اسم الله الوكيل 1
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
من أسماء الله الحسنى: (الوكيل):
أيها الأخوة الكرام، مع اسم جديد من أسماء الله الحسنى، والاسم اليوم " الوكيل ".
الآية التالية هي الموضع الوحيد في القرآن الكريم الذي ورد فيه اسم الوكيل مطلقاً معرفاً:
أيها الأخوة، ورد هذا الاسم في قوله تعالى: " الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ " [آل عمران:173] هذا هو الموضع الوحيد في القرآن الكريم الذي ورد فيه الاسم مطلقاً معرفاً بالألف واللام.
اقتران اسم الوكيل بمعاني العلو:
لكن ورد في مواضع أخرى مقروناً بمعاني العلو، والعلو كما تقدم في دروس سابقة يزيد الإطلاق كمالاً على كمال، كما ورد في قوله تعالى: " ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ " [الأنعام:102] هنا اقترن الاسم بالعلو، والعلو يزيد المطلق كمالاً .
وعند البخاري من حديث ابن عباس أنه قال: " حسبنا الله ونعم الوكيل " قالها إبراهيم عليه السلام حين ألقي في النار، وقالها محمد عليه الصلاة والسلام حين قالوا: " إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ " [آل عمران:173].
والله أيها الأخوة والناس في هذه الأيام قد جمعوا ليقفوا وقفة واحدة ضد المسلمين، وكأن حرباً عالمية ثالثة معلنة على هذا الدين.
وفي سنن الترمذي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " كيف أنعم وصاحب القرن قد التقم القرن، وحنى جبهته، وأصغى السمع متى يؤمر؟ قال: فسمع بذلك أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فشق عليهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قولوا: حسبنا الله ونعم الوكيل " [الترمذي].
بعثة النبي عليه الصلاة والسلام أحد أشراط الساعة:
أيها الأخوة، يقول عليه الصلاة والسلام: " بعثت والساعة كهاتين " [البخاري] فبعثة النبي عليه الصلاة والسلام أحد أشراط الساعة، وفي الآثار النبوية أحاديث كثيرة عن أشراط الساعة، من هذه الأحاديث: " موت كقعاص الغنم " [لجامع الصغير عن معاذ بسند صحيح].
" لاَ يَدْرِى الْقَاتِلُ فِيمَ قَتَلَ وَلاَ الْمَقْتُولُ فِيمَ قُتِلَ " [مسلم] ألف الناس أن يستمعوا كل يوم إلى مئات القتلى، ومئات الجرحى وكأنه خبر عادي.
" موت كقعاص الغنم " [الجامع الصغير عن معاذ بسند صحيح].
يوم يذوب قلب المؤمن في جوفه مما يرى، ولا يستطيع أن يغير، إن تكلم قتلوه، وإن سكت استباحوه " تمتلئ الأرض ظلماً وعدواناً حتى يأتي أخي عيسى فيملؤها قسطاً وعدلاً " [ابن ماجه عن عبد الله بلفظ قريب منه].
" كيف بكم إذا لمْ تأمروا بالمعروفِ ولم تَنْهَوْا عن المنكر؟ قالوا: يا رسول الله وإنَّ ذلك لكائن؟ قال: نعم، وأشدُ، كيف بكم إذا أمرتُم بالمنكر ونهيُتم عن المعروف؟ قالوا: يا رسول الله وإنَّ ذلك لكائن؟ قال: نعم، وأَشدُّ، كيف بكم إذا رأيتُمُ المعروفَ منكراً والمنكرَ معروفاً " [أخرجه زيادات رزين عن علي بن أبي طالب] نحن في زمن تبدلت القيم، نحن في زمن طمست الفطرة.
من هان أمر الله عليه هان على الله:
شيء آخر: " يوشكُ الأُمَمُ أنْ تَدَاعَى عليكم " [أبو داود] الآن كل حر في دولة.
