اسم الله المالك 2
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
من أسماء الله الحسنى : ( المالك ) :
أيها الأخوة الكرام ، لازلنا في اسم " المالك " .
انفراد المالك بالخلق والتدبير والملك والتقدير :
من معاني هذا الاسم العظيم " المالك " : " يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ " [لقمان:29] .
" يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ " [الأنعام:95] .
فالمُلك لله في المبتدأ عند إنشاء الخلق ، فلم يكن أحد سواه ، والمُلك لله في المنتهى عند زوال الكون فلم يبقَ أحد سواه ، هو الملك من فوق عرشه ، لا خالق ، ولا مدبر للكون إلا الله ، هو الملك المتصرف في الأمر والنهي في مملكته ، هو القائم بسياسة خلقه ، ملكه هو الحق الدائم بدوام الحياة ، ولما كان الله تعالى هو المنفرد بالخلق والتدبير فإنه ينفرد بالمُلك والتقدير .وينفرد أيضاً بأنه " المالك " المستحق للملك ولا مالك إلا الله .
القدرة من لوازم المُلك :
الآن ولما ذكر الله ملكيته للأشياء ، وأنه هو الذي يمنحها لمن يشاء ، ذكر من لوازم المُلك القدرة ، فالقدرة من لوازم ملكيته ، فالمالك قدير ، قال تعالى : " قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ " [آل عمران:29] أي شيء في الكون يُملك يا رب أنت مالكه .
" تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ "[آل عمران:29] .
مرة كنت في بلد عربي ، وحدثني طبيب ، قال : له زوجة على وشك الولادة وفيها وضع عسر جداً ، فاستشار أعلى طبيب في هذا البلد ، فقال له : القضية سهلة ، فلما طلب منه أن يستشر غيره أرغى وأزبد ، وقال : ليس في هذا البلد كله طبيب في مستوى علمه ، ارتكب هذا الطبيب خطأ لا يرتكبه طالب طب ، وهذا البلد العربي لأول مرة منذ الاستقلال تسحب من طبيب شهادته ، نُزعت عنه هذه الشهادة .ولو أنك عالم لكن حينما تعزو هذا إليك ينزعه الله منك ، والقصص كثيرة ، قد يغدو الإنسان فقيراً بعد أن كان غنياً ، قد يغدو ملقىً ضعيفاً ملقى في غيائب السجن بعد أن كان قوياً .
من افتقر إلى الله عز وجل كان الله معه : " قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ " أي شيء تتصور أنك ملكته يُنزع منك ، في أية لحظة ، وأحياناً هناك مواعظ كبيرة جداً ، إنسان يملك أموالاً طائلة يعمل محاسباً ليأكل فقط ، فكأنما الله إذا أعطى أدهش،إذا أخذ أدهش ،الفاتحة:" الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ*الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ*مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ*إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ* اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ*صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ " [الفاتحة] .
ورد في بعض الآثار أن القرآن كله جُمع في الفاتحة ، وأن الفاتحة جُمعت في " إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ " نعبدك ونستعين على عبادتك .فلذلك أنت حينما تقف في الصلاة وتقرأ الفاتحة وسورة ، تركع خضوعاً لهذا الأمر إذا قرأت بعد الفاتحة : " وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ " [الإسراء:53] هذا أمر ، ما معنى الخضوع ؟ أنا يا رب خاضع إليك هذا الأمر ، ما معنى السجود ؟ يا رب أعني على تنفيذ هذا الأمر ، الركوع خضوع ، والسجود طلب المعونة من الله، هذا العبد شأنه الافتقار إلى الله ، إذا افتقر العبد إلى الله كان الله معه .
درسا بدر وحنين كل مسلم بحاجة إليهما :
مرة ثانية أقول لكم : أنت في حاجة ماسة إلى درسين ، درس بدر ودرس حنين ، درس بدر قال الصحابة : الله ، فنصرهم ، في حنين قالوا وهم قمم البشر ، ومعهم سيد البشر : " ولن يُغْلَبَ اثنا عَشَرَ ألفا مِنْ قِلَّةٍ " [أبو داود] اعتدوا بكثرتهم فلم ينتصروا " وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً " [التوبة:25] .
