اسم الله المجيب 2
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
من أسماء الله الحسنى : ( المجيب) :
أيها الأخوة الكرام ، لا زلنا في اسم " المجيب " ، و " المجيب " في حقّ الله تعالى هو الذي يقابل مسألة السائلين بالإجابة ، ويقابل دعاء الداعين بالاستجابة ، ويقابل ضرورة المضطرين بالكفاية ، تسأله فيجيبك ، تطلب منه فيستجيب لك ، تكون مضطراً فيغيثك ، هذا هو " المجيب " .
على المؤمن أن يتضرع إلى الله عز وجل قبل فوات الأوان :
أيها الأخوة ، إن التضرع في الدعاء هو الهدف ، أي الاتصال المحكم ، الاتصال الحميم ، الاتصال في أعلى مستوى ، هو التضرع ، يقول الله عز وجل : " ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ " [الأعراف:55] .
لابدّ من مثل للتوضيح : تريد أن يأتي ابنك إليك ، وأن تضمه إليك ، وأن يشعر بحنانك ، ورحمتك ، ومحبتك ، هو لا يأتيك ، تلوح له بشيء يحبه ، لذلك يقبل عليك ، القصد أن يقبل عليك ، وهذا الذي لوحت له به وسيلة كي يأتيك .
فالله عز وجل يريدنا أن نتصل به ، يريدنا أن نقبل عليه ، يريدنا أن نسعد بقربه ، يريدنا أن نذوق حلاوة مناجاته ، يريدنا أن نكون معه .
لذلك يلوح لنا أحياناً شبح مصيبة نلجأ إليه ، نتضرع إليه ، التضرع هو الهدف والمشكلة التي ألمت بالمؤمن هي الوسيلة ، المشكلة هي الوسيلة ، والتضرع هو الهدف ، لذلك قال تعالى : " ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ " .
الله تعالى يعرف حاجة الإنسان قبل أن يسأله لكنه ينتظر أن يسأله ليذوق طعم القرب منه :
أيها الأخوة ، حينما يفهم المؤمن قصده على الله قصده من المصائب ، هي أدوات يسوقنا الله بها إلى بابه ، يريدنا من هذه الشدائد أن نتصل به ، أن نتضرع إليه ، أن نناجيه ، أن يسمع صوتنا ، أن نقبل عليه ، النقطة الدقيقة : الله عز وجل يعلم حاجة المحتاجين لو لم يسألوه .
من أودع في طحال الوليد كمية حديد تكفيه سنتين إلى أن يأكل الطعام ؟ ليس في حليب الأم حديد ، والجسم بحاجة إلى الحديد ، أودع الله في طحال الوليد كمية حديد تكفيه سنتين ، دون أن يسأل ، من جعل القمح غذاءً كاملاً للإنسان ؟ الله جلّ جلاله ، من جعل الحليب غذاءً كاملاً للإنسان ؟ .
" وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ " [النحل:5] خصيصاً لكم ، من منحنا الهواء ؟ من منحنا الماء ؟ من خلق لنا المعادن ؟ معدن خفيف ، ومتين للطائرات ، معدن ثمين للعملات الذهب ، معدن يصدأ الحديد ، حتى نستفيد من أملاحه ، أنت حينما تأكل تفاحة تأكل أملاح الحديد ، والدليل ، اقطعها ودعها في الهواء ساعة تسود تأكسد الحديد .
من أعطاك أنواع اللحوم ؟ من أعطاك أنواع الأزهار ؟ من جعل هذه البقرة مذللة ؟ .
" وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ " [يس:42] لما البقر جنّ اضطروا إلى أن يحرقوه ، أحرقوا ثلاثين مليون بقرة في بريطانيا ، لما جنّ ، لأنه فقد التذلل " وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ " أعرف أخاً عنده بقرة في ريف دمشق ، فأصابها الجنون فقتلت إنسانين ، فاضطر أن يطلق عليها النار وقتلها ، ثمنها سبعون ألفاً ، من جعلها مذللة ؟ .
" وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ " النبات ، الخلة لتنظيف الأسنان ، والسواك للأسنان ، والليف كي تنظف به جلدك في وجه خشن ووجه ناعم ، في نباتات زينة ، في نباتات ظل ، شجرة كأنها مظلة ، في نباتات حدودية ، الحديث عن آيات الله في خلقه لا تنتهي ، لكن الله عز وجل يعرف حاجتك قبل أن يسألك ، لكنه انتظر أن تسأله ، كي تذوق طعم القرب منه ، انتظر أن تقبل عليه ، انتظر أن تناجيه .
الإيمان بالله وطاعته من شروط استجابة الدعاء :
أيها الأخوة ، الآن النقطة الدقيقة في هذا الموضوع : " وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ " [الصافات:75] الله مجيب ، أحياناً إنسان لا يستجيب لك ، لا يلقي بالاً لك ، لا يعبأ بك ، ما عنده وقت يسمع لك " وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ " ثم يقول الله عز وجل : " أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ " [النمل:62 ] .
أجمع العلماء على أن للدعاء شروطاً ، لا بد من توافرها :
" وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ "[البقرة:186] .
" فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي ـ ليطيعوني ـ وَلْيُؤْمِنُوا بِي " وليؤمنوا أني واحد أحد ، فرد صمد ، فعال لما أريد ، الأمر كله بيدي .
" وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ " [هود:123] يجب أن يوحدوا ، أن يؤمنوا بأنني فعال لما أريد ، إله في السماء ، وإله في الأرض .
" مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً " [الكهف:26] وأن يطيعوني ، هذا شروط استجابة الدعاء " فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ " .
المضطر والمظلوم يستجيب الله دعاءهما ولو لم تتحقق فيهما شروط الدعاء :
إلا أن العلماء استثنوا من الشروط دعاء المضطر ، المضطر يستجيب الله له ولم تتحقق فيه شروط الدعاء ، يستجيب له برحمته " أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ " والمظلوم يستجيب الله له ، ولو لم تتحقق فيه شروط الدعاء ، يستجيب له بعدله ، من هنا قال عليه الصلاة والسلام : " اتَّقِ دعوةَ المَظْلومِ ، فإنَّهَا لَيْسَ بَيْنَهَا ، وَبَينَ اللهِ حِجَابٌ " [البخاري ومسلم] .
العدو التقليدي إذا عدلت معه قربته من الله ، وقربته منك ، لذلك قال النبي الكريم : " من غشنا فليس منا " [مسلم] لكن في رواية : " من غَشَّ " [مسلم] .
مطلقاً ، أنت حينما تؤذي غير مسلم تسبب سمعة سيئة لكل المسلمين ، غير المسلم إذا نلته بالأذى يقول : هكذا الإسلام ؟! ينسى شخصك ، ويتهجم على الإسلام " أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أإله مَعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ " [النمل:62] .
الله عز وجل مجيب ولن يضيع عمل أي إنسان :
أيها الأخوة ، استمعوا إلى هذه الآية : "رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا ۚ رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ (193) رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَىٰ رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۗ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ " [آل عمران:193-194] .
الله عز وجل مجيب ، قال : " فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ " [آل عمران:195] يعني لو وجدت قشة على سجاد المسجد ، قشة وضعتها في جيبك تقديساً لهذا المكان : " لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ " لو رأيت نملة وأنت تتوضأ على المغسلة فانتظرتها حتى خرجت إلى برّ الأمان " لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ " مهما تصورت العمل قليلاً عند الله محفوظ ﴿ رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا ۚ رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ (193) رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَىٰ رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۗ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ (194) فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ " الله مجيب " أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ " [آل عمران:195] .
أيها الأخوة ، مجيب ، وينتظرنا ، وقد ورد في الأثر :
" أن يا داود ! لو يعلم المعرضون انتظاري لهم ، وشوقي إلى ترك معاصيهم لتقطعت أوصالهم من حبي ، ولماتوا شوقاً إليّ، هذه إرادتي بالمعرضين فكيف بالمقبلين ؟ " .