" يوشكُ الأُمَمُ أنْ تَدَاعَى عليكم كما تَدَاعَى الأَكَلةُ إلى قَصْعَتِها، فقال قائل: من قِلَّة نحن يومئذ؟ قال: بل أنتم يومئذ كثير " [أبو داود] أي مليار وخمسمئة مليون لا وزن لهم، وللطرف الآخر عليهم ألف سبيل وسبيل، ليست كلمتهم هي العليا، أمرهم ليس بيدهم.
" بل أنتم يومئذ كثير، ولكنَّكم غُثاء كَغُثَاءِ السَّيْلِ " قش يطفو على سطح السيل، هل يؤثر باتجاهه؟ هل يؤثر في مساره؟.
" وليقذفنَّ في قُلُوبكم الوَهْنَ، قيل: وما الوْهنُ يا رسول الله؟ قال: حُبُّ الدُّنيا وكراهيَةُ الموتِ " [أبو داود] كان الواحد بمليون، بألف، الآن الألف أو المليون بأف.
مخلصُ الملخص: هان أمر الله على المسلمين فهانوا على الله.
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر علة خيرية هذه الأمة:
أيها الأخوة، حينما قال الله عز وجل: " كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ " [آل عمران:110].
هذه الخيرية لها علة: " تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ " [آل عمران:110] لماذا أهلك الله بني إسرائيل؟ قال: " كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ " [المائدة:79] علة الخيرية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإذا لم نأمر بالمعروف ولم ننهَ عن المنكر فقدنا علة الخيرية، إذاً نحن الآن أمة كأية أمة خلقها الله.
" فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْناً " [الكهف:105] هذه الحقائق مؤلمة، لكنها ضرورية، لأن الحقيقة المرة أفضل ألف مرة من الوهم المريح.
الوكيل في اللغة:
1 ـ الوكيل هو القيم والمشرف: " الوكيل " في اللغة: هو القيم، المشرف، الكفيل، الذي تكفل بأرزاق العباد، حقيقة الوكيل أنه يستقل بأمر الموكل إليه، وكيل كامل.
الآن هناك وكالة عامة، يمكن للوكيل العلم أن يطلق الزوجة، وكالة عامة، توكل بالأمر أي ضمن القيام به، وكلت أمري إلى فلان ألجأته إليه، واعتمدت فيه عليه، وكّل فلان فلاناً أي استكفاه أمره، إما ثقة بكفايته، أو عجزاً عن القيام بأمر نفسه، وكيلك في كذا أي سلمته الأمر، وتركته له، وفوضته إليه، واكتفيت به، فالتوكل قد يأتي بمعنى تولي الإشراف على الشيء ومراقبته، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: " من توكل لي ما بين لحييه وما بين رجليه توكلت له بالجنة " [الحاكم] حديث دقيق يدل على أن معظم معاصي الناس من كلامهم.
" إن الرجل ليتكلم بالكلمة لا يلقي لها بالاً يهوي بها في جهنم سبعين خريفاً " [الترمذي] و: " من توكل لي ما بين رجليه ـ شهوة الجنس ـ وما بين لحييه ـ فكيه ـ توكلت له بالجنة " [البخاري].
من ضبط شهوته ولسانه توكل الله له بالجنة:
من ضبط شهوته: " وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ " [المؤمنون:5] لكن لا يوجد في الإسلام حرمان: " إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ " [المؤمنون:6] إذاً: من ضبط شهوته ومن ضبط لسانه، توكل الله له بالجنة.
الإمام الغزالي عدّد أكثر من عشرين أو ثلاثين معصية يقوم بها اللسان، غيبة، نميمة، بهتان، إفك، سخرية، فمعاصي اللسان لا تعد ولا تحصى.
" لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه، ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه " [أخرجه الإمام].
مرة ثانية: " إن الرجل ليتكلم بالكلمة لا يلقي لها بالاً يهوي بها في جهنم سبعين خريفاً " [الترمذي].
2 ـ الاعتماد على الغير و الركون إليه: التوكل يأتي أيضاً بمعنى الاعتماد على الغير، والركون إليه، كما في قوله تعالى: " وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ " [الطلاق:3].
من توكل على الله فهو أقوى الأقوياء:
لكن أيها الأخوة، لا بدّ من التنويه إلى أن التوكل محله القلب، أما الأعضاء ينبغي أن تسعى.