فلذلك جُمع القرآن كله في الفاتحة ، وجُمعت الفاتحة بـ" إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ " وأنت حينما تقول لا حول ولا قوة إلا بالله ، يعني لا حول عن معصيته إلا به ولا قوة على طاعته إلا به .أي شيء تتوهم أنك تملكه الله عز وجل طليق الإرادة ويمكن أن ينزعه منك : من هو سيد أهل العفاف ؟ سيدنا يوسف ، ماذا قال ؟ قال : " وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ " [يوسف:33] .
من هو سيد الموحدين ؟ سيدنا إبراهيم ، قال تعالى : " وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ " [إبراهيم:35] فأي شيء يُملك ، أو أي شيء تتوهم أنك تملكه الله عز وجل طليق الإرادة يمكن أن ينزع منك .النبي عليه الصلاة والسلام قال لسيدنا معاذ : " يا معاذ ألا أعلمك دعاء تدعو به لو كان عليك مثل جبل أحد ديناً لأدى الله عنك ؟ " [الطبراني] .
بالمناسبة الحديث الشريف : " من أخذ أَموال الناس يُريدُ أَداءها ـ فقط ، ما الذي منه ؟ الإرادة فقط ـ أدَّى الله عنه ، ومن أخذ أَموال الناس يُرِيدُ إِتْلافها ـ نقول أتلفها ـ أتلفه الله " [البخاري] .
" يا معاذ ألا أعلمك دعاء تدعو به لو كان عليك مثل جبل أحد ديناً لأدى الله عنك ؟ قل يا معاذ : اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير ، رحمــان الدنيــا والآخـرة تعطيهمـا من تشـاء وتمنـع منهمـا من تشـاء ارحمني رحمــة تغنيني بهـا عن رحمــة من ســواك " [الطبراني] .
الله عز وجل بيده كل شيء وهو على كل شيء قدير : الله عز وجل يقول : " تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ " [الملك:1] سمعك بيده ، بصرك بيده ، عقلك بيده ، يكون الإنسان سيد البيت ، أب ، أولاد ، بنات ، أصهار ، كنائن ، مكانة ، تجارة ، يختل عقله ، يذهب أهله إلى أقرب الناس إليهم يتوسطون لإيداعه في مستشفى المجانين ، عقلك بيده ، سمعك بيده ، حركتك بيده ، زوجتك بيده ، يقول بعض العارفين بالله : أعرف مقامي عند ربي من أخلاق زوجتي ، أحياناً يسلس قياد الزوجة ، أحياناً تعانده .
أيها الأخوة : " تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ " [الملك:1] .
النبي الكريم لا يملك لأحد نفعاً ولا ضراً : النبي عليه الصلاة والسلام ماذا يقول ؟ قل يا محمد لأصحابك : " قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلَا ضَرّاً " [الأعراف:188] .
فإذا كنت لا أملك لنفسي نفعاً ولا ضراً فمن باب أولى أنني لا أملك لكم نفعاً ولا ضراً ، دقق أيها الأخ سيد الخلق ، وحبيب الحق وسيد ولد آدم الذي اصطفاه على كل الأنبياء والرسل والذي أقسم بعمره الثمين والذي ما خاطبه باسمه أبداً ، يا أيها النبي ، يا أيها الرسول ، هذا قمة البشر ، ومع ذلك قل : " وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ " [الأنعام:50] لا أملك لكم نفعاً ولا ضراً " قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلَا ضَرّاً " .
" قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ " [الأنعام:15] .
الشرك الخفي : أربع آيات ، أي إنسان من المسلمين إلى يوم الدين ادعى أنه يعلم الغيب فهو كاذب ، اركل كلامه بقدمك ، وأي إنسان من المسلمين إلى يوم الدين ادعى أنه يفعل ولا يفعل اركل كلامه بقدمك ، لا أملك لكم نفعاً ولا ضراً " وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ " .
" قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلَا ضَرّاً " .
" قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ " .
إخواننا الكرام التوحيد شيء مهم جداً ، إنسان يدعي أنه يتنبأ الغيب ، إنسان يدعي أنه يفعل ولا يفعل ، هذا كله من أنواع الشرك الخفي ، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول : " إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الخفي ـ أما إني لست أقول أنكم تعبدون صنما ولا حجراً ـ ولكن شهوة خفية وأعمال لغير الله " [أخرجه البزار] .
علاقة المؤمن باسم المالك :
أيها الأخوة ، علاقة المؤمن بهذا الاسم، علاقته بهذا الاسم اعتقاد وسلوك ، فالمؤمن ينبغي أن يعتقد أنه عبد في ملك سيده ، وكلما تواضع العبد لربه رفعه الله ، هل هناك من إنسان رفع الله ذكره كرسول الله ؟ وكان في أعلى درجات العبودية لله ، علاقة المؤمن بهذا الاسم أن يعتقد أنه عبد في ملك سيده ، مستخلف في أرضه ، أمين على ملكه ، قد ابتلاه الله فيما أعطاه ، امتحنك فيما أعطاك ، أعطاك قوة ، أعطاك مالاً ، أعطك ذكاءً ، أعطاك طلاقة لسان ، أعطاك علماً ، أنت ممتحن فيما أعطاك ، امتحنه واسترعاه .
أنا ونحن ولي وعندي أربع كلمات مهلكات :
الآن هذا الإنسان أيرد الملك إلى المالك ، أم ينسب للمخلوق أوصاف الخالق ؟ ماذا قال قارون ؟ " قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي " [القصص:78] .
ماذا قال فرعون ؟ " أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ " [الزخرف:51] .
ماذا قال أهل وجماعة بلقيس ؟ " نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ " [النمل:33] .
ماذا قال إبليس ؟ " أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ " [الأعراف:12] .
أربع كلمات مهلكات : أنا ، ونحن ، ولي ، وعندي .
الموحد الصادق يتحرى في قوله وفعله توحيد الله في اسمه المالك :
أيرد المُلك إلى المالك ، أم ينسب للمخلوق أوصاف الخالق ، فيتكبر على العباد بنعم الله ، ويتعالى عليهم بما منحه الله وأعطاه ؟ فالموحد الصادق يتحرى في قوله وفعله توحيد الله في اسمه " المالك " لا يتوكل إلا عليه ، ولا يلجأ إلا إليه ، لعلمه أن أمور الرزق بيده ، وأن المبتدا منه والمنتهى إليه .
" إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ (25) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ " [الغاشية:25-26] .
" قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ " [يونس:31] .
من عرف نفسه حقّ المعرفة فهو إلى المالك الأوحد أذل من كل ذليل :
أيها الأخوة ، المؤمن الموحد لله بهذا اسم " المالك " ينبغي أن يعرف نفسه ، وينبغي أن يعرف حقيقتها ، وحقيقة النعم وملكيتها .
قلت لكم : سألوا راعٍ يرعى الإبل ، لمن هذه الإبل ؟ قال : ( أجاب إجابة رائعة ) هي لله في يدي ، لمن هذا البيت ؟ هو لله في يدي أسكنه ، لمن هذه المركبة ؟ لله في يدي ، لمن هذه التجارة ؟ لله في يدي ، الإنسان مهما عرف نفسه حقّ المعرفة ، فإنه إلى المالك الأوحد أذل من كل ذليل .
أعرف رجلاً ذهب إلى باريس وجاء بشهادة عليا ، تسلم منصب معاون وزير لوزارة مهمة جداً ، ويحمل شهادة عليا ، وله زوجة تروق له ، ومنزل بأرقى أحياء دمشق ، ومركبة فاخرة ، فقد بصره ، فقال لأحد أصدقائه وهو صديقي ، قال له : والله أتمنى أن أجلس على الرصيف ، وأتكفف الناس ، وأن يرد الله لي بصري ، لا تملك شيئاً .
" قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ " [آل عمران:26] .
كن مع الله ترى الله معك واترك الكل وحاذر طـمعك
وإذا أعطــاك مـن يمنـعه ثم من يعطـي إذا ما منعك
* * *
التذلل إلى الله يرفع شأن الإنسان ويعلي قدره ويلهمه السداد في القول والعمل :
المؤمن إذا عرف نفسه حق المعرفة ، فهو إلى " المالك " الأوحد أذل من كل ذليل ، التذلل إلى الله عز ، يرفع شأنك ، يعلي قدرك ، يلهمك السداد في القول والعمل ، يطلق لسانك ، كن عبد الله ، فعبد الله حر ، إن لم تكن عبداً لله فأنت حتماً عبد لعبد لئيم ، إن لم تكن عبداً لله تنبطح أمام القوي ، تتذلل أمامه ، أما إن كنت عبداً لله فأنت في عزّ ومنعة .
أحد خلفاء بني أمية ، جاء إلى الحج فقال : ائتوني بعالم أنتفع بعلمه ، فذهبوا إلى الإمام مالك ، فقال : قولوا له العلم يؤتى ولا يأتي ، فلما قالوا له ذلك قال : صدق ، أنا آتيه أبلغوه أنه سيأتي ، قال : قولوا له إن أتاني لن أسمح له بتخطي الرقاب ، قال : صدق أجلسوه على كرسي ، فقال الإمام مالك : من تواضع لله رفعه ، ومن تكبر وضعه ، قال : خذوا عني هذا الكرسي .
أنت حينما تكون مع الله تكن عزيزاً ، والمؤمن إذا آمن باسم الله " المالك " يشكره على ما أعطاه وأولاه ، ويصبر عند المنع ، لذلك قال ابن عطاء الله السكندري : ربما أعطاك فمنعك ، وربما منعك فأعطاك ، وإذا كشف لك الحكمة في المنع عاد المنع عين العطاء ، ورد في بعض الآثار القدسية : " أنا مالك الملوك وملك الملوك ، قلوب الملوك بيدي ، وإن العباد إذا أطاعوني حولت قلوب ملوكهم عليهم بالرأفة والرحمة ، وإن العباد إذا عصوني حولت قلوبهم عليهم بالسخط والنقمة ، فساموهم سوء العذاب ، فلا تشغلوا أنفسكم بالدعاء على الملوك ، فادعوا لهم بالصلاح فإن صلاحهم بصلاحكم " [الطبراني] .
من معاني اسم المالك :
1 ـ يستغني في ذاته و صفاته عن كل موجود و يحتاجه كل موجود :
أيها الأخوة ، لو دققنا فيما نقول أي وصف للملكية لغير الله فهو وصف مجازي على سبيل المجاز ، لأن الملك هو الذي يستغني في ذاته وصفاته عن كل موجود ، ويحتاجه كل موجود ، الملك الحقيقي الذي يستغني في ذاته وصفاته عن كل موجود ، ويحتاجه كل موجود ، بل لا يستغني عنه شيء في شيء ، لا في ذاته ولا في صفاته ، فهو مالك في ذاته ، وفي وجوده ، وفي صفاته ، مستغنٍ عن كل شيء ، يحتاجه كل شيء ، هذا الوصف الدقيق للمالك لا ينطبق إلا على الله ، لا يوجد مالك حقيقي ، حتى القوي الله سمح له أن يكون قوياً ، بلحظة يفقد قوته .
كان هناك كتلة شرقية مخيفة تملك قنابل ذرية لا يعلم عددها إلا الله، ومع ذلك تداعت من الداخل، لا قوي إلا الله.
