اسم الله الخالق 1
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
مِن أسماء الله الحسنى : ( الخالق ) :
أيها الإخوة الكرام ، مع اسم جديد من أسماء الله الحسنى ، والاسم اليوم هو اسم الله ( الخالق ) .
1 – ورودُ اسم ( الخالق ) في القرآن الكريم :
أيها الإخوة ، اسم ( الخالق ) يعني أن الله أوجد كل شيء من لا شيء ، وعلى غير مثال سابق ، بينما إذا وصف الإنسان مجازاً بأنه خالق بمعنى أنه صنع شيئاً واحداً من كل شيء ، وعلى مثال سابق ، والفرق كبير بين أن تصف الذي خلق السماوات والأرض بأنه خالقُ كلِّ شيء مِن لا شيء ، وعلى غير مثال سابق ، وبين إنسان صنع شيئاً مِن كل شيء ، وعلى مثال سابق .
2 – ورودُ اسم ( الخالق ) في السنة النبوية :
كن مع الخالق ولا تخشَ أحدًا :
كنت ذكرت لكم من قبل أن الإمام الحسن البصري كان عند والي البصرة ، فجاء توجيه من الخليفة ، لو نفذه لأغضب الله عز وجل ، ولو لم ينفذه لأغضب الخليفة ، فوقع الوالي في حرج شديد ، فقال مستنصحاً الإمام الحسن البصري : ماذا أفعل ؟ قال له : " إن الله يمنعك من يزيد ، ولكن يزيد لا يمنعك من الله " .
" لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق "
لأن الخالق يمنعك من المخلوق ، بينما المخلوق لا يمنعك من الخالق ، والإنسان كما تعلمون في قبضة الله عز وجل ، سمعك بيده ، بصرك بيده ، ضربات قلبك بيده ، ذاكرتك بيده ، حركتك بيده ، مَن حولك بيده ، مَن فوقك بيده ، مَن دون بيده ، إن الله يمنعك من يزيد ، ولكن يزيد لا يمنعك من الله .
" لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق "
بالمعنى الدقيق : لا إله إلا الله ، لا خافض ، ولا رافع ، ولا معز ، ولا مذل ، ولا معطي ، ولا مانع إلا الله ، هذا هو التوحيد ، وما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد ، اعمل لوجه واحد يكفِك الوجوه كلها .
مرة ثانية : هذا كلام دقيق جداً يحتاجه كل إنسان ، بل كل مَن رفعه الله ، بل كل مَن مكَّنه الله في الأرض ، إن عملت عملاً بحسب معطيات بيئة هذا المكان ، أو بحسب قوانين الحياة المستنبطة من هذا الظرف ، وهذه البيئة ، لو عملت عملاً في الظاهر يضعف مركزك ، لكنه يرضي الله ، فالله عز وجل يكافئك بمكافأة خاصة ، يخضعك إلى قانون العناية الإلهية ، فإذا بهذا العمل الذي في الظاهر يسخط مَن هو فوقك ، فإذا بهذا العمل يقوي مركزك عند مَن هو فوقك ، كيف ؟ لا نعلم .
المؤمن عنده جهة واحدة يخاف منها ، هي الله ، يخاف من الله ، ويرجو ما عند الله ، ويبتغي رضوان الله ، ويقبل على الله ، ولا تأخذه في الله لومة لائم ، هذه هي الحرية .
مِن معاني ( الخالق ) الشرعية :
1 – التقدير الصحيح :
هذه مخلوقات الله ، فالخلق بمعنى المخلوق .
الله عز وجل أعطاك كِلية بحجم البيضة ، تعمل بصمت ، بينما صنعَ الإنسانُ كِلية صناعية بحجم هذه الطاولة ، وتحتاج أن تستلقي على السرير ساعات قد تصل إلى ست ساعات ، في الأسبوع ثلاث مرات ، ومع ذلك الدم لا يصفَّى تصفية تامة ، بل تبقى بعض المواد الضارة تسبب ضيقًا في التعامل ، وألمًا ، ولكن الله سبحانه وتعالى جعل لك هذه الكِلية التي تعمل بانتظام ، وبلا صوت ، وبلا اقتطاع من قوتك : " هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ " إن أعلى آلة تصوير رقمية احترافية ، في الميلميتر المربع منها عشرة آلاف مستقبل ضوئي ، بينما في شبكية العين الميليمتر المربع مئة مليون مستقبل ضوئي ، لذلك العين البشرية تفرق بين ثمانية ملايين لون " هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ " .
