" الحديقةُ الثالثة : الإنفاق والصدقة في سبيل الله "
" الحديقةُ الثالثة: الإنفاق والصدقة في سبيل الله "
أيها الحبيب: وعودٌ ربَّانيَّةٌ، وقروض مضاعفة، وأجور كريمة، وجِنان أُكُلُها دائم وظلُّها، لمَنْ تَكَرَّم بالصدقة السَّخيَّةِ، طيبة بها نفسه، سعيدة بها روحه، تتراءى له آيات الوعد الكريم: " مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ " [الحديد: 11].
" الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ " [البقرة: 274].
الصدقة نبعٌ ثَرٌّ يجرف مسيله كل أدران الحياة وعراقيلها، والنفقة في وجوه المعروف بلسم الشفاء من عظيم الأدواء، والعطاء في السر بركة للمال وعد بها رب الأرض والسماء؛ " قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ " [سبأ: 39].
صدقتك – أيها المحسن الكريم – بذرة بذرها أكرم من وطأ الثرى عليه الصلاة والسلام، «فلرسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة» [رواه البخاري].
لنقترب جميعًا إلى زهرة من زهور هذه الحديقة لنقرأ على ورقاتها هذه القصة: ففي غرفة ذات أَسِرَّةٍ بيضاء كان يرقد على السرير الأوسط رجل في غيبوبة تامة، لا يعي ما حوله من أجهزة مراقبة التنفس والنبض وأنابيب المحاليل الطبية.
وفي كل يوم منذ أكثر من عام ودون انقطاع كانت تزور ذلك الرجل زوجته ومعها صبيٌّ لهما في الرابعة عشر من عمره، ينظران إليه في حنان وشفقة، ويغيِّران ملابسه ويتفقدان أحواله ويسألان الأطباء عنه، ولا جديد في الأمر، الحالة كما هي، لا تقدُّم ولا تأخُّر في صحته؛ غيبوبة تامَّة، وأمل مفقود من شفائه إلا من الله تعالى، غير أن هذه المرأة الصبور والصبي اليافع كانا لا يتركانه حتى يرفعا أكفَّ الضَّراعة إلى الله سبحانه، فيدعو له بالشفاء والعافية، ولسان حالهما يقول:
أنت المنادَى به في كل حادثة وأنت ملجأ من ضاقت به
أنت الغياث لمن سُدَّت مذاهبُه أنت الدليل لمن ضَلَّت به
ويغادران المستشفى ليعودا مرة أخرى للزيارة في نفس اليوم، وهكذا كل يوم بلا انقطاع أو سآمة أو ملل؛ قلوبٌ اجتمعت على الحب، وتآلفت على الصدق، وأزهرت في الشدائد أجمل ورود الصبر والحنان والرأفة.
ويظلُّ المرضى وهيئة التمريض والأطباء في استغراب تام من زيارة المرأة والصبي لهذا الرجل شبه الميت، مع أنه لا جديد في حياة المريض، فيا لله العجب: ما هذا الإصرار العجيب على تكرار الزيارة مرتين في اليوم، مع أن المريض المسجى لا يعي أي شيء حوله، صارحها الأطباء وأعوانهم بعدم جدوى زيارتها له، وشفقًا عليها وعلى ابنها دعوها للزيارة مرة في الأسبوع، وكانت المرأة الشفوق لا ترد إلا بكلمة: الله المستعان... الله المستعان...وذات يوم وقبل زيارة الزوجة والصبي في وقت قصير، حدث أمر غريب، وحادث مثير؛ إنه الرجل المصاب يتحرك في سريره، يتقلب من جنب إلى جنب، وما هي إلا لحظات وإذا بالرجل يفتح عينيه، ويبعد جهاز الأكسجين عن نفسه، ويعتدل في جلسته، ثم ينادي الممرضة وسط ذهول الحضور، وطلب منها إبعاد الأجهزة الطبية المساعدة، فرفضت واستدعت الطبيب الذي كان في حالة ذهول تام، وأجرى فحوصات سريعة له، فوجد الرجل في منتهى الصحة والعافية، وطلب إبعاد الأجهزة وتنظيف مكانها في جسده.
وكان موعد الزيارة المعهودة من تلك الزوجة المخلصة قد حان وقته، فدخلت المرأة والصبي على حبيبهما، فبأي وصف تريدني – يا رعاك الله – أن أصف تلك اللحظات الحنونة، وبأي الكلمات تريدني أن أصوغها لك... إنها نظرات تعانق نظرات، ودموع تمتزج بدموع، وابتسامات حائرات على الشفاة، أخرست المشاعرُ الألسنة إلا بالحمد والثناء لله الكريم، المنعم، المتفضل، المجيب، الذي أتم نعمة العافية على زوجها.