الآن كل من يصف نفسه بأنه مالك ، مالك هذه الدار ، مالك هذه الدكان ، مالك هذه التجارة ، صاحب هذه الشركة ، هذا من باب المجاز ، اعرف حجمك الحقيقي ، رحم الله عبداً عرفه قدره فوقف عنده .
2 ـ من معاني اسم المالك أنه مملك :
الآن هناك معنى جديد ، من معاني اسم " المالك " مالك مملك ، ولا يسمى " المالك " إلا إذا ملك ، فالجهة التي لا تستطيع أن تملكك ليست مالكة .
من لوازم اسم المالك أنه مملك لذلك الآية الشهيرة : " قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ " .
هذه من النواحي المادية ، المعنوية : " وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ " [آل عمران:26] .
لذلك مرة قرأت دعاء : " اللهم إني أعوذ بك أن أكون عبرة لأحد من خلقك " يعني اللهم إني أعوذ بك أن أكون قصة ، أحياناً ينهار يصبح حديث البلد ، كيف انهار ؟ كيف أُذل ؟ كيف كان جبراً ثم أُعدم ؟ " تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ " .
3 ـ الملك الحقيقي من ملك نفسه وهواه :
هناك معنى ثالث : الملك الحقيقي أن تملك نفسك وهواك ، والدليل ، سيدنا يوسف ماذا قال في القرآن : " رَبِّ قَدْ آَتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ " [يوسف:101] .
بعض علماء التفسير رجح هناك أقوياء كثر ، وليسوا على ما ينبغي ، أما أنت حينما تملك نفسك وهواك ، أنت ملك حينما تملك نفسك وهواك .
ومرة قال أحد زعماء بريطانيا الذي حقق نصراً في الحرب العالمية الثانية ، ملكنا العالم ولم نملك أنفسنا .
وأنا أقول دائماً : إن لم تكن طرفاً في مؤامرة قذرة هدفها إفقار المسلمين ، أو إضلالهم ، أو إفسادهم ، أو إذلالهم ، أو إبادتهم ، فأنت ملك ، إن لم تكن طرفاً .
تعلمون أنه في رئيس دولة عظمى ، أغرته امرأة في قصره ، فتورط معها وكُتبت فضائحه في الإنترنيت في ألفي صفحة ، دقائق فضائحية .
الملك من ضبط نفسه وكان أخلاقياً : الإنسان متى يكون ملكاً ؟ إذا ضبط نفسه ، وكان أخلاقياً ، هذا ملك .
أحد الشيوخ قيل له : أوصنا ، قال : كن ملكاً في الدنيا تكن ملكاً في الآخرة ، قال : وكيف ؟ قال : ازهد في الدنيا تكن ملكاً في الآخرة ، استغنِ عن الرجل تكن نظيره ، احتج إليه تكن أسيره ، أحسن إليه تكن أميره ، الإنسان في أول ليلة في قبره ينادى : " أن عبدي رجعوا وتركوك ، وفي التراب دفنوك ، ولو بقوا معك ما نفعوك ولم يبقَ لك إلا أنا ، وأنا الحي الذي لا يموت " .
الإمام الحسن البصري سُئل : بمَ نلت هذا المقام ؟ قال : باستغنائي عن دنيا الناس وحاجتهم إلى علمي ، لو جاء وقت هذا الذي يحمل العلم استغنى الناس عن علمه ، هو احتاج إلى دنياهم ، انتهى ، سقط العلم ، إذا احتاج العالم إلى دنيا الناس ، وزهد الناس بعلمه ، سقط العلم ، أما الحسن البصري بمَ نلت هذا المقام ؟ قال : باستغنائي عن دنيا الناس وحاجتهم إلى علمي .
أنا أتمنى على كل داعية أن يكون له عمل يرتزق منه ، حتى لا يتضعضع أمام الأثرياء والأغنياء ، اعمل واكسب رزقك بعزة نفس ، ولا تتذلل لأحد .
" من دخل على غني فتضعضع له ذهب ثلثا دينه " [البيهقي] .