدرس ، ولا يستطلع ، ولا يفعل شيئاً إلا أنه يقول أنا توكلت على الله .
سيدنا عمر رأى أناساً يتكففون الناس في الحج ، قال : من أنتم ؟ قالوا : نحن المتوكلون ، قال : كذبتم ، المتوكل من ألقى حبة في الأرض ثم توكل على الله .سيدنا عمر ، رأى رجلاً مع جمل مريض ، قال : يا هذا ماذا تفعل بهذا الجمل ؟ قال : أدعو الله أن يشفيه ، قال له : هلا جعلت مع الله قطراناً ؟ .
التوكل محله القلب وليس الجوارح :
فالسبب الآخر هو صدق التوكل على الله ، التوكل محله القلب ، تأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء ، ثم تتوكل على الله وكأنها ليست بشيء ، هذه البطولة أن تأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء ، عندك سفر طويل ، ومعك مركبة ، تراجعها مراجعة كاملة ، تراجع العجلات ، المكابح ، الزيت ، تراجع كل شيء ، وحينما تكون جاهزة تتوجه من أعماق قلبك إلى الله ، يا رب أنت المسلم ، أنت الحافظ ، تدرس وتتوكل ، تدرس طبيعة السوق وتتوكل ، أي شيء تشبعه دراسة عميقة ، وتتخذ قراراً وبعدها تتوكل ، هكذا أفلح السلف الصالح ، أما نحن لم نأخذ بالأسباب .
الطرف الآخر أخذ بالأسباب واعتمد عليها وألهها ، ونسي الله فوقع بالشرك ، ونحن ندعي أننا مؤمنون ، لم نأخذ بها أصلاً ، وتوكلنا على الله توكلاً ساذجاً أي تواكلاً فوقعنا في شرّ عملنا ، ينبغي أن تأخذ بالأسباب ، وكأنها كل شيء ، وأن تتوكل على الله وكأنها ليست بشيء .
3 ـ صلة الرحم : أحد أسباب زيادة الرزق صلة الرحم ، يقول عليه الصلاة والسلام : " مَن سَرّه أن يَبْسُط الله له في رزقه ـ من اسم الباسط ـ وأن يَنْسَأ له في أَثَره فلْيَصِلْ رحمه " [البخاري] .
الإنسان حينما يتفقد أخواته البنات ، المتزوجات ، يتفقد من يلوذ به ، التفقد بالضبط يعني ما يلي ، أن تزورهم ، أن تتفقد أحوالهم المعيشية ، والتربوية ، والدينية ، وأن تمد لهم يد العون ، وأن تأخذ بيدهم إلى الله ، صلة الرحم من أعظم الأعمال ، وكأن هذه الصلة صلة الغني للفقير ، والقوي للضعيف ، والعالم للجاهل .4 ـ الشكر : أيها الأخوة ، من أسباب زيادة الرزق الشكر ، قال تعالى : " لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ " [إبراهيم:7] ما دمت تشكر نعم الله ، هذه النعم لن تزول ، بل تزيد ، أنت حينما تدخل بيتك ، يا رب لك الحمد آويتني بهذا البيت ، لك عمل يا رب لك الحمد أكرمتني بهذا العمل ، معك شهادة عليا يا رب لك الحمد يسرت لي هذه الدراسة ، أمامك زوجة ، تحبك وتحبها ملء السمح والبصر يا رب لك الحمد أكرمتني بهذه الزوجة ، فأنت حينما ترى نعم الله ، وتشكر الله عليها هذه النعم لن تتحول عنك ، سوف تزيد " لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ " .
وبالشكر تدوم النعم ، لكن الملمح الدقيق قال تعالى : " وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا " [إبراهيم:34] يعني ممكن أن أعطيك ليرة واحدة ، وأقول لك عدها ، ما هذا الطلب ؟ كيف أعد ليرة واحدة ؟ معنى الآية لو أمضيت حياتك في معرفة بركات نعمة واحدة لم تستطع .بعض الكتّاب في مصر فقد بصره ، يمضي الصيف في سويسرا ، كان تعليقي لو كان أمضى الصيف بالصعيد في غرفة مكيفة كأنه في سويسرا ، لأنه فقد البصر ، نعمة البصر ، ترى الجبال ، ترى السهول ، ترى ابنك الجميل ، كل هذه النعم فقدها الإنسان " وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا " .
5 ـ الاستغفار والتوبة : الآن الاستغفار والتوبة أحد أسباب زيادة الرزق .
" فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا (11) وَيُمْدِدْكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا [نوح:10-12] أحد أسباب زيادة الرزق ، سيد الاستغفار ، وما أمرك الله أن تستغفره إلا ليغفر لك .
أيها الإخوة ، بيت تؤدى فيه الصلوات من أهل البيت ، محل تجاري تؤدى فيه الصلوات، أي مكان تؤدى فيه الصلوات هذا مكان له رزق خاص ، والدليل : " وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى " [طه:132] قد نجد محلاً تجارياً مرزوقاً ، الموظفون جميعاً يصلون ، صاحب المحل يصلي ، لا يوجد كلمة غلط مع من تشتري ، لا يوجد نظرة غلط ، هناك انضباط ، محل باب رزق ، إذاً مثل هذا المحل أصحابه يؤدون الصلاة شكراً لله عز وجل ، وصاحب المحل يتقي الله في البيع والشراء ، هذا المحل له معاملة خاصة .أعرف محلاً تجارياً ، ترتكب فيه الفواحش ، احترق أول مرة والثانية ، هناك تفسير دقيق ، حينما ترتكب الفاحشة ، احترق المحل ، أول مرة ، وثاني مرة .
6 ـ الصدقة : أيها الإخوة ، أحد أسباب زيادة الرزق الصدقة ، قال تعالى : " مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ " [البقرة:245] .
" أنفق بلالُ ولا تخش من ذي العرش إقلالاً " [الطبراني] .
" يا ابن آدم ، أنفقْ أُنفِقْ عليك " [البخاري ومسلم] بالصدقة تستدر الرزق من الله عز وجل ، وداوها التي كانت هي الداء ، أنت في شدة بالغة ، في فقر مدقع ، تصدّق ، أنت بالصدقة تستدر رزق الله عز وجل " مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ " .
أيها الإخوة ، هذه الآية مذهلة ، أي عمل صالح تجاه أي مخلوق ، نملة على المغسلة أنت تريد أن تتوضأ ، لو فتحت الصنبور لغرقت ، أما إن انتظرتها حتى ابتعدت عن الماء ، هذا عمل صالح ، لا يوجد عمل صالح مهما بدا دقيقاً إلا والله عز وجل يؤجرك عليك ، وعده قرضاً له " مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً " لو أطعمت هرة ، لو داويت كلباً صغيراً كُسرت يده ، أخذته إلى مستوصف بيطري وعالجته ، لك عند الله أجر كبير ، أي خدمة لأي مخلوق هو صدقة جارية لك .حتى هذه البغي التي سقت كلباً يأكل الثرى من العطش غفر الله لها .
7 ـ قراءة القرآن الكريم : الآن قراءة القرآن الكريم ، يقول عليه الصلاة والسلام : " إن البيت الذي يقرأ فيه القرآن يكثر خيره ، والبيت الذي لا يقرأ فيه القرآن يقل خيره " [البزار] بيت فيه قرآن ، ما فيه أفلام فيه قرآن ، فيه توجيه ، فيه مجلس علم صغير ، فيه ذكر لله عز وجل ، هذا البيت مرزوق .
8 ـ التوسعة على العيال في الإنفاق : الشيء الذي يلفت النظر أنك إذا وسعت على عيالك في الإنفاق الله عز وجل كافأك برزق وفير .
" يا ابن آدم ، أنفقْ أُنفِقْ عليك " [البخاري ومسلم] .
" ليس منا من وسع الله عليه ثم قتر على عياله " [الديلمي] من تمام الطاعة لله ، أن الله إذا وسع عليك وسع على أهلك ، لبِّ حاجتهم المشروعة طبعاً من دون إسراف ، من دون تبذير ، من دون خيلاء ، من لهم غيرك ؟ الآخرون أنت لهم ، وغيرك لهم ، أما أولادك ، زوجتك ، أقرباؤك من لهم غيرك ؟ فإذا وسع الله عليك وسع على عيالك ، والتوسعة على العيال أحد أسباب زيادة الرزق .
9 ـ النكاح : الآن الشيء العجيب أن الزواج يحتاج إلى إنفاق كبير ، يحتاج إلى بيت ، يحتاج إلى تأسيس البيت ، شيء لا يعلمه إلا من دخل في هذا المشروع ، يقول عليه الصلاة والسلام : " ثلاثة حقّ على الله عَوْنُهم : المجاهدُ في سبيل الله ، والمُكَاتِبُ الذي يريد الأداءَ ، والناكحُ الذي يريد العَفَافَ " [الترمذي] .