من الملامح اللغوية الرائعة في القرآن الكريم :
1 ـ الداعي أحياناً يكون واحداً والجواب يأتي بصيغة المثنى :
أيضاً من الآيات القرآنية التي يتوضح فيها اسم " المجيب " : " وَقَالَ مُوسَىٰ رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَن سَبِيلِكَ ۖ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَىٰ أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّىٰ يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ (88) قَالَ قَدْ أُجِيبَت دَّعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلَا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ " [يونس:88-89] بالمناسبة بالآية ملمح دقيق " وَقَالَ مُوسَى " واحد ، الجواب : " قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا " الداعي واحد فكيف جاء الجواب بصيغة المثنى ؟ قال : يؤمن على الدعاء داعٍ أيضاً ، إذا دعا الإمام ، وأنت قلت آمين ، أنت عند الله داعٍ تماماً " قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا " .
2 ـ الإيجــاز :
بالقرآن الكريم ملامح لغوية رائعة جداً ، يعني لما الله عز وجل قال : " فَكُلَا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ " [الأعراف:19] .
" فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى " [طه:117] هنا بالعكس ، الجواب واحد " يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى " قال العلماء : هذا هو الإيجاز ، لأن شقاء الرجل شقاء حكمي لزوجته .
3 ـ البدء بالأب أو الأم أو الابن لحكمة من الله تعالى :
أحياناً يأتي الأب في أول الأقارب : " قُلْ إِنْ كَانَ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ " [التوبة:24] الأب أولاً ، أحياناً تأتي المرأة أولاً : " زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ " [آل عمران:14] .
أحياناً يأتي الابن : " يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ " [المعارج:11] .
" يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ " [عبس:34-35] مرة جاء الأخ ، مرة جاء الابن ، مرة جاءت الزوجة ، مرة جاء الأب ، وفي كل ترتيب حكمة ما بعدها حكمة .
أيها الأخوة ، الآن : " وَقَالَ مُوسَىٰ رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَن سَبِيلِكَ ۖ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَىٰ أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّىٰ يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ (88) قَالَ قَدْ أُجِيبَت دَّعْوَتُكُمَا " هذا من الملامح اللغوية والبلاغية في القرآن الكريم " فَاسْتَقِيمَا وَلَا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ " .
صلاة الاستسقاء كما أراد الله عز وجل :
أيها الأخوة ، وقد ورد في الأحاديث الصحيحة في استسقائه صلى الله عليه وسلم يعني نحن نعاني الجفاف أحياناً ، لكن الطريق إلى الأمطار الغزيرة لا نسلكها ، النبي عليه الصلاة والسلام ثبت في الأحاديث الصحيحة أنه استسقى ربه فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة فقال : " فقام الناسُ ، فصاحوا ، فقالوا : يا رسولَ الله ، قَحَطَ المطر ، واحمَرَّت الشجرُ ، وهلكتِ البهائِمُ ، فادْعُ الله أن يَسْقِيَنَا ، فقال : اللهم اسْقِنا - مرتين - وايْمُ الله ، ما نرى في السماء قَزَعة من سحاب ـ سماء صافية ، جو حار ـ وايْمُ الله ، ما نرى في السماء قَزَعة من سحاب ، فنشأتْ سحابة فأمطرت ، ونزل عن المنبر فصلَّى بنا ، فلما انصرف لم تَزَلْ تُمْطِرُ إِلى الجمعة التي تليها ، فلما قام رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يخطُب في الجمعة التالية ، صَاحُوا إِليه : تهدَّمت البُيُوتُ ، وانقطعتِ السبلُ ، فادْعُ الله يَحبِسْهَا عنا ، فتبسَّم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ، ثم قالَ : اللهم حَوالَينا ولا عَلينا وتَكشَّطت المدينةُ ، فجعلت تُمْطِرُ حولها ، ولا تَمْطُرُ بالمدينةِ قطرة ، فنظرتُ إِلى المدينة وإنها لَفِي مثْلِ الإِكليل " [أخرجه البخاري ومسلم] .
والله الذي لا إله إلا هو لو طبقنا صلاة الاستسقاء كما أراد الله ، وكما بيّن النبي عليه الصلاة والسلام لكنا في وضع آخر .
