اسم الله الخالق 2
من أسماء الله الحسنى ( الخالق ) :
آيات قرآنية شرحت اسم ( الخالق ) :
أيها الإخوة الكرام ، لا زلنا في اسم الله ( الخالق ) ومن الآيات التي شرحت معنى هذا الاسم قوله تعالى :
1 – الآية الأولى : " اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً " [الطلاق:12] .
علَّةُ خَلق السماوات والأرض لنعلم قدرة الله وعلْمَه :
فما قبِل حمل الأمانة كان المخلوق الأول ، ولما قبل حملَ الأمانة سخر الله له : " مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ " [الجاثية:13] .وسخر له أكرم من المسخر ، فالإنسان هو المخلوق الأول رتبة ، لأنه حمل الأمانة ، ولم يكن حينما قبِلها ظلوماً جهولاً ، بل كان طموحا ، فلما قبِل حمْلها ، ولم يقم بها : " كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً " [الأحزاب:72] فالآية تُفهم على معنيين ، إما أنها استفهام إنكاري ، حينما قبِل حمل الأمانة ، لم يكن : " ظَلُوماً جَهُولاً " أما حينما حملها ، وقصر في حملها ، ونسي وعدَ الله عز وجل ونسي عهد الله عز وجل " كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً " من هنا مكانة الإنسان بين أن يكون أعلى من الملائكة ، وبين أن يكون أدنى من الحيوان ، فقد ركِّب الملَك من عقل بلا شهوة ، وركِّب الحيوان من شهوة بلا عقل ، وركِّب الإنسان من كليهما ، فإن سما عقله على شهوته أصبح فوق الملائكة ، وإن سمت شهوته على عقله أصبح دون الحيوان .
لذلك : " اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا " ماذا ينبغي أن نعلم ؟ .
ماذا ينبغي أن نعلم ؟ لأن كل الخير في طاعة الله ، لأن كل السعادة في طاعة الله ، لأن كل السلامة في طاعة الله ، لأن كل العطاء في طاعة الله ، لأن جنة الدنيا في طاعة الله ، ولأن جنة الآخرة في طاعة الله ، ومتى تطيعه ؟ تطيعه حينما تعلم علم اليقين أن علمه يطولك ، وأن قدرتك تطولك .
من بين أسمائه الحسنى الـ99 اسمان فقط في هذه الآية : " اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً " حينما توقن أن علمه يطولك ، وأن قدرته تطولك ، لا يمكن أن تعصيه ، تماماً كمواطن يقود مركبته ، والإشارة حمراء ، والشرطي واقف ، وشرطي آخر على دراجة عجلات ، وضابط مرور في سيارته ، وهو مواطن من الدرجة الثانية ، لا يمكن أن يعصي هذه الإشارة ، لأن علم واضع قانون السير يطوله من خلال هذا الشرطي ، فإذا انطلق لم يعبأ بمن يتبعه ، فإذا تواطأ مع الأول فهناك من يضبط هذا التواطؤ ، أما متى يعصيه ؟ إذا كان الوقت ليلاً ليس هناك أحد يراقبه ، إذاً ما طاله علمُ واضع القانون ، أو كان هذا المخالف أقوى مِن واضع القانون ، ما دام يوقن أن علم واضع القانون يطوله ، وأن قدرته تطوله ، لا يمكن أن يعصيه : " اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً " .
أتحسب أنك جرم صغير وفيك انطوى العالم الأكبر
" إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ " [البينة:6] فبين أن يكون الإنسان خير البرية وبين أن يكون شر البرية ، إذاً علة خلق السماوات والأرض ونحن في اسم (الخالق) أن نعرفه ، ثم نوقن بأن علمه يطولنا ، وقدرته تطولنا ، فنطيعه ، فنسلم ، ونسعد بقربه في الدنيا والآخرة ، هذه آية توضح معنى خلق السماوات والأرض .
الآية الثانية :
إن كل إنسان حينما ينطلق من بيته فهناك هدف أمامه ، هذا ليكسب المال الحلال ، وذاك ليكسب المال الحرام ، هذا ليتزوج فيسعى لشراء بيت ، فيحصن نفسه بهذه الزوجة ، وهذا ليزني ، وهذا ليفعل خيراً ، وهذا ليفعل سوءاً : " إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى " ستة آلاف مليون إنسان في دماغ كل هؤلاء هدف : " إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى " .سعي الإنسان يندرج تحت فريقين :
ولكن هذا السعي يمكن أن يندرج في حقلين لا ثالث لهما :
الفريق الأول : آمن أنه مخلوق للجنة ، وأن الدنيا دار عمل ، وليست دار أمل ، وأن الدنيا دار تكليف ، وليست دار تشريف ، وأن الدنيا ممر وليست مقراً ، آمن الفريق الأول أنه مخلوق للجنة ، لذلك اتقى أن يعصي الله ، حرص على استقامته ، ولأنه مخلوق في الدنيا للجنة ، ومن أجل أن يدفع ثمن الجنة في الدنيا عمل الأعمال الصالحة ، بنى حياته على العطاء ، بالتعبير المعاصر : إستراتيجية المؤمن أنه يعطي .
