الحج والنظام
حينما يتأمل الإنسان ركن الحج العظيم يجد فيه العديد والعديد من الفوائد والمنافع وصدق الله إذ يقول:{ لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ}[البقرة:28] ومن هذه المنافع الكثيرة منفعة هي من الأهمية بمكان كبير …إنهاتدريب الناس على النظام…نعم ولا تعجب..تأمل قول الله تعالى:{ فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ.. ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ.. فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ}[البقرة:198-200]..إنها أمور مرتبة شيئا فشيئا لا مكان للعشوائية ولا العبثية ولا الفوضى ولكن نظام محكم.
فكأن الحج وهو يؤدي هذه المناسك وتلك الشعائر يتمرس على النظام والبعد عن الفوضى في الأداء ومن ثم عليه بعد ذلك أن يحيا بهذا الأمر ويفعله في جميع شئونه فيكون منظما مرتبا في سائر أحواله.
ومن المؤسف حقيقة أن نسمع عن حوادث يسقط فيها قتلى في أثناء تأدية هذه المناسك فكأن هذا الدرس لم يتم استيعابه والوقوف عليه.
هناك نظامان في الحياة نظام الصف ونظام نسميه مجازا بنظام القطيع لأنه ليس بنظام ففي الأول يحترم كل إنسان دوره ومكان الآخر أمامه وخلفه أما نظام القطيع فهو الفوضى بعينها..جمع عشوائي يسير في هدوء فإذا حدث مثير وثب القوي على الضعيف وداس القادر على غيره وسقط الكثير في الزحام والإسلام يرغب في الشكل الأول.في نظام الصف بل إن هناك سورة في القرآن تحمل اسم سورة (الصف) وفيها يقول تعالى:{إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ}[الصف:4] بل أكثر من ذلك فالقرآن يخبرنا بأن نظام الصف هو الأمر القائم في الآخرة،قال تعالى:{وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا}[الكهف:48] {يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا لَا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ}[النبأ:38]..صف لا مجال للفوضى فيه.
بل إن الإنسان يتمرن على نظام الصف في يومه الواحد خمس مرات في الصلوات ويسمع تلك الكلمات التي تقرع أذنيه (تسوية الصف من إقامة الصلاة) [رواه البخاري]
لقد كان المصطفى صلوات الله وسلامه عليه يحرص على رص الصفوف وتسويتها بنفسه وهذا يدل على مدى أهمية النظام ومن الغريب حقا أن يقيم الإنسان نظام الصف في صلاته ونظام القطيع في بقية حياته وتأمل معي هذا النص العجيب.قال رسول الله: (أما يخشى أحدكم أو ألا يخشى أحدكم إذا رفع رأسه قبل الإمام أن يجعل الله رأسه رأس حمار أو يجعل صورته صورة حمار) [رواه البخاري]ولا تستغرب من هذا فالإنسان الذي يأبى إلا الشذوذ والخروج عن نظام الصف يكون أقرب لسلوك الحيوان ونظام القطيع
مختارات