اسم الله الشهيد 1
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
من أسماء الله الحسنى : ( الشهيد ) :
أيها الأخوة الكرام ، مع اسم جديد من أسماء الله الحسنى ، والاسم اليوم " الشهيد " .
ورود اسم الشهيد في القرآن الكريم :
هذا الاسم ورد في كثير من النصوص القرآنية كما في قوله تعالى : " قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ " [سبأ:47] .
وفي قوله تعالى : " أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ " [فصلت:53] .وقد ورد مقيداً في آيات كثيرة كما في قوله تعالى : " لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلَائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً " [النساء:166] .
ورود اسم الشهيد في السنة النبوية الشريفة :
أيضا أيها الأخوة ورد هذا الاسم بالسنة الصحيحة ، في صحيح البخاري ومسلم من حديث ابن عباس رضي الله عنه مرفوعاً يقول عليه الصلاة والسلام في حديث طويل : " ألا وإنه سَيُجاءُ برجال من أُمتي ـ دققوا الحقيقة المرة أفضل ألف مرة من الوهم المريح ـ فيؤخذ بهم ذات الشمال ، فأقول : يا ربِّ أصحابي ، فيقول : إنَّك لا تدري ما أحدثوا بعدَك ، فأقول كما قال العبد الصالح : وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ * إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ . قال : فيقال لي : إنَّهم لم يزالوا مرْتَدِّينَ على أعقابِهِمْ منذ فارقتَهم " [البخاري ومسلم] .
يعني وضع العالم الإسلامي في آخر الزمان لا يرضي النبي عليه الصلاة والسلام يقول : " أَصْحَابِي ، أَصْحَابِي ، فَقِيلَ : إِنَّكَ لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ ، قَالَ : فَأَقُولُ : بُعْدًا ، بُعْدًا ، أَوْ قَالَ : سُحْقًا ، سُحْقًا لِمَنْ بَدَّلَ بَعْدِي " [رواه أحمد] .ثمن النصر والاستخلاف والتمكين عبادة الله عز وجل :
أيها الأخوة ، قال الله عز وجل : " وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً " [النور:55] هذه وعود خالق السماوات والأرض ، وزوال الكون أهون على الله من ألا يحقق وعوده للمؤمنين ، نحن في الحقيقة المرة لسنا مستخلفين ، ولسنا ممكنين ، ولسنا آمنين الآية : " وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ " كقانون " كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً " الشرط : " يَعْبُدُونَنِي " [النور:55] .
عظمة هذا الدين أنه دين اجتماعي شمولي أممي وفردي :
أيها الأخوة ، هناك بعض الأحاديث الشريفة تملأ قلب المؤمن ثقة ، وراحة ، وتفاؤلاً ، وأمناً .
" النبي عليه الصلاة والسلام أردف وراءه سيدنا معاذ بن جبل ، قال له يا معاذ ـ على أسلوب الحوار ـ : ما حق الله على عبادة ؟ فقال : الله ورسوله أعلى ـ سأله ثانية وثالثة ثم أجابه ـ قال : يا معاذ حق الله على عباده أن يعبدوه ، ولا يشركوا به شيئاً ، ثم سأله ، يا معاذ ما حق العباد على الله إذا هم عبدوه ؟ ـ الله جل جلاله بكرمه ، ورحمته أنشأ لك حقاً عليه ـ يا معاذ ما حق العباد على الله إذا هم عبدوه ؟ قال : الله ورسوله أعلم ـ سأله ثانية وثالثة على أسلوب الحوار ، تشويقـاً له ثم أجابـه ـ قــال : يا معـاذ حق العبــاد علـى الله إذا هـم عبــدوه ألا يعذبهــم " [متفق عليه] .