" إِن الله يَلُومُ على العَجْز " [أبو داود].
بعض المسلمين انتهينا، ما بيدنا شيء، الله يتوكل بهم، هذا اليأس، والسوداوية، والانسحاب من المجتمع، والتشاؤم ليس من صفات المؤمن، الكرة في ملعبنا.
" وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ " [الأنفال:19] والله عز وجل بيده كل شيء.
" وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ " [هود:123] لذلك: " وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ " أنت إذا توكلت على الله أنت أقوى الأقوياء، إذا كان الله معك فمن عليك؟ وإذا كان عليك فمن معك؟.
القصص في القرآن الكريم شواهد مذهلة على عظمة الخالق سبحانه:
هناك شواهد مذهلة في القرآن الكريم، مثلاً: إنسان فجأة وجد نفسه في بطن حوت، الأمل صفر، الحوت وجبته المعتدلة بين الوجبتين أربعة طن، معناها لقمة واحدة، في ظلمة بطن الحوت، وفي ظلمة الليل، وفي ظلمة البحر.
" فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ " فالله عز وجل قلب القصة إلى قانون: " وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ " [الأنبياء:87-88] في أي زمان، في أي مكان، في أي ظرف، طاغية كبير " فرعون " قوي جداً، معه أسلحة فتاكة، حاقد، متغطرس، وراء شرذمة قليلة على رأسهم سيدنا موسى، هو خلفهم، والبحر أمامهم، هل هناك أمل؟ الأمل صفر.
" قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (61) قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ " [الشعراء:61-62] إخواننا الكرام، اليأس يعني كفر بالله.
" وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ " [آل عمران:139] لكن بشرط ألا يهون أمر الله علينا، من هان أمر الله عليه هان على الله.
3 ـ الكفيل: أيها الأخوة، ربما تفسر كلمة " الوكيل " بالكفيل، هذا معنى إضافي، لكن " الوكيل " أعم من الكفيل، فكل وكيل كفيل، لكن ما كل كفيل بوكيل.
وقد ورد عن عمر بن الخطاب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لو أنكم توكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصاً وتروح بطاناً " [الترمذي].
التوكل الحقيقي أن تأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء ثم تتوكل على الله وكأنها ليست بشيء.
التوكل الحقيقي صدقوا أيها الأخوة أن تأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء، أنت مسافر سفراً طويلاً بمركبتك، ما هو التوكل؟ أن تراجع هذه المركبة جزءاً جزءاً، المحرك، الزيت، المكابح، أن تراجع كل شيء، وأن تكون جاهزة في أعلى جاهزية، وبعد ذلك من أعماق أعماق قلبك: يا رب أنت المسلم، وأنت الحافظ، أن تأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء، ثم تتوكل على الله وكأنها ليست بشيء، هذه بطولة، من السهل أن تأخذ بالأسباب وتعتمد عليها وتنسى الله، أو أن تؤله الأسباب كما يفعل الغرب، ومن السهل أيضاً ألا تأخذ بها، تواكل، يا رب لا يوجد غيرك.
المسلمـون الآن لضعـف فهمهم العميـق لحقيقـة الدين ينتظـرون معجـزة من الله تقضي على أعدائهـم، أعداؤهـم يزدادون قـوة، هذه سذاجـة، أفـق ضيـق، الله قـال: " وَأَعِـدُّوا لَهُـمْ مَا اسْتَطَعْتُـمْ مِنْ قُـوَّةٍ وَمِـنْ رِبَـاطِ الْخَيْــلِ " [الأنفال:60] بعد أن تعد لهم ما تستطيع قل: يا رب أنت الناصر، أنت الموفق، أنت الحافظ، أنت المؤيد، ينبغي أن تأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء، ثم تتوكل على الله وكأنها ليست بشيء، هذا درس يحتاجه المسلمون.