والله يوجد بالجامع الصغير مجموعة أحاديث تبدأ بكلمة حق ، حق الآباء على الأبناء ، حق المسلم على المسلم ، حق الجار على جاره ، حق الأب على ولده ، حق الزوجة على زوجها ، الكتاب عبارة عن سلسلة مرتبة على الأبجدية ، لكن هناك حديث إذا قرأته يقشعر جلدك حق المسلم على الله ، معكوسة ، أن يعينه إذا طلب العفاف ، يعني الله عز وجل أنشأ للشاب المسلم حقاً عليه أنه إذا أراد العفاف أن يعينه .فالنكاح أحد أسباب زيادة الرزق .
10 ـ الهجرة في سبيل الله : الآن الهجرة ، إنسان مقيم ببلد غربي ، دخله فلكي ، مركبته ، بيته ، دخله ، بلاد جميلة ، حريات كاملة ، حاجاته مؤمنة ، لكن فسق وفجور لا يعلمه إلا الله ، خاف على أولاده ، خاف على بناته ، خاف على مستقبل أولاده ، فأنهى أعماله ، وعاد إلى بلده ، البلاد النامية فيها متاعب كثيرة ، فرص العمل قليلة ، بيوت غالية جداً ، هناك تعقيدات بالحياة ، هذا شأن الدول النامية جميعاً ، فضحى بكل ميزات العالم الغربي ، ووضع هذا تحت قدمه ، وعاد إلى بلده صوناً لأولاده ، وأسرته ، ولمستقبل بناته ، هذا الذي هاجر في سبيل الله حق على الله أن يغنيه ، اسمعوا الآية : " وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَماً كَثِيراً وَسَعَةً " [النساء:100] والله أخوة كُثر كانوا في أعلى دخل في البلاد الغربية ، لكن خافوا على بناتهم وعلى أولادهم ، فعادوا إلى بلدهم ، عانوا من شدة في بادئ الأمر ولكن بعد ذلك فتح الله عليهم أبواب الرزق الواسعة ، مكافأة لهم على خوفهم على أولادهم وعلى بناتهم " وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَماً كَثِيراً وَسَعَةً " .
من طلب العلم تكفل الله له برزقه :
أيها الإخوة الكرام ، مرة قرأت عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى ، أن الذي دفعه إلى طلب العلم بصدق ما بعده صدق حديث قرأه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا هو الحديث : " من طلب العلم تكفل الله له برزقه " [الديلمى] .
يعني لا تفهموا هذا الحديث أن شخصاً طلب العلم فوجد تحت الوسادة ليرة ذهبية كل يوم ، لا ، ليس هذا هو المعنى ، المعنى : من طلب العلم ، الله هيأ له رزقاً ، وقته قليل ودخله وفير ، هناك أرزاق متعبة ، أحياناً عشر ساعات وصياح بالأسواق ، حتى يكسب قوت يومه ، و هناك أرزاق جهدها قليل ، ودخلها كبير ، كأن الله سبحانه وتعالى تعهد لطالب العلم أن يرزقه رزقاً ميسوراً بجهد كبير ، ما دام اقتطع من وقته وقتاً لمعرفة الله ، ولتعريف الناس بالله ، فهذا العمل يقتضي من الله مكافأة ، ييسر له رزقاً حلالاً ، دخل معقول يغطي حاجاته .مرة سألت شخصاً ، قلت له : كيف حالك ؟ قال لي : والله مستورة ـ أي دخله يغطي نفقاته ، لكن زيادة لا يوجد ـ قلت له : معنى ذلك أصابتك دعوة رسول الله ، أصابه قلق ، قال لي : بماذا دعا ؟ ما فعلت شيئاً ، لكن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " اللهم من أحبني فاجعل رزقه كفافاً " [ورد في الأثر] كفافاً : لا تعني أنه فقير ، و لا تعني أنه غني ، يعني دخله يغطي نفقاته .
قال ملك لوزيره : من الملك ؟ قال له : أنت ، قال له : لا لست أنا ، الملك رجل لا نعرفه ولا يعرفنا ، له بيت يؤويه ، وزوجة ترضيه ، ورزق يكفيه ، إنه إن عرفنا جهد في استرضائنا ، وإن عرفناه جهدنا في إحراجه ، الملك الذي لا يعرفنا ولا نعرفه ، له بيت متواضع ، له زوجة تحبه ويحبها ، له دخل يغطي نفقاته .
فلذلك : " من طلب العلم تكفل الله له برزقه " [الديلمى] .