عظمة هذا الدين ، دين اجتماعي ، شمولي ، أممي ، ودين فردي ، لو أن الناس تفلتوا من منهج الله عز وجل ، وعود الله للمؤمن قائمة وحدها ، حق العباد على الله إذا هم عبدوه ألا يعذبهم .الإنسان في مأمن من عذاب الله عز وجل إن طبق سنة النبي الكريم في حياته :
تأتي الآية الكريمة : " وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ " [الأنفال:33] ما دامت سنتك مطبقة في حياتهم ، في بيوتهم ، في أعمالهم ، في مناسباتهم الاجتماعية ، في أخذهم للمال ، في إنفاقهم للمال ، في حلهم ، في ترحالهم ، في أفراحهم ، في أتراحهم " وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ " أي أن سنتك قائمة فيهم .
فلذلك:" يا عباس عم رسول الله ، يا فاطمة بنت محمد، أنقذا نفسيكما من النار ، أنا لا أغني عنكما من الله شيئاً " [مسلم] ." من يبطئ به عمله لم يسرع به نسبه " [رواه أحمد] .
" لا يأتيني الناس بأعمالهم وتأتوني بأنسابكم " [رواه أحمد] .
فلذلك يقول أمتي ، أمتي : " فيقول : إنَّك لا تدري ما أحدثوا بعدَك " [رواه أحمد] .فلذلك الآية الواضحة : " أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ " [الزمر:19] .
العذاب الأليم لمن تمكّن من انتزاع فتوى من فم رسول الله ولم يكن محقاً :
شيء آخر : بعض المسلمين يتوهمون أنه إذا انتزع من فم إمام مسجد فتوى نجا من عذاب الله ، يقول لك : أنا معي فتوى ، وغاب عنه أن الإنسان لو استطاع بذكاء ، وطلاقة لسان ، وقوة حجة أن ينتزع من فم سيد الخلق ، وحبيب الحق ، من المعصوم ، من الذي يوحى إليه فتوى لصالحه ، ولم يكن محقاً ، لا ينجو من عذاب الله ، الدليل : " ولَعَلَّ بعضكم أن يكونَ أَلْحَنَ بحُجَّتِهِ مِن بعض ، فأقضي نحو ما أسمع ، فمن قضيتُ له بحَقِّ أخيه ، فإنما أَقْطَعُ له قطعة من النَّار " [البخاري ومسلم] لا ينجيك أن تتوهم أن الفتوى معك ، هناك الفتوى ، وهناك التقوى .
مرة ثانية : إن تمكنت أن تنتزع من فم النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو المعصوم ، وهو الذي يوحى إليه فتوى لصالحك ، ولم تكن محقاً لا تنجو من عذاب الله .ومرة ثانية وثالثة أؤكد لكم أن الحقيقة المرة أفضل ألف مرة من الوهم المريح .
الشهيد في اللغة :
في اللغة " الشهيد " كما تعلمون صيغة مبالغة ، من اسم الفاعل الشاهد ، شاهد شهيد ، على وزن فعيل ، والفعل شهد ، يشهد ، شهوداً ، وشهادة ، والشهود هم الحضور مع الرؤية والمشاهدة ، الحضور الذين رأوا بأعينهم الذي وقع .
أنت تركب مركبة ، وصار في حادث ، وأنت رأيت رأي العين أن السائق لم يخطئ ، لكل الطفل هو الذي ألقى بنفسه أمامه ، أما أن تشهد أمام أولي الأمر بما وقع هذا واجب يرقى إلى مستوى الفرض .
" وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا " [البقرة:282] .
عدل ساعة خير من أن تعبد الله ثمانين عاماً ، فلما الإنسان يتهرب من أن يدلي بشهادته بوضع صعب ، في حادث سير ، في مشكلة ، فهو آثم عند الله عز وجل .فالشهود هم الحضور ، مع الرؤية والمشاهدة ، وهذا الحديث فيه بشارة لنا ، و فيه يقول عليه الصلاة والسلام بعد أن قال أُبيّ بن كعب : " صلَّى بنا النبيُّ صلى الله عليه وسلم يوماً الصبحَ ، فلما سلَّم قال : أشاهد فلان ؟ قالوا : لا ، قال : أشاهد فلان ؟ قالوا : لا ، قال : إنَّ هاتين الصلاتين أثقلُ الصلوات على المنافقين ، ولو تعلمون ما فيهما لأتَيْتُموهما ولو حَبْوا على الرُّكَبِ " [أبو داود] .