من سأل الله عليه أن يكون واثقاً من استجابته وهذا شرط أساسي في قبول الدعاء :
أيها الأخوة ، من شروط الدعاء : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " القلوب أوعية ، وبعضها أوعى من بعض ، فإذا سألتم الله عز وجل أيها الناس ، فسلوه وأنتم موقنون بالإجابة " [أخرجه أحمد] يا رب ارحمني إذا شئت ، اعزم المسألة .
" فسلوه وأنتم موقنون بالإجابة ، فإن الله لا يستجيب لعبد دعاه عن ظهر قلب غافل " [أخرجه أحمد] .
إن سألت الله اسأله وأنت موقن أن تجيبه ، لأن الحديث القدسي : " أنا عند ظن عبدي بي فليظن في ما شاء " [الدرامي والطبراني] .
آداب الدعاء :
1 ـ أن يتخير العبد وقت الدعاء :
من آداب الدعاء : أن يتخير وقت الدعاء ، الذي ندب إليه النبي عليه الصلاة والسلام ، كيوم عرفة ، وفي جوف الليل ، وقبل الفجر .
" إذا مضى ثلث الليل أو نصف الليل نزل إلى السماء الدنيا جلّ و عزّ فقال : هل من سائل فأعطيه ؟ هل من مستغفر فأغفر له ؟ هل من تائب فأتوب عليه ؟ هل من داع فأجيبه ؟ " [البخاري ومسلم] .
الأوقات المندوبة يوم عرفة ، وفي جوف الليل ، وقبيل الفجر ، ودبر الصلوات المكتوبة ( عقب الصلاة ) هذا وقت إجابة .
2 ـ ألا يتعجل الداعي في دعائه :
من آداب الدعاء : ألا يتعجل الداعي في دعائه ، بمعنى يقول : دعوت فلم يستجاب لي ، أنت في هذا خرقت آداب الدعاء .
3 ـ ألا يجهر العبد بالنداء اتقاء للفتنة والرياء :
وألا يجهر بالنداء، رفع الصوت ، إنكم لا تنادون أصماً .
" إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيّاً " [مريم:3] وألا يجهر بالنداء اتقاء للفتنة والرياء .
4 ـ أن يحذر الإنسان من التجاوز والاعتداء :
وأن يحذر من التجاوز والاعتداء ، أحياناً يقول لك : أنا أخذت معي كتاباً فيه أدعية مستجابة للحج ، يفتح الكتاب ويدعي ، لما فتحت الكتاب ودعيت الحال ذهب منك ، ادعُ الله بأية لغة ، يريد قلبك ، يريد إخلاصك ، لا يريد التفاصح بالدعاء ، التفاصح بالدعاء المنمق في سجع ، لا ، الله لا يحتاج لهذا الدعاء ، يريد قلبك المخلص .
إذاً من آداب الدعاء : ألا يتعجل المجيب ، فيقول دعوت فلم يستجب لي ، وألا يجهر بالنداء ، اتقاء للفتنة والرياء ، وأن يحذر من التجاوز والاعتداء .
صدقوا أيها الأخوة ، لما إنسان يعتدي على أخيه الإنسان مهما دعا الله ، مهما تفاصح في الدعاء لا يستجاب له ، والدليل : " ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ " أنت حينما تعتدي على مال أخيك لن يستجاب دعاؤك ، أنت حينما تأكل المال الحرام عدواناً وظلماً لا يستجاب دعاؤك ، أنت حينما تستعلي على أخيك لا يستجاب دعاؤك ، أنت حينما تتكبر لا يستجاب دعاؤك " ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ " .
5 ـ أن يكون المسلم متواضعاً هيناً ليناً مجيباً لدعوة أخوانه :
ومن آداب الدعاء : أن يكون المسلم متواضعاً ، هيناً ، ليناً ، مجيباً لدعوة أخوانه ، ألم أقل لكم دائماً : يجب أن تتخلق بخلق مشتق من كمال الله ، الله عز وجل مجيب ، أنت في طبيعتك تستجيب لمن تدعوه إذاً أنت مستجاب الدعوة .