سيدنا النبي عليه الصلاة والسلام كان من الممكن كما نقله الله نقلة إعجازية من مكة إلى بيت المقدس على البراق، أن ينتقل إلى المدينة، لكن أعطانا درساً لا ينسى، هيأ من يأتيه بالأخبار، هيأ من يمحو الآثار، هيأ من يأتيه بالزاد، مشى مساحلاً، قبع في غار ثور أياماً ثلاثة، هيأ راحلة، هيأ خبيراً، غلب عليه الخبرة لا الولاء، كان الخبير مشركاً، أخذ بالأسباب كلية، فلما وصلوا إليه توكل على الله، قال: " يا أبا بكر، ما ظنك باثنين الله ثالثهما " [البخاري ومسلم] هذا درس لنا جميعاً.
تاجر تعمل دراسة صحيحة ميدانية، مستوى البضاعة، أسعارها، المنافسون، بعد أن تجري دراسة تامة، وعقدت صفقة، يا رب أنت الجبار، أنت الجبار بعد الدراسة المستفيضة.
طالب، يدرس ليلاً نهاراً، أنت الموفق يا رب، يجب أن تأخذ بالأسباب، لأن الفرق بيننا وبين أعدائنا أنهم يأخذون بالأسباب.
4 ـ الوكيل من توكل بالعالمين خلقاً وتدبيراً وهداية وتقديراً: أيها الأخوة، الآن إذا قلنا الله هو " الوكيل " أي هو الذي توكل بالعالمين خلقاً، وتدبيراً، وهداية، وتقديراً، هو المتوكل بخلقه إيجاداً وإمداداً " ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ ".
من كانت علاقته مع الله كان من أسعد الناس:
إخواننا الكرام، الله عز وجل: " فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ " [هود:107].
" وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ " [الزخرف:84].
" مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً " [الكهف:26].
هذه المعاني مسعدة، علاقتنا مع جهة واحدة.
" من جعل الهموم هماً واحداً هم المعاد كفاه الله سائر همومه " [ابن عساكر].
اعمل لوجه واحد يكفك الهموم كلها، والله أيها الأخوة مشاعر الموحد مشاعر رائعة، علاقته مع جهة واحدة، هذه الجهة تعلم ما يعمل.
حدثني أخ كان بالحج أنه عمل هدياً وأخذ إيصالاً، قال لي: أنا أول مرة الإيصال أتلفه لأن هذا لله عز وجل، الله يعلم هو لا يريد إيصالاً.
علاقتك مع الله لا تحتاج إلى بيان، ولا تحتاج إلى قسم، الله يعلم، حتى إن بعضهم قال: الحمد لله على وجود الله، الله موجود، ويعلم.
إذاً: " ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ ".
الله عز وجل ألزم ذاته العلية أن يهدي الناس إلى الصراط المستقيم:
قال تعالى: " اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ " [الزمر:62].
وقال هود عليه السلام متحدياً: افعلوا ما شئتم " فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ (55) إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آَخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ " [هود:55-56].
عندما تأتي على مع لفظ الجلالة تأتي بمعنى الإلزام الذاتي، أي الله عز وجل ألزم ذاته العلية بأن يكون مع خلقه مستقيماً " إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ".
الله سبحانه وتعالى وكيل المؤمنين لأنهم اعتقدوا في حوله وقوته:
" الوكيل " الكفيل بأرزاق العباد ومصالحهم، وهو سبحانه وتعالى وكيل المؤمنين.
" إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آَمَنُوا " [الحج:38] أحياناً الإنسان يوكل محامياً، كلما كان المحامي أكثر خبرة، أو أقرب صلة مع القضاة، أو أكثر هيمنة في قصر العدل، يرتاح الموكل، يقول لك: المحامي فلان، الراحة تأتي من قوة المحامي، فإذا كان خالق السماوات والأرض وكيلاً لك " إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آَمَنُوا ".
إذاً: هو سبحانه وتعالى وكيل المؤمنين لأنهم اعتقدوا في حوله وقوته، تقول: لا حول ولا قوة إلا بالله، أي لا حول عن معصية الله إلا بالله، ولا قوة على طاعته إلا به.