وفي حديث آخر : " ولو يعلمون ما في العَتَمة والصبح لأتوهما ولو حَبْوا " [البخاري ومسلم] .
بل إن النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " من صلى الفجر في جماعة فهو في ذمة الله حتى يمسي ، ومن صلى العشاء في جماعة فهو في ذمة الله حتى يصبح " [ورد في الأثر] أي في حفظ الله،في رعاية الله،في تأييد الله .
من معاني الشهادة :
1 ـ الإخبار بما شاهده المرء : الشهادة هي الإخبار بما شاهده المرء ، شهد فلان على فلان بحق فهو شاهد وشهيد ، والشاهد يلزمه أن يبين ما علمه على الحقيقة ، واجب يرقى إلى مستوى الفرض .
و : " ألا أُنبِّئكم بأكبر الكبائر - ثلاثاً - قلنا : بلى يا رسولَ الله ، قال : الإشراكُ بالله ، وعقوقُ الوالدين ، وكان متكئا فجلس فقال : وشهادة الزور ثلاثا أو قول الزور " [البخاري] وهناك أناس كثيرون يكذبون كلما تنفسوا ، كل كلامه كذب .
أيها الأخوة ، دققوا في هذا القول الخطير كما قال النبي الكريم : " يطبع المؤمن على الخلال كلها " [رواه أحمد] الخلال ؛ أي الطباع ، الآن في علم الطباع ، إنسان يحب الوحدة ، إنسان اجتماعي ، إنسان يحب السفر ، إنسان انطوائي،إنسان ينفق أكثر من دخله، إنسان يدقق في إنفاقه،لكن بالمناسبة: " برئ من الشح : من أدى زكاة " [الطبراني] برئ من الكبر من حمل حاجته بيده ، برئ من النفاق من أكثر من ذكر الله .فالإنسان أحياناً يقصر ، أو يتكلم بكلام غير صحيح ، هذا قول الزور ، وأن تشهد ولم ترَ .
مرة إنسان في دعوى احتاج إلى شاهد ، في عصور التخلف الديني ، هناك من يشهد له بالأجرة ، مع أنه لم يكن حاضراً ، فاتفق مع إنسان أن يدلي له بشهادة مقابل مبلغ من المال يقدر بخمسة آلاف ، فلما دخل أمام القاضي قال له : ضع يدك على المصحف ، قال له : لحظة ، عاد إلى الذي كلفه قال له : هناك يمين أريد عشرة آلاف ، مشكلة كبيرة جداً .
أقول لكم أيها الأخوة : أي إنسان يدلي بشهادة زور بأي رقم انتهى عند الله .
من غيّر قناعته بمبلغ مهما كان كبيراً سقط من عين الله :
بالمناسبة : أي إنسان يغير قناعته بمبلغ مهما كان كبيراً سقط من عين الله .
" وكان متكئا فجلس فقال وشهادة الزور ثلاثا أو قول الزور " [البخاري] .
إذاً : " يطبع المؤمن على الخلال كلها " [رواه أحمد] .هناك إنسان منفتح ، إنسان منغلق ، إنسان اجتماعي ، إنسان فردي ، إنسان يحب السفر ، إنسان يحب الإقامة ، إنسان عصبي المزاج ، هذه كلها طباع على العين والرأس ، إنسان يعتني بثيابه كثيراً ، إنسان أقل عناية ، إنسان ينفق كثيراً ، إنسان أقل إنفاقاً ، إنسان يعتني ببيته كثيراً ، كلها طباع .
" يطبع المؤمن على الخلال كلها إلا الخيانة والكذب " [رواه أحمد] .
