اسم الله المؤخر 2
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
من أسماء الله الحسنى : ( المؤخر ) :
أيها الأخوة الكرام ، لا زلنا في اسم " المؤخر " .
من أصرّ على شيء من خير الدنيا أو الآخرة وكان صادقاً في إصراره أعطاه الله سؤله :
التقديم والتأخير أن يقدم إنسان في المال ، وأن يؤخر إنسان آخر في المال ، أن يقدم إنسان في الجاه ، وأن يكون إنسان آخر في التعتيم ، أن يقدم إنسان بالصحة ، وأن يؤخر إنسان بالصحة ، هذا التقديم والتأخير الذي تؤكده الآية الكريمة : " انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآَخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً " [الإسراء:21] هناك تفسير اجتهادي ، وأن الإنسان حينما يكون طموحاً في الدنيا أم في الآخرة لقوله تعالى : " مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَّدْحُورًا (18) وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَىٰ لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَٰئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا (19) كُلًّا نُّمِدُّ هَٰؤُلَاءِ وَهَٰؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ ۚ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا " [الإسراء:18-20] المعنى : أن كل إنسان إذا أصرّ على شيء من خير الدنيا أو الآخرة ، إذا أصرّ على الدنيا أو على الآخرة وكان صادقاً في إصراره ، من سنن الله عز وجل أن يعطيه سؤله " كُلّاً نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً " يستنبط أن الإنسان إذا أصرّ أن يكون أولاً في الدنيا الله عز وجل يؤتيه سؤله ، وأن الإنسان إذا أصرّ أن يكون أولاً في الآخرة يعطيه سؤله ، فالإنسان يعطى قدرات بقدر طلبه ، توزع القدرات متعلق بالاختيار ، إنسان ليس له أي هدف بالحياة إلا بيت صغير وقدراته العامة تغدو محدودة ، إنسان له طموح أن يترك أثراً كبيراً في الحياة ، يعطى قدرات أكبر .
فهذا التقديم والتأخير لحكمة بالغةٍ بالغةٍ بالغة .التقديم والتأخير متعلق بطلب الإنسان وطموحه :
التقديم والتأخير متعلق بطلب الإنسان ، التقديم والتأخير متعلق بطموح الإنسان ، فكلما كان الطموح أكثر آتاه الله لهذا الإنسان من القدرات ما تعينه على تحقيق أهدافه ، هذا تفسير اجتهادي بالتفاوت في القدرات بين البشر .
أيها الأخوة ، نستنبط أن التقديم متعلق بتطلعات الإنسان ، ومتعلق بحكمة الرحمن ، ومتعلق بعدالة الله ، في عدالة ، وفي حكمة ، وفي تطلع ، وفي طلب .
أيها الأخوة ، يستنبط أن الله إذا قدم عليك إنساناً في باب الخير معنى ذلك أن صدقه في فعل الخير أكبر من صدقك ، إذا قدم الله عليك إنساناً في العلم ، معنى ذلك أن صدقه في تعلم العلم وتعليم العلم أكبر من صدقك .
الصدق والعدل كلمتان تحكمان العلاقة بين الله وبين عباده :
أحياناً الله عز وجل يجري على يد إنسان إنجازاً كبيراً جداً قد يفوق إمكاناته ، لكن يتناسب مع صدقه ، منكم الصدق ومني العدل ، كلمتان تحكمان العلاقة بين الله وبين عباده ، أنتم تتفاوتون بالصدق ، وأنا أعاملكم بالعدل ، فإذا وجدت إنساناً مقدماً عليك في المال ، أو في الجاه ، أو في العلم ، أو في العمل الصالح ، معنى ذلك صدقه في طلب المال أكبر من صدقك ، وصدقه في أن يكون ذا مرتبة علية أكبر من صدقك ، وصدقه في أن يكون معطاءً أكبر من صدقك " كُلّاً نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً " .
