اسم الله القاهر 1
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
من أسماء الله الحسنى: (القاهر):
1 ـ القاهر علمٌ مع الدلالة على كمال الوصفية:
أيها الإخوة الأكارم، مع اسم جديد من أسماء الله الحسنى، وهو اسم (القاهر) وقد سمى الله نفسه (القاهر) مراداً به العلمية، ودالاً على كمال الوصفية.
2 ـ ثبوت اسم القاهر في الكتاب العزيز:
وقد ورد هذا الاسم في موضعين فقط في القرآن الكريم، ولم يرِد في السنة، قال تعالى: " وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ " [الأنعام:18].
وقال تعالى: " وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ " [الأنعام:61].
أسماء الله كلها حسنى: أيها الإخوة، الله جل جلاله له أسماء جلال، وله أسماء كمال، والإنسان يحب القوي، يحب أن يكون مع القوي، يحب أن يكون تابعاً لقوي، يحب أن يعتز بالقوي، يحب أن يلجأ إلى القوي، وأسماء الله كلها حسنى، وصفاته كلها فضلى.
" وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا " [الأعراف:180].
نحن في حياتنا اليومية قد نجد صديقاً طيباً جداً، لكنه ضعيف، نعجب بطيبه، ولا يعجبنا ضعفه، وقد نجد إنساناً قوياً، لكنه ليس بطيب، لا تعجبنا قوته مع خبثه، ولا يعجبنا طيب هذا الإنسان مع ضعفه، فمتى نعجب بإنسان؟ إذا كان في الوقت نفسه من القوة حيث لا يستطيع أحد ينال منه، ومن الطيب والكمال حيث تتعلق النفوس به، هذا هو الكمال المطلق ؛ أن تكون قوياً، وأن تكون كاملاً.
" لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ " [التغابن:1].
هناك إنسان له الملك، لكن ليس له الحمد، وإنسان له الحمد، لكن ليس له الملك، فلذلك الكمال البشري يتعلق بالكمال الإلهي، وأجمل شيء في حياة المؤمن أنه مع القوي، وأنه مع الغني، وأنه مع العليم، وأنه مع الرحيم، وانتماء المؤمن إلى الله عز وجل انتماء حقيقي.
إذا كان الله معك كنتَ أقوى الناس:
كيف أن الإنسان أحياناً يكون ابن ملِك، كيف يشعر في بلد طويل عريض؟ في بلد فيه مؤسسات، فيه وزارات، فيه جيش، فيه شرطة، لأنه ابن الملك يشعر باعتزاز، يشعر أن قوته من قوة الملك، يشعر أن كرامته من كرامة الملك، صدقوا أيها الإخوة، هذا شعور المؤمن مع الله عزوجل.
اجعل لربك كل عزك يستقر ويثبت فإذا اعتززت بمن يموت فإن عزك ميت
لا بد من أن تحب، ومن طبيعة البشر أن يحب البشر، ولكن البطولة من تحب؟ من توالي؟ من تعظم؟ المؤمن يحب الله، ويتعامل مع الخلق جميعاً، وقلبه لله عز وجل.
سيدنا النبي عليه الصلاة والسلام يقول: " لو كنت متخذاً من العباد خليلاً لكان أبو بكر خليلي، ولكن أخ وصاحب في الله ".
3 ـ صفة القهر صفة كمال مطلق لله تعالى:
يعتز بالله، الله عز وجل هو (القاهر) لكنه كامل، لا يقهر إلا الظالمين، فقد تلتقي بقوي يقهر الطيبين، ينتقم من المؤمنين، لكن الله عز وجل كامل كمال مطلق.
لا إله إلا أنت الحليم الكريم، لا إله إلا أنت القوي الوحيد، لا معبود بحق إلا الله، لا معطي، ولا مانع، ولا معز، ولا مذل إلا الله، هو القوي، لكنه رحيم، قوي لكنه عدل، قوي لكنه عليم، قوي لكنه حكيم، القوة مطلوبة مع الكمال، والذي نلاحظه أحياناً أن العالم الإسلامي معه وحي، معه حق، معه قرآن، معه تعليمات الصانع، لكنه ضعيف.
لذلك انصرف الناس عن المسلمين لأنهم ضعاف، وقد يقول قائل: ما نصيبك من هذا الاسم؟ يجب أن تكون قوياً.
" وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ (39) وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ " [الشورى:39-40].
ما منا واحد إلا ويعتز بالبطل صلاح الدين الأيوبي، حينما انتصر على 27 جيشاً من جيوش الفرنجة، ودخل القدس، وقام خطيب القدس يذكر بعض الآيات الكريمة التي تبين أنه قد انقضى عهد الظالمين.
أيها الإخوة، الإنسان يحب الله، لأن الله كامل وقوي، (قاهر) كماله يمنعه أن يقهر الطيبين.
بالمناسبة: حيثما جاءت (على) مع لفظ الجلالة فتعني الإلزام الذاتي، قال تعالى: " إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ " [هود:56].
" وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا " [هود:6].
حيثما جاءت (على) مع لفظ الجلالة فتعني أن الله عز وجل ألزم نفسه بهذا الكمال.