فإذا كذب أو خان فليس مؤمناً ، هذا يذكرني بآية كريمة : " وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنْ الْخُلَطَاء " [ص:24] الخلطاء الأزواج ، الشركاء ، الأقرباء ، الأخوة ، الورثة : " وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنْ الْخُلَطَاء لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ " [ص:24] استنبط الإمام الشافعي أن الذي يبغي على خليطه ليس مؤمناً ، يعني الشريك الذي يريد أن يأخذ الشركة وحده ، ولا يسمح لشريكه الذي دخل معه بوضوح تام هذا ليس مؤمناً ، أي إنسان أراد أن يغتصب حقّ أخيه بنص هذه الآية ليس مؤمناً .2 ـ الحُكم : أيها الأخوة ، الشهادة لها معنى آخر ، المعنى الآخر : هو الحُكم ، فقد جاء النبي عليه الصلاة والسلام إلى بيت أبي السائب وهو مسجى على السرير ، فسمع امرأة من وراء الستر تقول : " رحمة الله عليك أبا السائب ، فشهادتي عليك لقد أكرمك الله ـ فالنبي عليه الصلاة والسلام كلامه سنة ، تشريع ، فعله تشريع ، وإقراره تشريع ، لو بقي ساكتاً لكان كلام أم العلاء صحيحاً ـ رحمة الله عليك أبا السائب ، فشهادتي عليك : لقد أكرمك الله . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : وما يدريك أن الله أكرمَهُ ؟ فقلت : بأبي أنت يا رسول الله ، فمن يكرمه الله ؟ فقال : أمّا هو فقد جاءه اليقين " [البخاري] .
" وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ " [الحجر:99] الموت .
" والله إِني لأرجو له الخير . والله ما أدري وأنا رسول الله ما يُفعَلُ بي ؟ قالت : فوالله لا أُزَكِّي أحداً بعده أبداً يا رسول الله " [البخاري] أي أخطأت ، إذا سُئلت عن إنسان ، أظنه صالحاً فيما أعلم ، ولا أزكي على الله أحداً ، وفي رواية قالت : " فأحْزَنني ذلك ، فَنِمْتُ ، فرأيتُ لعثمان عينا تجري ، فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت له ذلك ، فقال : ذلك عمله " [البخاري] .
تقييم الأشخاص من شأن الله وحده : الذي يحكم على الآخرين حكماً قطعياً على مستقبلهم في الجنة أو في النار وقع في معصية كبيرة ، سماها العلماء التألي على الله ، اعلم علم اليقين أن تقييم الأشخاص من شأن الله وحده ، وليكن قدوتك سيدنا عيسى عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام : " إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ " [المائدة:118] هذا ليس من شأني ، وطن نفسك ألا تقيّم أحداً ، قل تقييم الأشخاص من شأن الله وحده ، هذا من حيث اللغة .
من معاني الشهيد :
1 ـ الله جلّ جلاله رقيب على خلقه أين ما كانوا :
أما أن الله جلّ جلاله هو " الشهيد " فهو الرقيب على خلقه أين ما كانوا ، حاضر ، شهيد ، أقرب إليّهم من حبل الوريد ، يسمع ويرى وهو بالمنظر الأعلى ، وعلى العرش استوى فالقلوب تعرفه ، والعقول لا تكيفه ، يعني استوى على العرش ، الاستواء معلوم والكيف مجهول .
وهو سبحانه فوق عرشه على الحقيقة ، وبالكيفية التي تليق به ، وشاهدته على خلقه شهادة إحاطة شاملة كاملة : " عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ " لذلك قال بعضهم : الحمد لله على وجود الله ، شهادته على خلقه شهادة إحاطة كاملة ، تشمل العلم ، والرؤية ، والتدبير ، والقدرة ، إن تحركت فهو يعلم ، فهو يراك ، وإن تكلمت فهو يسمعك ، وإن أضمرت شيئاً فهو يعلمه ، إن تحركت فهو يراك ، وإن نطقت فهو يسمعك ، وإن أضمرت شيئاً فهو يعلمه .
2 ـ الله عز وجل شهد لنفسه بالوحدانية والقيام بالقسط :
هناك معنى آخر للشهيد " الشهيد " جلّ جلاله هو الذي شهد لنفسه بالوحدانية والقيــام بالقسـط ، كمــا قــال الله عــز وجــل : " شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ " [آل عمران:18] هذا المعنى دقيق جداً ، الإنسان حينما يعتمد على جهة غير الله عز وجل .