لم تنته القصة بعد يا أهل المعروف؛ فما زال في الحكاية سر؛ فإن الطبيبَ لم يحتمل الصبر حتى يكتشفه، فتوجَّه للزوجة بسؤالها قائلاً: هل توقَّعت أن تجديه يومًا ما بهذه الحالة؟ فقالت: نعم والله، كنت أتوقع أن أدخل عليه يومًا وأجده جالسًا بانتظارنا.
فقال لها: إن هناك شيئًا ما حصل ليس للمستشفى أو الأطباء دور فيه، فبالله عليك أخبريني، لماذا تأتين يوميًا مرتين، وماذا تفعلين؟ قالت: بما أنك سألتني بالله، فأقول لك: كنت أزور زوجي الزيارة الأولى للاطمئنان عليه والدعاء له، ثم أذهب أنا وابني للفقراء والمساكين ونقدم لهم الصدقات بغية التقرب إلى الله لشفائه...فلم يخيِّب الله رجاءها ودعاءها؛ فخرجت في آخر زيارة وزوجها معها إلى البيت الذي طال انتظاره لعودة صاحبه إليه؛ لتعود البسمة والفرحة له وإلى أفراد أسرته.
فما أينع هذه الثمر، وما ألذ مذاقه، " الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ " [البقرة: 274].
حدّث بهذه القصة الأستاذ الكريم: أحمد سالم بادويلان، في كتابه " لا تيأس "، وفَّقه اللهُ وجزاه الله عنا خير الجزاء.
فَضْلُ الله كبير؛ فهو القائل: " لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ " [آل عمران: 92]، فلنبحث عن طرقه ومواطنه، وإن من أجلِّ مواطنه الإنفاقُ على الأهل والأقارب بنية القربة إلى الله تعالى؛ فهذه أمُّ سلمة رضي الله عنها تأتي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فتقول له: يا رسول الله، هل لي من أجر في بني أبي سلمة أن أنفق عليهم ولست بتاركتهم هكذا وهكذا إنما هم بنيَّ؟ قال: «نعم لك أجر ما أنفقت عليهم»[رواه البخاري].
وهل يخلو يوم لا ننفق فيه على أزواجنا وأولادنا؟! غير أن الأمر يحتاج إلى احتساب وطلب أجر من رب العالمين؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أُجِرْتَ عليها، حتى ما تجعل في فم امرأتك» [رواه البخاري] فإن كتب الله لك البركة في رزقك فلا تبخل على نفسك وإخوانك في بلدك وخارجه من نفقة مباركة قليلة أو كثيرة:
أما قليلة، فتذكرني بما ذكره لي أحد أئمة المساجد من أنه كان يعظم في أحد عمال النظافة المساكين سرعة استجابته لنداء الإنفاق في سبيل الله؛ فإنه مع ضعفه ومسكنته كان لا يتردد عن ذلك، بل كان كل مرة يبذل نصف ريال أو قريبًا منه ما استطاع إلى ذلك سبيلاً.
نصف ريال فقط !! انتبه أن تقع في نفسك موقع الاحتقار؛ فإن لها عند الله بإذنه شأنًا عظيمًا، أتعلم لماذا؟ لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «من تصدَّق بعدل تمرة من كسب طيب ولا يقبل الله إلا الطيب وإن الله يتقبلها بيمينه ثم يربيها لصاحبه كما يربي أحدكم فلوه حتى تكون مثل الجبل» [رواه البخاري].
إنه نصف ريال فقط... لكنه ربما تحول إلى وقاية عاصمة بإذن الله من نار السعير؛ ألا تذكر معي قول النبي صلى الله عليه وسلم: «اتقوا النار ولو بِشِقِّ تَمْرَةٍ» [متَّفق عليه].
ولندلف معًا إلى إحدى جهات الخير لنشاهد هذا المنظر السَّخِيِّ: صبيٌّ في ليلة العيد يقدَّم للموظف المسؤول عن جمع التبرعات مبلغًا قدره مائتا ريال تقريبًا، وعمره لا يتجاوز العاشرة، فسأله متعجِّبًا منه: من أين لك هذا المبلغ؟ وماذا تريد أن نصنع به؟ فأجاب: إنه مبلغ أعطاني إياه والدي لأشتري به كسوة العيد، وإني أريد أن يشتري به أحد أيتام المسلمين ثيابًا له في العيد جديدة، أما أنا فتكفيني هذه الثياب التي أرتديها.. ألا سقى الله هذا البيت الذي ترعرعت فيه ونشأت بين أكنافه يا بني، وجعلك له قرة عين في الدنيا والآخرة.