الفريق الثاني :
الفريق الآخر : أيقن أنه مخلوق للدنيا ، ولا شيء بعد الدنيا ، فلما توهم هذا استغنى عن طاعة الله ، لم يعبأ بالشرع ، ولا بالحرام ، ولا بالحلال ، ولا بالمكروه ، ولا بالواجب ، ولا بما ينبغي ، ولا بما لا ينبغي ، استغنى عن طاعة الله ، ولأنه مخلوق بحسب وهمه للدنيا ، بنى حياته على الأخذ .
الفرق واضح ، والفرق صارخ ، والفرق بيّنٌ بين المؤمن وغير المؤمن ، المؤمن بنى حياته على العطاء ، يسعده أن يعطي ، مقاييسه تختلف عن مقاييس غير المؤمن 180 درجة ، هذا يعطي ، وهذا يأخذ .
الناس أتباع نبيٍّ أو قويٍّ :
صدق أنه مخلوق للجنة ، فاتقى أن يعصي الله ، وبنى حياته على العطاء ، دقق : " فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى " [الليل:7]ييسر لما خلق له ، خلق للسعادة ، خلق للسلامة ، خلق لجنة عرضها السماوات والأرض ، فالذي آمن بالله موجوداً ، وواحداً ، وكاملاً ، واتقى أن يعصيه ، وتقرب إليه بالعمل الصالح فالله يسوقه إلى الجنة . الفريق الآخر : "وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (8) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى " [الليل:8-9] كذب أنه مخلوق أنه مخلوق للجنة ، وصدق أو توهم أنه مخلوق للدنيا ، لذلك استغنى عن طاعة الله ، لا يعبأ لا بحلال ، ولا بحرام ، ولا بواجب ، ولا بفرض ، ولا بسنة ، ولا يجوز ، وبلا لا يجوز ، ولا بما هو مستحب ، ولا هو مكروه ، ولا بما ينبغي ، ولا بما لا ينبغي ، يجلس مع من يشاء ، يأكل ما يشاء ، يقتنص الأموال كيف يشاء ، يتابع شهوته كما يريد ، استغنى عن طاعة الله ، وبنى حياته على الأخذ ، يتوهم أن ذكاءه في الأخذ لا بالعطاء ، في أن يأخذ مال الآخرين ، وجهد الآخرين ، ويتلقى خدمات الآخرين ، أن يستعلي على الآخرين ، له ما ليس لغيره ، وعلى غيره ما ليس عليه " بَخِلَ "بنى حياته على الأخذ ، و " وَاسْتَغْنَى "عن طاعة الله ، و " وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى " لخلاف ما خلق له ، خلق لجنة عرضها السماوات والأرض ، هو الآن يمشي في طريق النار ، في طريق الشقاء ، في طريق البعد ، في طريق الإحباط ، في طريقة الألم ولن تجد طريقاً ثالثاً ، هذا هو التقسيم الإلهي ، هذا تقسيم خالق السماوات والأرض ، هو لماذا عصى الله ؟ من أجل المال ، لأن المال مادة الشهوات ، بالمال يشتري أجمل بيت ، بالمال يقتني أجمل مركبة ، بالمال يتزوج أجمل امرأة ، بالمال يستعلي على غيره ، بالمال يرتدي أجمل الثياب ، بالمال يأكل أطيب الطعام ." إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى " [الليل:12] ( على ) إذا جاءت مع لفظ الجلالة فتعني الإلزام الذاتي ، أي أن الله ألزم نفسه ذاتياً بهداية الخلق " إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى " .
الآية الثالثة :
" وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا " [الأعراف:180] .
الشهوة بين صحة الطريق وفساد الاستعمال :
الشر من مخلوق ، قبِل حمل الأمانة فأودع الله فيه الشهوات ، ليرقى بها إلى رب الأرض والسماوات ، فلم يعبأ بمنهج الله ، وتحرك بلا منهج ، الله عز وجل قال : " وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ " [القصص:50] تحرك حركة عشوائية ، بلا منهج ، بلا ضابط ، بلا قيم ، بلا مبادئ ، أراد إرواء شهوته بأي طريق ، فشقي وهلك في الدنيا .أيها الإخوة " وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا " .
صفة الفردية في الخالق ونصيب المخلوق منها :
الله عز وجل من أسمائه ومن صفاته أنه فرد . أحد ، هذه الصفة صفة الفردية والأحادية لكرامة الإنسان عنده أعطاها له ، فأنت فرد ، لا يشبهك أحد في الأرض ، بقزحية عينك ، وبنبرة صوتك ، وبرائحة جلدك ، وبصمة إبهامك ، وبأشياء كثيرة منها الزمرة النسيجية ، ومنها بلازما الدم ، ومنها النطفة ، فيتميز الإنسان بأنه فردي ، فما في الستة آلاف مليون إنسانٌ تشبه قزحية عينه قزحية عينك ، الآن في المطارات تؤخذ صورة القزحية على آلة تصوير ، لا يمكن أن يأتي إنسان مع جواز آخر مزور ، فقزحية العين هوية ، وبصمة الإبهام هوية ، ورائحة الجلد هوية ، ونبرة الصوت هوية ، والنطفة هوية ، ليس في نطفة البشر نطفة تسبه نطفتك .أيها الإخوة ، لكرامة الإنسان عند الله خلقه على صورته ، منحه الفردية ، الله عز وجل مريد ، يفعل ما يريد ، ولكرامة الإنسان عند الله منحه حرية الإرادة .
" وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ " [البقرة:148] منحك الفردية ، ومنحك الحرية .
الآية الرابعة :
الإبداع صفة الخالق ، ونصيبُ المخلوق منها :
ولكرامة الإنسان عنده منحه القدرة على الإبداع عن طريق الجينات ، صار عندنا نبات مهجن ، وحيوان مهجن ، ووردة سوداء ، ونباتان في نبات واحد ، لولا أن الله صمم مخلوقاته على أساس جيني لما استطاع الإنسان أن يبدع ، ولكرامة الإنسان عند الله سمح له أن يبدع .
صفة العلمِ ونصيبُ الإنسان من الاجتهادِ :
ولكرامة الإنسان عند الله سمح له أن يشرع ، عن طريق نص ظني الدلالة ، لو أن كل آيات القرآن الكريم قطعية الدلالة ، فلا مشرع ، ولا مجتهد ، ولا فقيه ، ولا عالم ، ولا أصول فقه ، ولا شيء إطلاقاً .نقول : أعطِ فلاناً 1500 درهم ، لا تحتاج هذه العبارة لا إلى تفسير الزمخشري ، ولا إلى فقه أبي حنيفة ، ولا إلى فقه الشافعي إطلاقاً ، لا يختلف عليها اثنان في الأرض ، أعطِ فلاناً 1500 درهم ، أما إذا جاء النص : أعطِ فلاناً ألف درهم ونصفه ، يا ترى على ما تعود الهاء ؟ على الألْف ؟ أم على الدرهم ؟ إن عادت على الألف فالمبلغ 1500 درهم ، وإن عادت على الدرهم فالمبلغ ألف ونصف درهم ، فالبخيل يفهم النص على أنه ألف ونصف درهم ، والكريم يفهمه 1500 ، يمتحن الناس بالنص ظني الدلالة ، شاءت حكمة الله أن يكون دينه ، في قرآنه ، وفي سنة نبيه نصوص ظنية الدلالة ، ليجتهد العالِم ، فما هو الاجتهاد ؟ الاجتهاد يكون فيما ليس فيه نص قطعي الدلالة : " وَآَتَوُا الزَّكَاةَ " [التوبة:11] يا ترى نعطي الفقير القمح أم المال ؟ شيء يحير ، العلماء اختلفوا ، لكن لماذا اختلفوا ؟ لأن الفقير في الريف إن أعطيته القمح أكل طوال العام خبزاً مِن صنعه ، أما إنسان يسكن في المدينة تعطيه كيس قمح فهو عبء عليه ، أين يطحنه ؟ وأين يخبزه ؟ فهذا النص ظني الدلالة ، إذاً يمكن أن تعطي الزكاة نقداً ، أو عيناً .
فكل شيء متغير ، متبدل بحسب جاء النص ظني الدلالة ليحتمل كل المتوقعات .
فلذلك لكرامة الإنسان على الله : " إن الله خَلَقَ آدَمَ على صورَتِهِ " منحه حرية الاختيار ، منحه الإبداع ، منحه التشريع ، منحه الفردية ، هذا معنى اجتهادي : " إن الله خَلَقَ آدَمَ على صورَتِهِ " الله عز وجل خالق السماوات والأرض .
عود على بدء : " يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ " [البقرة:21] هو الجهة التي تتبع تعليماته ، هو الجهة التي ينبغي أن تتبع تعليماتها ، لأنه : " وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ " [فاطر:14] .
مختارات
-
شرح (الدعاء قبل إتيان الزوجة )
-
" بين أبي مسلم وامرأة "
-
القاعدة الحادية عشرة: (وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى)
-
" الكــذب "
-
تابع " الحمدلة (الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) "
-
امتحـــان
-
القاعدة السابعة والثلاثون: فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ
-
الخوف، أعظم ســــائق إلى الله ..
-
" من أسباب دفع العقوبات : الدعاء "
-
" املك عليك لسانك "