هذا موضوع المقدم و " المؤخر " فيماا يتعلق بالحظوظ ، بحظك من المال ، بحظك من الجاه ، بحظك من فعل الخير ، بحظك من العلم .من معاني المؤخر :
1 ـ الذي قدم الأبرار وأخر الفجار : لكن من معاني " المؤخر " ، " المؤخر " هو الذي قدم الأبرار ، وأخر الفجار ، قد يكون الفاجر ذكياً لكنه لأنه فاجر يؤخره الله ، وقد يكون البار محدوداً لكن الله يقدمه .
" المؤخر " هو الذي قدم الأبرار ، وأخر الفجار ، قدم الأبرار وشغلهم به ، وأخر الفجار وشغلهم بالأغيار ، أحياناً ينشغل الإنسان بربه .
2 ـ الذي قرب أنبياءه وأحبابه وأبعد أعداءه : بعضهم قال : المقدم و " المؤخر " هو الذي يقرب ويبعد ، يقرب أحبابه ، ويبعد أعداءه .
لذلك أكبر عقاب يناله الإنسان من الله عز وجل الحجاب ، يُحجب عن الله ، يبعده الله ، يؤخره فهو " المؤخر " المنحرف غير المؤمن ، غير المستقيم ، الذي يعيش لذاته ، الذي يؤذي خلقه ، هذا يُحجب ويُبعد ويؤخر لأن الله هو " المؤخر " .
وأكبر مكافأة ينالها أحبابه أن الله سبحانه وتعالى يتجلى على قلوبهم ويقربهم فهو المقدم ، يقدم ، ويؤخر ، بحكمة ، بعدل ، باستحقاق .
وقال بعضهم : المقدم و " المؤخر " يقرب أنبياءه ، وأولياءه ، وأحبابه ، يقربهم ويهديهم ، ويؤخر أعداءه بإبعادهم وضرب الحجاب بينه وبينهم .
3 ـ الذي أخر قوماً تكبروا بغير الحق : الله تعالى هو " المؤخر " أي أنه يؤخر قوماً تكبروا بغير الحق ، من يستطيع أن يتكبر بالحق ؟ الله وحده ، لأنه صمد ، ذاتي الوجود ، ليس وجوده متعلقاً بجهة أخرى ، أما الذي يتكبر بغير الحق هو الإنسان الضعيف ، الذي هو في قبضة الله ، يعني حجم الإنسان ، مكانته، قدراته الكبيرة متعلقة بقطر شريانه التاجي ، فإذا سُدّ هذا الشريان كتبت النعوة ، أكبر إنسان ، أقوى إنسان ، أضخم إنسان ، متعلق بسيولة دمه ، فإذا تجمدت قطرة دم لا تزيد عن رأس دبوس في أحد أوعية الدماغ ، في مكان أصيب بالشلل ، في مكان أصيب بالعمى ، في مكان أصيب بفقد الذاكرة .
الإنسان هو الذي يتكبر بغير حقٍّ :
الإنسان بحجمه الكبير ، بقوته ، وهيمنته ، وجبروته متعلق بنمو خلاياه ، فإذا نمت نمواً عشوائياً انتهت حياته .
فالذي يتكبر بغير حق هو الإنسان ، لذلك قال تعالى ، انظر إلى اسم " المؤخر " : " سَأَصْرِفُ عَنْ آَيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آَيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً " [الأعراف:146] " سَأَصْرِفُ عَنْ آَيَاتِيَ "الدالة على عظمتي .
المتواضع يرى نفسه لا شيء أمام الذات الإلهية والمتكبر لا يرى الله إطلاقاً : لذلك هؤلاء الذين تكبروا بغير الحق الله عز وجل يؤخرهم .
