اسم الله الشهيد 2
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
من أسماء الله الحسنى : ( الشهيد ) :
أيها الأخوة الكرام ، لا زلنا في اسم " الشهيد " .
أعظم شهادة على الإطلاق شهادة الله عز وجل :
آية خامسة : " أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ " [فصلت:53] أنت تحت المراقبة ، الله عز وجل بالمرصاد .
" إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً " [النساء:1] الله حاضر ، وشاهد ، ويَعلم ، ويُعلم .
الله عز وجل حاضر وشاهد لا يعزب عنه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء :
لذلك قال بعض العلماء : " الشهيد " الذي لا يغيب عنه شيء .
و " الشهيد " الذي لا يعزب عنه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء .
و " الشهيد " مطّلع على كل شيء ، مشاهد له ، عليم بتفاصيله .
أيها الأخوة ، قال بعض العلماء : إذا كان العلم مطلقاً فالله عليم ، أما إذا أُضيف علم الله إلى الأمور الباطنة ، المستترة ، الخفية ، فالله خبير ، أما إذا أضيف إلى الأمور الظاهرة فهو شهيد ، عليم ، خبير ، شهيد .
الله عز وجل حاضر وشاهد ، ويشهد يوم القيامة ، الله شهيد يشهد لعباده يوم القيامة ، يُشهدهم أعمالهم ، فقد قال تعالى : " اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً " [الإسراء:14] يشهدهم أعمالهم .
تسمية النبي عليه الصلاة والسلام في القرآن الكريم شاهداً وشهيداً :
تقديم المال في القرآن على النفس لأن تقديم المال أهون على النفس من تقديم الروح :
الآن المؤمن الذي يقدم أثمن شيء يملكه ، حياته ، هذا المؤمن يسمى شهيداً ، الله عز وجل قدم المال على الأنفس ، هذا الذي يجاهد بماله ونفسه ، يعني يقدم ماله ، ويقدم نفسه ، وقد قدم الله المال على النفس لأن تقديم المال أفضل .
" جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ " [التوبة:88] في مواطن كثيرة جداً قدم الله تقديم المال على تقديم النفس ، لأن تقديم المال أهون على النفس من أن تقدم ذاتك ، إلا في آية واحدة قدم الله النفس على المال .
" إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ " [التوبة:111] هنا قدم الأهم ، في آيات كثيرة قدم الأسهل .
أفضل إيمان المرء أن يعلم أن الله معه حيث كان :
أيها الأخوة، ورد في بعض الآثار :
سيدنا الصديق في الغار ، قال يا رسول الله : " لو أن أحدهم نظر إِلى قَدَمْيه أبْصَرَنَا تحت قدميه . فقال : يا أبا بكر ، ما ظنك باثنين الله ثالثهما " [البخاري ومسلم] الله شهيد ، والحمد لله أن الله شهيد ، والحمد لله على وجود الله .
إخواننا الكرام ، أفضل إيمان المرء أن يعلم أن الله معه حيث كان ، الله عز وجل شهيد ، يعني حاضر ، يَعلم ويُعلم ، لا تخفى عليه خافية ، ولا تخفى عليه حركة ولا سكنة .
نصر الله للضعيف الفقير شهادة من الله لخلقه أن الأمر بيده :
الآن لو دخلنا في بعض التفاصيل ، كيف يشهد الله لخلقه أنه لا إله إلا هو ؟ قال بعضهم : عرفت الله من نقض العزائم ، إنسان يملك خبرات واسعة ، علمه عميق ، خبراته واسعة ، بأسه شديد ، يُحكم الأمر ، يسد كل الثغرات ، ثم يؤتى من مأمنه ، فلا يتحقق هدفه عرفت الله من نقض العزائم .
" إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا (15) وَأَكِيدُ كَيْدًا (16) فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا " [الطارق:15-17] الله شهيد ، إنسان عنده خمسة أولاد ، أكبر أولاده استولى على كل ثروة والده ، وجعل أخوته الصغار تحت جناحه ، حرمهم كل شيء ، كيف يشهد الله أن هذا الأخ الأكبر كان ظالماً وأن أخوته الصغار مظلومون ؟ وفق الله الصغار ، ودمر الكبير ، حتى اضطر الكبير أن يعمل عندهم موظفاً ، شهد الله له أنه ظالم ، وشهد لإخوته أنهم مظلومون ، هذا يحصل كثيراً في شؤون الزواج والشراكة ، الزوج المظلوم يوفق بزواج ناجح بعد انفصال الزواج الأول ، والشريك المظلوم يوفق بعمله بعد انفصام الشركة .