وأما أن تكون نفقتك كثيرة، فتذكر ما رواه أنس بن مالك - رحمه الله - أنه قال: كان أبو طلحة أكثر الأنصار بالمدينة مالاً من نخل، وكان أحب أمواله إليه بيرحاء، وكانت مستقبلة المسجد، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخلها ويشرب من ماء فيها طيب، قال أنس: فلما أنزلت هذه الآية: " لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ "، قام أبو طلحة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إن الله تبارك وتعالى يقول: " لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ "، وإن أحبَّ أموالي إليَّ بيرحاء، وإنها صدقة لله أرجو برها وذخرها عند الله، فضعها يا رسول الله حيث أراك الله، قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بخ؛ ذلك مال رابح، ذلك مال رابح، وقد سمعت ما قلت، وإني أرى أن تجعلها في الأقربين»، فقال أبو طلحة: أفعل يا رسول الله، فقسمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمِّه [رواه البخاري].
أخي الحبيب: كن واحدًا ممن تدعو له الملائكة: «اللهمَّ أَعْطِ منفقًا خلفًا» [رواه البخاري].
أخي الحبيب: كن واحدًا ممن ينفق الله عليهم؛ فإنه يقول في الحديث القدسي: «أنفق يا ابن آدم ينفق عليك» [متفق عليه].
أخي الحبيب: كن على يقين من أن ما أنفقتَه باق ولم يَفْنَ، وإنما الفناء لما أمسكنا:
أنت للمال إذا أمسكتَه فإذا أنفقتَه فالمال لك
عن عائشة - رضي الله عنها - أنهم ذبحوا شاة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «ما بقي منها؟ قالت: ما بقي منها إلا كتفها، قال: بقي كلها غير كتفها» [رواه الترمذي، وقال: هذا حديث صحيح].
لا... ليس ما أنفقنا باقٍ فقط؛ بل يزيد ويزيد؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما نقصت صدقة من مال»[رواه مسلم].
لقد أخبرني أحد الدعاة (أخي الدكتور خالد بن سعود الحليبي) بأن تاجرًا كبيرًا من أغنياء هذا البلد الطيب كان يقول له: ما أنفقت شيئًا في سبيل الله إلا رأيت زيادته عيانًا من بركة الصدقة وفضلها.
واستمع إلى هذا الحديث الذي سيدني لك ثمرة من ثمار هذه الحديقة الجميلة؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «بينا رجل بفلاة من الأرض فسمع صوتًا في سحابة: اسق حديقة فلان، فتنحى ذلك السحاب فأفرغ ماءه في حرة، فإذا شرجةٌ من تلك الشِّراج [والشرجة: مسيل الماء] قد استوعبت ذلك الماء كله فتتبع الماء، فإذا رجل قائم في حديقته يحول الماء بمسحاته، فقال له: يا عبد الله، ما اسمك: قال فلان للاسم الذي سمع في السحابة، فقال له: يا عبد الله، لم تسألني عن اسمي، فقال: إني سمعت صوتًا في السحاب الذي هذا ماؤه، يقول: اسق حديقة فلان لاسمك، فما تصنع فيها؟ قال: أما إذ قلت هذا، فإني أنظر إلى ما يخرج منها فأتصدق بثلثه، وآكل أنا وعيالي ثلثًا، وأرد فيها ثلثه»، وفي رواية: «وأجعل ثلثه في المساكين والسائلين وابن السبيل». [رواه مسلم].
الإنفاق خلق جميل، ويتضاعف جماله إذا كان على حال من الحاجة أو العوز، فيلتقي الكرم فيه والإيثار، دعني أحدثك بما عجب الله منه - وهو الكريم المنان سبحانه: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني مجهود [أي: بي سوء عيش وجوع]، فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى بعض نسائه، فقالت: والذي بعثك بالحق ما عندي إلا ماء، ثم أرسل إلى أخرى، فقالت مثل ذلك، حتى قلن كلهن ذلك: لا والذي بعثك بالحق ما عندي إلا ماء، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «من يضيف هذه الليلة؟» فقال رجل من الأنصار: أنا يا رسول الله، فانطلق به إلى رحله، فقال لامرأته: أكرمي ضيف رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي رواية قال لامرأته: هل عندك شيء؟ قالت: لا، إلا قوت صبياني، قال: فعلليهم بشيء، وإذا أرادوا العشاء فنَوِّميهم، وإذا دخل ضيفنا فأطفئي السراج وأريه أنَّا نأكل، فقعدوا وأكل الضيف وباتا طاويين، فلمّا أصبح غدا على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «لقد عجب الله من صنيعكما بضيفيكما الليلة» [متفق عليه] إنه مجتمع تربَّى على أخلاق النبوة، واستقى من نبعها الصافي، مجتمع لا يعرف الأنانية والأثرة، هاك صنفًا من أصنافه يمتدحه النبي صلى الله عليه وسلم بصفة مثالية كريمة، لو سارت الأمة عليه اليوم ما بقي فيها فقير واحد؛ إنهم الأشعريون الذين قال النبي صلى الله عليه وسلم فيهم: «إن الأَشْعَريِّين إذا أرملوا في الغزو أو قل طعام عيالهم بالمدينة، جمعوا ما كان عندهم في ثوب واحد ثم اقتسموه بينهم في إناء واحد بالسوية فهم مني وأنا منهم» [رواه البخاري].