على الإنسان أن يراجع حساباته إذا لم يُستجب دعاؤه :
لذلك تعد حالة عدم استجابة الدعاء مصيبة كبيرة ، النبي عليه الصلاة والسلام فيما ورد في صحيح مسلم من أدعيته : " اللَّهمَّ إني أعوذ بك من العجْزِ ، والكَسَلِ ، والجُبنِ ، والبُخْلِ والهَرَمِ ، وعذاب القبر ، اللَّهمَّ آتِ نَفسي تَقْوَاها ، وزَكِّها أَنت خَيرُ مَنْ زكَّاهَا ، أَنتَ وَلِيُّها ومولاها ، اللَّهمَّ إِني أَعوذ بك من علم لا ينفعُ ، ومن قَلبٍ لا يَخشَع ، ومن نَفسٍ لا تشبع ، ومن دعوة لا تُستَجَاب لها " [مسلم] .
أنت حينما تدعو فلا يستجاب لك راجع حساباتك ، عندك خلل كبير، لكن ألا يذوب الإنسان محبة لله حينما يستمع إلى هذا الحديث ؟ : " إِنَّ رَبَّكُــمْ حَيِيٌّ كَـرِيمٌ ، يَستَحـي مـن عبـده إذا رَفَتعَ إليـه يديـه أنْ يَرُدَّهُمــا صِفْـــرا خَائِبَتَيْنِ " [أبو داود والترمذي] .
الله يستحي ، مثل بسيط : في أيام الشتاء الباردة ترتدي ثياباً سميكة ، ومعطفاً ، وتحمل حاجات بيدك ، يقول لك طفل : كم الساعة معك ؟ طفل ، تضع الحاجة على الأرض وتمسك يداً بيد ، وتبحث عن الساعة كي تجيبه ، فأنت مع طفل صغير سألك كم الساعة تضطر أن تضع الحاجة على الأرض ، وأن تزيح القماش عن الساعة ، وأن تجيبه ، فكيف بالواحد الديان ؟ إذا سأله عبده يا رب ارزقني رزقاً حلالاً ، ارزقني زوجة صالحة ، ارزقني أولاداً أبراراً ، ارزقني من خير الدنيا والآخرة .
الدعاء يقوي العقيدة وينقل الإنسان نقلتين نوعيتين :
أيها الأخوة الكرام ، الدعاء ينقلك نقلتين نوعيتين ، نقلة تزداد محبة لله عز وجل ، ونقلة نوعية أخرى تزداد علماً به .
لذلك قالوا : الدعاء يقوي العقيدة ، تدعوه يستجيب لك ، تنتقل نقلة نوعية ، تزداد محبة له ، وتزداد اعتقاداً بألوهيته ، وأنه : " فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ " [هود:107] .
" الدُّعاءُ مُخُّ العبادةِ " [الترمذي] .
على العبد أن يسأل الله مباشرة لعدم وجود وسيط بين المخلوق وربه :
لا أبالغ إذا قلت لعل أقرب اسم من أسماء الله الحسنى إلينا هو اسم " المجيب " حياتنا فيها متاعب كثيرة ، الله عز وجل يقول لك ادعُني يا عبدي ، وقال تعالى : " وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ " [غافر:60] .
وفي أكثر من عشر آيات : " يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ " [البقرة:219] .
" مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ " [البقرة:215] .
" عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ " [البقرة:222] .
إلا في آية واحدة تتميز : " وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي " ما في كلمة قل " وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ " استنبط العلماء من هذه الآية أنه ليس بين المخلوق وربه وسيط، اسأله مباشرة .
والحمد لله رب العالمين
مختارات
-
الليلة الرابعة
-
قصة بقرة بني إسرائيل
-
مخاضة الفتن
-
الشكر
-
" انكسرت سفينته فنجا على خشبة "
-
قال تعالى ( وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ....)
-
" معالم على طريق التوفيق : السابع عشر : عمرك الذهبي "
-
أنماط: (35) نمط الاحتماليون
-
هل يجوز الدعاء بشكل جماعي كأن يدعو الإمام بعد إلقاء المحاضرة مثلاً ؟ .
-
" القصة الثانية : " استغفِر الله، استغفر الله "