أيها الإخوة ، من معاني الخلق التقدير الصحيح .
2 – الإيجادُ مِن عدم على غير مثال سابق :
من معاني الخلق إبداع الشيء من غير أصل ، ولا مثال سابق ، وإيجاد شيء من لا شيء .
3 – من معاني الخلق لغةً الكذب :
من معاني الخلق الكذب .
" إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَاناً وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً " [العنكبوت:17] أي تكذبون على الله .
" إِنْ هَذَا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ " [الشعراء:137] يعني إن هذا إلا افتراءات الأوّلين .
4 – تقديرُ الأمور وتنفيذُها :
أيها الإخوة ، الخلق بمعنى تقدير الأمور، وتنفيذها ، التقدير أولاً والتنفيذ ثانياً .
" ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقاً آَخَرَ " [المؤمنون:14] تخطيط وتنفيذ .
مراحل الخَلق :
من مراحل الخلق ، أنّ ( الخالق ) يقدِّر أولاً بعلم مسبق ، ثم يقدر ، بمعنى يوجِد ، ويصنع ، ويكوِّن ، على كلٍ أيّ مخلوق مهما عظُم شأنه ، أو دقَّ حجمه لا بد من أن يمر بأربع مراتب .
المرحلة الأولى :
المرحلة الأولى : علم الله السابق ، هناك علم أزلي ، وعلم الله السابق تقدير كل شيء قبل تصنيعه ، وتنظيم الأمور قبل إيجادها بعلم الله السابق .
المرحلة الثانية :
والمرحلة الثانية : مرحلة الكتابة ، كتب كل ما يخص كل مخلوق في لوح محفوظ ، وفي هذا اللوح تفاصيل كل شيء ، إيجاداً ، ونشأة ، وإعداداً .
المرحلة الثالثة :
والمرحلة الثالثة : مرحلة القدر ، وهي مرتبة تقابل مرتبة المشيئة .
المرحلة الرابعة :
والمرحلة الرابعة : مرحلة خلق الأشياء على خصائصها ، وصورها التي هي عليها علم أزلي .
في اللوح المحفوظ ، مرحلة التقدير ، مرحلة التصنيع .
الخالق وحده الذي يجب اتباع أوامره :
علاقةُ الطاعة والمعصية بثمارهما علاقة سببٍ بنتيجةٍ :
إن الجهة الوحيدة التي ينبغي أن تتبع تعليماتها هي الجهة الصانعة .
هناك مثَل من واقعنا : لو عندك حاسوب من أعلى مستوى ، من أرقى شركة ، ولهذه الشركة ورشة صيانة في بلدك ، هذا الحاسوب أصابه خلل ، ولك جار تحبه كثيراً يبيع خضراوات ، هل تدفع هذا الحاسوب إليه لتصليحه ؟ مع أنك تحبه ، تحبه ، ولكنه لا علاقة له بدقائق صنعة هذا الحاسوب ، تأخذه إلى الجهة الخبيرة ، والآية واضحة جداً : " وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ " .
أنت أيها الإنسان ، حينما تطيع الله معنى ذلك أنك تحب نفسك ، لأن الله هو الخبير ، قال لك : اضبط لسانك ليعلوَ مقامك ، قال لك : كن أميناً يثق الناس بك ، قال لك : غض بصرك تسعد بزوجتك ، حرر دخلك يبارك الله لك بمالك .
العلاقة بين الأمر ونتائجه وبين النهي ونتائجه علاقة علمية ، علاقة سبب بنتيجة ، بمعنى أنه لو جاء ملحد وطبق منهج الله يقطف ثماره ، لذلك إيجابيات العالم الغربي أكثرها إسلامية ، لا لأنهم يعبدون الله ، لكنهم أذكياء ، اكتشفوا أن هذه الأعمال تجعل هذا الإنسان يرتبط بهذه الجهة .