أيها الأخوة ، نصر الله للضعيف الفقير شهادة من الله لخلقه أن الأمر بيده ، افعل ما تشاء ، تكلم ما شئت ، اعمل ما شئت ، لكن الأمر بيد الله ، أوضح مثل : أنت حينما تقرض قرضاً ربوياً ، قدمت مئة ألف والفائدة عشرة بالمئة والمبلغ رد لك مئة وعشرة آلاف ، أما إذا أقرضت قرضاً شرعياً بلا فائدة ، قدمت المئة ألف ، وعادت لك بعد سنتين مئة ألف وقد ضعفت قيمتها الشرائية ، أنت بالآلة الحاسبة القرض الحسن فيه خسارة ، والآلة الحاسبة القرض الربوي فيه ربح ، أما بالقرآن : " يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ " [البقرة:276] الله شهيد أن هذا القرآن كلامه " يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ " .
الحكمة من ضعف الأنبياء في بداية دعوتهم أن يكون الإيمان بهم إيماناً حقيقياً :
تصور أن نبي هذه الأمة عليه الصلاة والسلام ، رسول هذه الأمة ، سيد البشر ، سيد الخلق ، حبيب الحق ، كان في أول الدعوة ضعيفاً ، كان يمر على عمار بن ياسر وهو يُعذّب ، لا يستطيع أن يخلصه ، ضعيف ، ما الحكمة من أن الأنبياء في بداية الدعوة كانوا ضعافاً ؟ ليثمن الذي آمن به ، لا يملك الدنيا .
إذاً ضعف الأنبياء في بداية دعوتهم لحكمة بالغةٍ بالغة ، ليكون الإيمان بهم إيماناً حقيقياً ، لأنهم لا يملكون ضراً ولا نفعاً .
لذلك عمار بن ياسر كان يُعذّب ، وتُعذّب أمه ، وما كان النبي لا يملك إلا أن يقول : " صبراً آل ياسر فإن مصيركم إلى الجنة " .
الأمور بخواتيمها :
الله لا إله إلا هو وشهيد ، انظر في بداية الدعوة ، وكيف انتهت الدعوة ، لذلك الأمور بخواتيمها .
تقوية الضعيف المؤمن وتدمير القوي الكافر شهادة من الله لخلقه أن الأمر بيده :
قد يكون الإنسان قوياً ، وقد يكون ذكياً ، وقد تكون خيوط كل شيء بيده ، ومع ذلك يدمره الله ، وقد يكون الآخر ضعيفاً لا حيلة له ، ومع ذلك يقويه الله عز وجل ، فتقوية الضعيف المؤمن ، وتدمير القوي الكافر ، شهادة من الله عز وجل لخلقه أن الأمر بيده ، الله عز وجل لا كما يتوهم بعض المتوهمين أنه يشهد لعباده أنهم يسمعون كلامه ، الأمر بيده فحينما يدمر الظالم القوي ، ويقوي المؤمن الضعيف ، حينما يوفق المظلوم ، هذه شهادة الله لعباده أن الأمر بيده .
العوام لهم كلمات رائعة أحياناً ، يقول لك أحدهم : ما في إلا الله ، والله كبير ، ما في إلا الله والله بيده ، والله كبير .
هذه البلاد الشرقية التي رفعت شعار لا إله ، وتملك من القنابل النووية ما تستطيع تدمير الأرض ، كيف تداعت من الداخل بلا حرب وبلا قتال ؟ كيف أصبحت دولة أقل من الدول الأخرى ؟ سبعون عاماً من القوة ، والغطرسة ، وتلاشت .
الله يشهد لعباده الأمر بيده ، سيدنا عمر رضي الله عنه جاءه رسول من معركة نهاوند ، فقال حدثني ما الذي حصل ؟ قال له : مات خلق كثير ، اذكر بعضهم ، ذكر بعضهم ، من أيضاً ؟ قال : إنك لا تعرفهم ، فبكى ، و بكى ثم قال : وما ضرهم أني لا أعرفهم ، إذا كان الله يعرفهم ، الله شهيد ، لا تقلق ، إذا كنت على حق لا تقلق .
علامات المخلص لله :
المؤمن واضح الذي في قلبه على لسانه ، لا يوجد مسافة أبداً ، ولا يوجد موقف مزدوج ، موقف معلن ، موقف حقيقي .
لذلك المخلص عنده توحد ، ليس هناك مسافة بين أقواله وبين أفعاله ، ولا بين ظاهره وبين باطنه ، ولا بين خلوته وجلوته ، هذه حالة من حالات المخلص ، الله يشهد له بذلك .
2 ـ عمله لا يزداد مع المدح ولا ينقص مع الذم : المخلص له صفة ثانية ، عمله لا يزداد مع المدح ، ولا ينقص مع الذم ، هو هو ، إن مدحته يبتغي وجه الله ، إن ذممته يبتغي وجه الله .
" قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ " [الأنعام:162] هذا هو .
3 ـ المخلص يعود عليه من الله السكينة والراحة : لكن الشيء الدقيق جداً أن المخلص يعود عليه من الله السكينة ، يسميه الناس الثواب ، رفعت عملاً إلى الله تبتغي فيه وجه الله عاد من الله عليك راحة نفسية ، سمها سكينة ، سمها راحة ، سمها انشراحاً ، لأن الله عز وجل حبب إلينا الإيمان ، وزينه في قلوبنا ، وكره إلينا الكفر و الفسوق والعصيان .
الله عز وجل يشهد للمخلص إخلاصه حينما يوفقه ويسعده في حياته وعمله :
أيها الأخوة ، الله عز وجل يشهد للمخلص إخلاصه ، حينما يوفقه ، وحينما يسعده ، وحينما يأخذ في يده ، فالمؤمن حيال هذا الاسم العظيم الله شهيد ، ينبغي أن يكون دقيقاً في فهمه ، كما أن الله سبحانه وتعالى لا تغيب عنه شاردة ، ولا واردة ، إذا كنت أنت مدير مؤسسة ، مدير مستشفى ، مدير جامعة ، مدير مدرسة ، صاحب شركة ، ينبغي أن تكون دقيقاً في جمع الحقائق ، ينبغي أن تعلم كل شيء ، ينبغي أن تدير هذا العمل إدارة ذكية ، ينبغي أن تعرف من حولك ، هذا من تطبيقات اسم " الشهيد " لأن الله يعلم ، ويُعلم ، وينبغي أن تحاسب ، الله عز وجل حاضر ، ويَعلم ، ويُعلم .
فكلما غاب المرء عن عمله وجرى في غيبته مالا يحمد عقباه ، لا يكون مشتقاً هذا الكمال من الله عز وجل ، أنت كإنسان تعمل بإدارة مدرسة ، إدارة جامعة ، إدارة مؤسسة ، ينبغي أن تجمع الحقائق اليقينية ، وأن تبني على هذه الحقائق القرار .
هذا من تطبيقات اسم " الشهيد " ونحن دائماً وأبداً نقول : ينبغي أن تتقرب إلى الله بكمال مشتق منه .
إنسان أب لا يدري ما يجري في البيت ، البنت غابت لا يعلم أين هي ، عند إحدى صديقاتها ، هكذا قالت ، لا يعرف أين ابنه ، لا يعرف ماذا يجري في غيبته ، هذا ليس بأب ، الله عز وجل شهيد ، لا تغيب عنه شاردة ، ولا واردة ، والمؤمن إذا أدار عملاً ينبغي أن يستقصي الحقائق ، والمعلومات الدقيقة ، وأن يبني على هذه المعلومات القرار ، أما أن يتخذ قراراً بلا دراسة ، بلا معلومات ، هذا ليس من شأن المرء المؤمن .
العاقل من أعلم من حوله بأخطائهم إن كان يقودهم لما فيه صلاحهم :
شيء آخر : الله عز وجل يُشهد الإنسان عمله ، وأنت كمؤمن لما يكون حولك إنسان بيّن له خطأه بصورة انفرادية ، أنت ينبغي أن تُعلم من حولك بأخطائهم إن كنت تقودهم لما هو في صلاحهم ، أما إنسان غافل عما يجري ، لا يعلم ما يجري ، هذا ليس مؤهلاً ليقود هذه المركبة إلى جانب الأمان .
أيها الأخوة ، الآن علامة المخلص ، أنه لا يبحث أبداً عن تقدير الناس ، ولكن لسان حاله يقول : إلهي أنت مقصودي ، ورضاك مطلوبي ، ومن عرف نفسه ما ضرته مقالة الناس به .
على الإنسان أن يتقرب من الله عز وجل بكمال مشتق من كماله :
إخواننا الكرام ، لا أكتمكم أحد أكبر أسباب الانضباط أن تشعر أن الله معك ، يشهد عملك ، يشهد حركاتك ، وسكناتك ، يسمع أقوالك ، يرى حركتك ، عليم بك .
لذلك الإيمان ضابط ، الإيمان يردع .
أيها الأخوة ، تعلمنا أنه لابدّ من أن تشتق كمالاً من كمالات الله تتقرب به إليه ، وهذا معنى قوله تعالى : " وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا " [الأعراف:180] أي تقرب إليه بكمال مشتق من كماله ، أو إنك إن تعرفت إلى أسمائه الحسنى أقبلت عليه،لأن الله عز وجل يقول:" وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا " كمال الله كمال مطلق .