لذلك هناك مصطلح جديد تأله الإنسان ، الإنسان المعاصر بإنجازات معينة ، إنجازات تقنية ، أو إنجازات علمية ، ألّه نفسه ، ورأى نفسه نداً للخالق ، يقول لك استنسخنا نعجة ، هناك مئتان وخمس وثمانون حالة لم تنجح سابقاً ، وهذه النعجة أصيبت بشيخوخة مبكرة غير معقولة ، لأنهم أرادوا طريقاً للخلق غير الطريق الذي رسمه الله عز وجل .الله المؤخر يؤخر بعض عباده تأخيراً جزائياً :
الملمح دقيق جداً ، متى أخرك الله ؟ هو " المؤخر " حينما تأخرت أنت ، تأخير الله هو تجسيد لرغبتك في التأخر .ينام ولا يفكر أن يصلي الفجر في وقته ، فعلاً بعد حين لا يستيقظ أبداً ، يقول لك لا أصحو ، أنا لا أستيقظ ، لما أراد ألا يصلي الفجر أخره الله عز وجل .
صار الله " المؤخر " تأخيراً جزائياً مبنياً على تأخر اختياري ، الله " المؤخر " يؤخر بعض عباده تأخيراً جزائياً مبنياً على تأخر اختياري .
المؤمن يقدم ما قدمه الله ويؤخر ما أخره الله :
على المؤمن أن يحذر من تقديم ما أخره الله ولو اجتمع الخلق على تقديمه :
أيها الأخوة ، ينبغي لمؤمن آمن بهذا الاسم " المؤخر " أن يحذر من تقديم ما أخره الله ، ولو اجتمع الخلق على تقديمه ، قد يجتمع الخلق على تقديم شيء ، على تقديم لعبة الكرة مثلاً ، أما أن تصبح هذه اللعبة ديناً ، الإنسان يحدد خصومه من خلال انتصار فريق على فريق ، الرياضة مطلوبة ، ومقبولة ، وضرورية لكن لا أن تكون ديناً ، فإذا قُدمت على أنها دين هناك مشكلة كبيرة .
الأزياء ليس من المعقول مصمم أزياء ليس مسلماً ، يصمم أزياء فاضحة لنساء المسلمين أنت جعلته مشرعاً ، إذا كان نمط الثياب هكذا أن تكون ضيقة ، أو أن تكون مظهرة لمفاتن المرأة ، ونحن خاضعون لهذا المصمم ، أنت قدمت إنساناً لا وزن له عند الله ورجحت مكانته على شرع الله القاضي بالتستر .
لذلك المؤمن الذي آمن بأن الله هو " المؤخر " وهو المقدم ، ليحذر أشد الحذر من تقديم ما أخره الله ، ولو اجتمع الخلق على تقديمه ، أو أن يؤخر ما قدمه الله ، ولو اجتمع الخلق على تأخيره ، فإن الدنيا ملك لله لا لهم ، ودخول الجنة بإذن الله لا بإذن مصممي الأزياء ، بإذن رب السماوات والأرض .
كل إنسان محاسب على عمله يوم القيامة :
قدمت صفقة فيها بضاعة مشبوهة ، فيها بضاعة محرمة ، لكن أرباحها طائلة ، قدمت صفقة على طاعة الله ، يقدم الغش على الاستقامة على أمر الله ، الإنسان أحياناً يقدم شهوته على طاعة ربه ، يقدم على كسب مال غير مشروع ، يقدمه على طاعة ربه ، كل إنسان يوم القيامة " يُنَبَّأُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ "جاءك خاطبان لابنتك ، الأول غني ، ووسيم ، ومتألق ، لكن دينه صفر ، والثاني شاب مؤمن ، مستقيم ، طائع لله ، لكن دخله قليل محدود ، فالناس يقدمون هذا على ذاك ، قدم ما ينبغي أن يؤخر ، وأخر ما ينبغي أن يقدم " يُنَبَّأُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ "هذا فضلته وهذا أهملته ، هذا أعطيته وهذا منعته ، هذه الشهوة فعلتها بخلاف منهج الله ، وهذه الطاعة تركتها بخلاف منهج الله ، قال تعالى : " يُنَبَّأُ الْإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ (13) بَلِ الْإِنسَانُ عَلَىٰ نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ (14) وَلَوْ أَلْقَىٰ مَعَاذِيرَهُ " [القيامة:13-15] .المؤمن الصادق يقدم ما يرضي الله ويؤخر ما يغضبه فهو أسعد إنسان في الدنيا :
أيها الأخوة ، الإنسان يقدم ويؤخر ، قال تعالى : " وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ " [الحجر:24] الذين يتقدمون للطاعات، وللأعمال الصالحات ، ولخدمة البشر ، هؤلاء يعلمهم الله ، والذي يؤخرون عطاءهم عمن يستحقه ، يؤخرون عملهم عمن يستحقه ، أيضاً يعلمهم الله " وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ " .
وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " اللَّهمَّ ربِّ اغْفِر لي خَطِيئَتي وجَهلي ، وإسرَافي في أمري ، وما أَنت أَعلم به مني ، اللَّهمَّ اغْفِر لي جِدِّي وهَزْلي ، وخَطَئي وعَمْدي ، وكلُّ ذلك عندي ، اللَّهمَّ اغْفِر لي ما قَدَّمتُ وما أخَّرتُ ـ وما من حقه التأخير ـ اللَّهمَّ اغْفِر لي ما قَدَّمتُ وما أخَّرتُ ، وما أسْرَرتُ وما أَعلنتُ ، وما أنْتَ أعْلَمُ به مني ، أنتَ الْمُقَدِّمُ ، وأنت المُؤخِّرُ ، وَأَنتَ على كلِّ شيءٍ قَدِيرٌ " [البخاري] .بطولة المؤمن أن تكون مقاييسه وفق مقاييس القرآن الكريم :
لا يوجد إنسان إلا وعنده مقاييس ، بطولة المؤمن أن تكون مقاييسه وفق مقاييس القرآن الكريم ، الله عز وجل قال : " هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ " [الزمر:9]الله عز وجل يقول : " يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ " [المجادلة:11] الله عز وجل يقول : " وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا " [الأنعام:123] .من قدم ما حقه التأخير يؤدبه الله عز وجل إذا كان مؤمناً :
المؤمن يقدم ما حقه التقديم ، ويؤخر ما حقه التأخير ، والمؤمن يتخذ مقاييس متوافقة مع مقاييس القرآن .
إنسان عليه زكاة مال ( القصة وقعت في الشام ) رجل أعرفه زكاة ماله تقدر بعشرة آلاف و أربعمئة وخمسين ليرة ، زوجته ضغطت عليه من أجل طلاء البيت ، وتجديده ، عليه زكاة يجب أن يؤديها ، والبيت بحاجة إلى طلاء من أجل تجديده ، من شدة الضغط الذي تلقاه من زوجته قدم طلاء البيت على دفع زكاة ماله ، هذا الذي حصل ، له مركبة ، صار معه حادث ، يقسم لي بالله : كلفة إصلاح المركبة وطلائها ، وثمن القطع قدر بعشرة آلاف وأربعمئة وخمسين ليرة بالضبط ، الرقم متطابق مع زكاة ماله مئة بالمئة ، هو قدم طلاء البيت استجابة لضغط زوجته على أداء الزكاة وهي فرض فعاقبه الله عز وجل بحادث ، دفع هذا المبلغ الذي يساوي الزكاة تماماً على إصلاح مركبته ديناً .
فلذلك الإنسان إذا قدم ما حقه التأخير يؤدبه الله عز وجل إذا كان مؤمناً ، وإذا أخر ما حقه التقديم إذا كان مؤمناً الله يؤدبه .
فالبطولة أن تقدم ما قدمه الله ، وأن تؤخر ما أخره الله ، وأن ترعى حق الله وحق الناس ، وأن تأتي مقاييسك متوافقة مع مقاييس القرآن الكريم، عندئذٍ تكون قد استفدت من اسم المقدم و " المؤخر " الله مقدم ومؤخر .