النسمة الثالثة: عندما يفرح الرب (7)
المعين في إغاثة التائبين
1. قصر الأمل: اعمل لآخرتك كأنك تموت غدًا، هكذا أوصاك رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أخي.. يا من أخر توبته واستحلى نومته.. كيف بك يا هذا إذا نزل بك الموت وأنت غير تائب؟! أعقدت مع ملك الموت عقدًا يضمن عدم مجيئه فجأة؟! أطلعت على الغيب فعلمت موعد موتك أم اتخذت عند الرحمن عهدًا أن لا يقبض روحك حتى تتوب؟!
أخي.. حذار التسويف، فإنها بضاعة المفلسين ورأس مال المبطلين الذين قال الله سبحانه وتعالى فيهم: {الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ} [محمد: 25]. قال الحسن في تفسيرها: زين لهم الخطايا ومد لهم في الأمل.
وقال الله سبحانه وتعالى فيهم: {بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ} [القيامة: 5]. قال ابن عباس في تفسيرها: يقدم الذنب ويؤخر التوبة.
وقال الله سبحانه وتعالى فيهم: {وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ} [سبأ:533]. قال عكرمة في تفسيرها: إذا قيل لهم تويوا قالوا: سوف.
والمسوف مثله كمثل رجل أراد اقتلاع شجرة، وفى الموعد المحدد قال: أؤخرها يومًا، ثم جاء اليوم التالي فقال: أؤخرها يوما آخر، ولا يدري المسكين أنه كلما تأخر كلما ازداد رسوخ الشجرة وصعب اقتلاعها.
زينت بيتك يا هذا وملأته *** ولعل غيرك صاحب البيت
والمرء مرتهن بسوف وليتني *** وهلاكه في السوف والليت
2. مجالسة التوابين: وهي وصية الفاروق رضي الله عنه حين قال وأمرنا: " جالسوا التوابين فإنهم أرق أفئدة ".
يا سادة.. يا كرام.. الفقراء يلتمسون موائد الأغنياء طمعا في صدقة أو بر أو زكاة أو إحسان، فإن فاتهم كل هذا لم يعدموا وجبة العشاء.
أفلا يلتمس من افتقروا إلى الحسنات موائد أغنياء الطاعات وأرباب القربات وعشاق السجدات؛ رجاء حضور قلب أو إجابة دعوة أو نزول رحمة أو محاسبة ملك.
إخواني.. تعرضوا للصالحين حتى يملوكم، ولازموهم حتى تضجروهم، فليتخلص أحدهم منكم بدعوة، فتكون الإجابة والهناء، كما حدث مع علي بن عبد الرحيم الغضائري الذي قال: دققت على السري بن مغلس بابه وكان يذكر الله فسمعته يقول: اللهم من شغلني عنك فاشغله بك عني، فكان من بركة دعائه أني حججت من حلب ماشيا على قدمي أربعين عاما!!
لطيفة: قال ابن عطاء الله السكندري: ربما كنت مسيئًا فأراك الإحسان منك صحبتك من هو أسوأ حالا منك.
3. مشاهدة النعم ورؤية التقصير: ما أكثر نعم الله على عباده وما أجلها!! وما أشد تقصيرنا في شكرها!! ومع ذلك لم يحرمنا، وما أكثر ما عصينا المنعم ومع هذا لم يمنعنا!! وما أكثر المرات التي استوجبنا فيها غضبه ولكنه لم يطردنا!! والتفكر في هذا المعنى أكبر معين على الحياة من الرب سبحانه وتعالى ومن ثم.. التوبة، ويظهر هذا المعنى (انهمار النعم ومشاهدة التقصير) واضحًا جليًا في حديث سيد الاستغفار، الذي يكافئ الله عبده إن هو قاله حين يصبح ثم مات من يومه بأن يدخله الجنة، وإذا قاله حين يمسي فمات من ليلته بأن يدخله الجنة.
سيد الاستغفار: اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك عليّ، وأبوء بذنبي، فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت.
4. معرفة سعة عفو الله: أخي التائب.. اعرف مع من تتعامل، أنت تتعامل مع الذي عرض التوبة على الكفار، وفتح طريق الرجعة أمام الفجار، وأمهل بكرمه الأشرار، تتعامل مع من رحمته سبقت غضبه، وعفوه سبق عقابه، مع من لو عفا عن الخلق -كل الخلق- ما نقص ذلك من ملكه شيئًا، مع من قال عن نفسه: {مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ} [النساء:147].
اسمه.. التواب، ولو لم تذنب لما عرف بذا الوصف في الكتاب، وهل من توبة من غير ذنب؟! بل أعظم الذنوب عنده استقلال عفوه واستبعاد رحمته.
أجمل الأقول قول العبد يا رب أذنبت.. يا رب أخطأت.. يا رب أسأت.. ليأتني الرد سريعًا من التواب الرحيم: يا عبد غفرت.. يا عبد سامحت.. يا عبد صفحت.
إن الملوك إذا شابت عبيدهم *** في رقهم عتقوهم عتق أبرار
وأنت يا سيدي أولى بذي كرما *** قد شِبت في الرق فاعتقني من النار
مختارات