واحذر – أيها الكريم – أن يخيِّم عليك اليأس؛ فما زال في الأمة من الكرماء من يسير على خطى النبي صلى الله عليه وسلم وسلفه الصالح؛ فما نسينا أبدًا حملات الخير والتبرع لإخواننا المستضعفين في كل مكان، صور من العطاء تبتهج من سخائها النفوس، وتسعد بعطائها القلوب، وإن المُشاهِدَ لها ليجد أنها صمامُ الأمان لهذه الأرض، وسرُّ استقرارها وأمنها، ولله الحمد والمنة.
لقد أعجبتني حادثتين ذكرهما الشيخ عليٌّ الطنطاويُّ – رحمه الله – في ذكرياته، فقال في التمهيد لهما: «لقد كان شيخ أبي الشيخ سليم المسوتي – رحمه الله – على فقره لا يردُّ سائلاً قطُّ، ولطالما لبس الجبَّة أو الفروة فلقي برادنًا يرتجف فنزعها فدفعها إليه وعاد إلى البيت بالإزار، وطالما أخذ السفرة من أمام عياله فأعطاها السائل، وكان يومًا في رمضان وقد وضعت المائدة انتظارًا للمدفع، فجاء سائل يقسم أنه وعياله بلا طعام، فابتغى الشيخ غفلة من امرأته وفتح له وأعطاه الطعام كله؟ فلما رأت ذلك امرأته وَلْوَلَتْ عليه وصاحت وأقسمت أنها لا تقعد عنده، وهو ساكت، فلم تمر نصف ساعة حتى قُرع الباب، وجاء من يحمل أطباقًا فيها ألوانٌ من الطعام والحلوى والفاكهة، فسألوا: ما الخبر؟ وإذا الخبر أن [الأمير] كان قد دعا بعض الكبار فاعتذروا، فغضب وحلف ألا يأكل من الطعام وأمر بحمله كله إلى دار الشيخ سليم المسوتي رحمه الله:
ولم أر كالمعروف أما مذاقه فحلو وأما لونه فجميل
أما القصة الأخرى: فهي قصة المرأة التي سافر ولدها، وكانت قد قعدت يومًا تأكل وليس أمامها إلا لقمة إدام وقطعة خبز، فجاء سائل فمنعتْ عن فمها اللقمةَ وأَعْطَتْه إيَّاها، وباتت جائعةً، فلما جاء الولد من سفره جعل يحدِّثها بما رأى في سفره، قال: ومِنْ أعجب ما مرَّ بي: أنه لحقني أسد في الطريق، وكنت وحدي فهربت منه، فوثب عليَّ وما شعرتُ إلا وقد صرت في فمه، وإذا برجل عليه ثياب بيض يظهر أمامي فيخلِّصني منه، ويقول: لقمة بلقمة، ولم أفهم مراده، فسألته أمه عن وقت هذا الحادث وإذا هو في اليوم الذي تصدقت فيه على الفقير، نزعت اللقمة من فمها لتنفقها في سبيل الله، فنُزع ولدُها من فم الأسد» انتهى كلامه رحمه الله.
من يفعل الخير لا يعدم جوازيه لا يذهب العرف بين الله والناس
ويا لتعاسة البخل؛ ما ألبس صاحبه إلا ثوبَ دناءة وذلٍّ، عطبٌ حصاده، منتنة رائحته، لا يورث إلا الهلاك للأفراد والأمم والشعوب؛ يقول الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم: «اتقوا الشُّحَّ؛ فإن الشح أهلك من كان قبلكم؛ حملهم على أن سفكوا دماءَهم واستحلُّوا محارمهم» [رواه مسلم].
مختارات