لذلك أنا أقول دائماً : أعطِ الإنسان رغيف خبزه وكرامته ، وخذ منه كل شيء ، أعطِ الإنسان رغيف خبزه وكرامته ، أعطه حاجته ، ومكانته ، وخذ منه كل شيء .
منهج الله موضوعي ، مَن طبَّقه قطف ثمارَه :
هذه الحقائق جاءت في القرآن الكريم ، لكن الذكي يكشفها من دون هذا الكتاب ، فلذلك أحياناً الإنسان الذي شرد عن الله ، دون أن يشعر يطبق تعليمات الخالق ، لا من باب عبادته ، ولا من باب التقرب منه ، ولكن ذكاءه هداه إلى أن هذا العمل لمصلحته ، فإذا ذهب الإنسان إلى بلاد الغرب ، ورأى دقة ، وصنعة متقنة ، والإنسان محترم ، هذه كشفت بالفكر البشري .
إنّ إيجابيات العالم الغربي إسلامية من دون أن يكون هؤلاء مسلمين ، ومنهج الله عز وجل منهج موضوعي ، لو طبقه إنسان ليس موضوعياً بخالق هذا الكون ، يقطف ثمار هذا المنهج ، لكن : " مَا لَهُ فِي الْآَخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ " [البقرة:102]يعني بشكل أو بآخر ، لو جئنا بإنسان يدير مؤسسة ، يحمل أعلى اختصاص في إدارة الأعمال ، وراقبناه ، ثم جئنا بإنسان مؤمن ، إيمانه من أعلى مستوى ، وراقبناه ، نكتشف اكتشافًا عجيبا ، أن الأول الذي درس إدارة الأعمال يشبه في فعله الثاني الذي كان عابداً لله ، الإدارتان تتشابهان من حيث النتائج ، وتفترقان من حيث البواعث ، المؤمن يطيع الله عز وجل ، فيربح الدنيا والآخرة معاً ، غير المؤمن يطبق هذه التعليمات ، لأنها موضوعية ، فيربح الدنيا ، إذا ربح الغربيون الدنيا لأنهم طبقوا التعليمات الصحيحة ، وإذا خسرنا الدنيا ، ونحن معنا وحي السماء ، لأننا خالفنا هذه التعليمات .
أيها الإخوة ، الآية الدقيقة جداً : " يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ " .
الآية الثانية : " وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ " .
كلام خالق الأكوان ، لا يضل عقله ، ولا تشقى نفسه .
لو جمعنا الآيتين ، لكان الذي يتبع هدى الله عز وجل لا يضل عقله ، ولا تشقى نفسه ، ولا يندم على ما فات ، ولا يخشى مما هو آت ، ماذا بقي من سعادة الدنيا ؟ لا يضل عقله ، ولا تشقى نفسه ، لا يندم على ما فات ، ولا يخشى مما هو آت .
خــاتمـة :
الملخص أنك إذا أحببت نفسك فقط، ينبغي أن تطبق تعليمات الصانع ، لأنه :
" وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً " [الأحزاب:71] فاز في الدنيا والآخرة .
المفعول به محذوف ، وإذا حذف المفعول أطلق الفعل : " اسْتَقِيمُوا وَلَنْ تُحْصُوا... " لن تحصوا الخيرات ، يا ترى راحة نفسية ، وسلامة جسدية ، ووفاق أسري ، وابن بار ، وسمعة طيبة ، وسرور : " اسْتَقِيمُوا وَلَنْ تُحْصُوا... " .
مختارات
-
" القلادة الرابعة والثلاثون "
-
قلبك المهشم كيف تهشم؟ ...."الجبّار"
-
اسم الله القهار 1
-
تابع " من أشراط السَّاعة الصغرى "
-
النسمة الأولى: الذنوب جراحات وآلام (3)
-
قال تعالى: ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلاً مِنْ أَنْفُسِكُمْ
-
" سالم مولى أبي حذيفة - بل نعم حامل القرآن "
-
لعلها بداية العهد
-
الرّبا وآثاره الاقتصاديّة
-
هل تصح هذه الأحاديث التي تدل على جواز استعمال المسبحة؟