" ما من مخلوق يعتصم بمخلوق دوني إلا قطعت أبواب السماء والأرض دونه فإن دعاني لم أجبه ، وإن سألني لم أعطه ، وما من مخلوق يعتصم بي دون خلقي إلا ضمنت السموات رزقه ، فإن سألني أعطيته ، وإن دعاني أجبته ، وإن استغفرني غفرت له " [كنز العمال عن علي] .
لذلك الله يشهد لنفسه أنه الواحد الأحد ، فإذا اعتمدت على سواه أمره أن يتخلى عنك تأديباً لك ، يقول الله عز وجل : " قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ " [الأنعام:19] .تأديب الله عز وجل من اعتمد على سواه :
الآن أي مؤمن يعتمد على ما سوى الله ، الله عز وجل يؤدبه ، حتى صحابة رسول الله ، وهم صفوة البشر ، وفيهم سيد البشر ، حينما اعتمدوا في حنين على عددهم وقالوا : " ولن يُغْلَبَ اثنا عَشَرَ ألفا مِنْ قِلَّةٍ " [أبو داود] لم ينتصروا وقال الله عز وجل : " وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ " [التوبة:25] .
الله عز وجل يشهد لكل مخلوق أن هذا القرآن كلامه من خلال :
1 ـ إذاقته للحياة الطيبة إذا استقام على أمره : أيها الأخوة، قضية أن الله يشهد أنه واحد أحد فرد صمد دقيقة ، يعني مثلاً إذا آمن الإنسان كما ينبغي ، وعمل صالحاً بصدق وإخلاص ، أذاقه الله طعم الحياة الطيبة من طمأنينة ، واستقرار ، وتيسير ، وتوفيق ، وسعادة، عندئذٍ يشعر من خلال الحياة الطيبة التي يحياها والتي ذاقها مصداق لوعد الله أن الله جلّ جلاله شهد له بأن هذا القرآن كلامه ، وأن هذه الحياة الطيبة من فعله ، قدرها له تحقيقاً لوعده .
وحينما أنظر إلى الشهادة ، يطابق فعل الله مع ما في القرآن ، يقوم الدليل القطعي على أن القرآن كلام الله ، كيف يشهد الله جلّ جلاله للمؤمن أن هذا القرآن كلامه ؟ يؤمن كما ينبغي ، يستقيم كما ينبغي ، يفعل الأعمال الصالحة كما ينبغي ، يذيقه الله الحياة الطيبة والحياة الطيبة من فعل الله .
إذاً إذاقته للحياة الطيبة شهادة من الله لهذا المؤمن أن التطابق بين ما في القرآن وما في حياته الطيبة دليل أن القرآن كلام الله .
2 ـ تحقق الوعد والوعيد : مثل آخر : " وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً " [طه:124] .
الآن " وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي " عن ذكر الله ، والقرآن هو ذكر الله ، هجره ، وجعله وراءه ظهريا ، استحل محارمه ، ولم يعبأ لا بأمره ولا بنهيه ، ولا بوعده ولا بوعيده ، أذاقه الله مذاق المعيشة الضنك ، من خوف ، وقلق ، وضيق ، وشدة ، وتعسير ، وإحباط ، وشقاء ، وضياع ، عندئذٍ يشعر من خلال هذه المعيشة الضنك التي ذاقها مصداقاً لوعيد الله أن الله شهد له بأن هذا القرآن كلامه ، الله عز وجل يشهد لكل مخلوق ، في كل وقت ، وفي كل مكان ، أن هذا القرآن كلامه ، من خلال تحقق الوعد والوعيد ، حينما تستقيم على أمر الله تذوق الحياة الطيبة .إذاً كلام الله حق ، وحينما يعرض الإنسان عن كلام الله يذوق الضنك ، إذاًً كلام الله حق ، الله عز وجل يشهد في كل وقت ، وفي كل مكان ، أن هذا القرآن كلامه ، بل إن إعجاز القرآن العلمي شهادة من الله لخلقه ، أن الذي خلق الأكوان هو الذي أنزل هذا القرآن ، وللموضوع تتمة إن شاء الله .