توكل المؤمنين على الله:
المؤمنون لماذا توكلوا عليه؟ لأنهم خرجوا من حولهم وقوتهم، وآمنوا بكمال قدرته، وأيقنوا أنه لا حول ولا قوة إلا بالله، فركنوا إليه في جميع أمورهم، فالله عز وجل إذا تولاك من يستطيع في الأرض أن ينال منك؟ إذا كان الله معك فمن عليك؟.
وجعلوا اعتمادهم عليه في سائر حياتهم، وفوضوا إليه الأمر قبل سعيهم، واستعانوا به حال كسبهم، وحمدوه بالشكر بعد توفيقهم، وبالرضا بالمقسوم بعد ابتلائهم، قال تعالى: " إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ " [الأنفال:2].
عليك ألا تتوكل توكلاً ساذجاً، هناك توكل ساذج، هناك توكل اسمه تواكل، هناك توكل الكسالى، وهناك توكل الجهلاء، أنا أرفض هذا التوكل، سيدنا عمر سأل جماعة من الناس قال لهم: من أنتم؟ قال: نحن المتوكلون، قال لهم: كذبتم، المتوكل من ألقى حبة في الأرض ثم توكل على الله " وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ".
وقال الله عز وجل في وصف المؤمنين: " الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ".
من استقام على أمر الله استطاع التوكل عليه:
والله أيها الأخوة، أنا أشعر أحياناً أن هذا الاسم، أو هذا التوكل الذي ينبغي أن يكون للمؤمنين ضعيف جداً، دائماً خائف من الآخر، خائف من قوي.
تصور ابناً صغيراً، أو ابناً غير صغير التحق بقطعة عسكرية، من والده؟ قائد الجيش، جاء عريف هدده فبكى، هذا أبوه أقوى من أكبر رتبة بالجيش، فعندما يبكي طفل أو شاب خوفاً من شخص هدده، ووالده بيده كل شيء يكون من أحمق الناس.
" وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ".
الله عز وجل خاطب النبي الكريم فقال: " وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً " [الأحزاب:84].
" رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً " [المزمل:9].
لكن لا بدّ من التنويه، الإنسان إذا كان يعصي الله فمعصيته حجاب بينه وبين الله، العاصي يخجل أن يتوكل على الله، المتوكل هو المستقيم، أنت حينما تستقيم على أمر لله تستطيع أن تتوكل على الله.
أحد العلماء ـ ابن القيم رحمه الله تعالى ـ يقول: توكيل العبد لربه يكون بتفويض نفسه إليه، وعزلها عن التصرف إلا بإذنه، يتولى الشؤون عن أهله، وهذا هو عزل النفس عن الربوبية وقيامها بالعبودية.
من توكل على الله شعر بالأمن والراحة والطمأنينة:
أيها الأخوة، ذاق طعم التوكل من توكل على الله، يصبح عنده أمن، عنده راحة، عنده شعور أن الله لن يتخلى عنه، نحن نفتقد لحياة نفسية عالية، الإنسان قد يكون قوياً وغنياً لكن عنده خوف وقلق مستمر، أما إذا كنت مع الله كان الله معك، لأن الله سبحانه وتعالى يقول: " قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا " [التوبة:51].
والله عز وجل قال: " إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ (30) نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ۖ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ (31) نُزُلًا مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ " [فصلت:30-32].
عدم استواء المحسن مع المسيء لأن هذا يتناقض مع عدل الله ووجوده:
" أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ " [الجاثية:21].
فهل من المعقول أن يستوي عند الله المستقيم والمنحرف؟ الصادق والكاذب؟ المخلص والخائن؟ المحسن والمسيء؟ مستحيل !.
أنا أقول كلمة: إذا استوى المحسن والمسيء هذا الاستواء لا يتناقض مع عدل الله فحسب بل يتناقض مع وجوده، اطمئن أية جهة قوية أرادت أن تبني مجدها على أنقاض الشعوب، أن تبني حريتها على ضغط الشعوب، أن تبني عزها على إذلال الشعوب، والله الذي لا إله إلا هو أن تنجح خططها على المدى البعيد هذا يتناقض مع وجود الله.
" وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ " [آل عمران:139].
والحمد لله رب العالمين
مختارات