4 ـ معنى (القاهر) في اللغة:
أيها الإخوة (القاهر) في اللغة اسم فاعل مِن قهر يقهر قهراً فهو قاهرٌ، وقهرت الشيء غلبته، وعلوت عليه مع إذلاله بالاضطرار، تقول: أخذتهم قهراً، أي من غير رضاهم، وأُقهر الرجل إذا وجدته مقهوراً، أو صار أمره إلى ذل، وإلى صغار، وعند الترمذي من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في شأن يأجوج ومأجوج: " قَهَرْنَا مَنْ فِي الْأَرْضِ، وَعَلَوْنَا مَنْ فِي السَّمَاءِ قَسْوَةً وَعُلُوًّا " [الترمذي عن أبي هريرة].
النقطة الدقيقة جداً في هذا الاسم: أن الله كامل، لا يقهر إلا الظالمين، إلا المنحرفين، إلا المتغطرسين، وحينما يرى الإنسان غطرسة لا تحتمل، وعلواً في الأرض لا يحتمل، وسفكاً في الدماء لا يحتمل، وانتهاكاً للحرمات لا يحتمل، مثل هذا الإنسان إذا رأى قوة بطشت، وأنهت هذا الظلم، أنهت هذا العدوان، أنهت هذا الطغيان يرتاح أشد الراحة، هذا معنى اسم (القاهر) الذي هو من أسماء الله الحسنى.
5 ـ القهَّار صيغة مبالغة لاسم (القاهر) في الشرع:
وهذا المعنى أيضاً يلتقي مع اسم القهار، القهار صيغة مبالغة (القاهر) اسم فاعل من قهر، بينما القهار صيغة مبالغة لاسم الفاعل، وقد بينت كثيراً أن صيغة المبالغة إن جاءت مع أسماء الله الحسنى فتعني شيئاً آخر، تعني أن الله يقهر أكبر قوة مهما عتت وعلت وبغت.
هناك قوى في الشرق كانت تملك من القنابل النووية ما تستطيع أن تبيد القارات الخمس خمس مرات، وقد قهرها الله عز وجل، وأصبحت في الوحل.
فلذلك يقول الله عز وجل: " إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً " [الإسراء:81].
القهار يقهر أكبر قوة تظنها لا تقهر، لذلك قالوا: عرفت الله من نهض العزائم، وفي حالات كثيرة ترى إنسانا متغطرسا جبارا، يتلذذ بقتل الأبرياء، وانتهالك الحرمات، يتلذذ بهدم البيوت، لا يموت، وفي صورة أخيرة لهذا الذي هدم سبعين ألف بيت بغزة بشكل قميء زري نقلت في الإنترنت، بقي ثلاث سنوات طريح فراش، ولم يمت بعد، لذلك سبحان من قهر عباده بالموت.
6 ـ معنى اسم (القاهر):
أيها الإخوة (القاهر) سبحانه وتعالى هو الغالب على جميع الخلائق، وهو يعلو في قهره وقوته، فلا غالب ولا منازع، بل كل شيء تحت قهره وسلطانه.
" مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ " [المؤمنون:91].
هو الواحد الأحد الفرد الصمد، المتفرد بالقوة والجلال، القاهر فوق عباده وهناك أسماء كثيرة تقترب من هذا الاسم، منها المنتقم، لذلك كن مع الله فأنت قوي.
كن مع الله تر الله معك واترك الكل وحاذر طمعــك
وإذا أعطاك من يمنعـه ثـم من يعطي إذا ما منعك
الله عز وجل حينما قال عن نفسه: " وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ " أي هو الذي قهر كل شيء، وخضع لجلاله كل شيء، وذل لعظمته وكبريائه كل شيء.
7 ـ لا ينازع أحدٌ الله في جبروته وقهره:
لذلك أي إنسان ـ دققوا ـ من ينازع الله كبرياءه وعظمته يقصمه الله.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: " الْكِبْرِيَاءُ رِدَائِي، وَالْعَظَمَةُ إِزَارِي، فَمَنْ نَازَعَنِي وَاحِدًا مِنْهُمَا قَذَفْتُهُ فِي النَّارِ " [أبو داود].
وفي ضوء هذا الاسم أيها الإخوة، أمة قوية جداً، تملك من الأسلحة ما لا يوصف، تفردت بقيادة العالم، لا تنطوي على كمال إطلاقاً، تخطط لبناء مجدها على أنقاض الشعوب، وبناء رخائها على إفقار الشعوب، وبناء عزها على الشعوب، وبناء غناها على إفقار الشعوب، أن تنجح خططها على المدى البعيد، وصدقوا ولا أبالغ هذا لا يتناقض مع عدل الله فحسب، بل مع وجوده.
" الْكِبْرِيَاءُ رِدَائِي، وَالْعَظَمَةُ إِزَارِي، فَمَنْ نَازَعَنِي وَاحِدًا مِنْهُمَا قَذَفْتُهُ فِي النَّارِ ".
يستحيل أن يكون لهذا العالم إلا إله واحد، لأنه الله: " الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ ".
8 ـ من لوازم (القاهر) العلوُّ والغلبة:
له العلو والغلبة، فلو فرضنا وجود إلهيين اثنين مختلفين، ومتضادين، وأراد أحدهما شيئاً خالفه الآخر فلابد عند التنازع من غالب وخاسر، فالذي لا تنفذ إرادته هو المغلوب العاجز، والذي نفذت إرادته هو القاهر القادر، فلمَ تدعي جهة أنها خلقت السماوات والأرض؟ ولم تدّعي جهة أخرى أنها قهرت عبادها، لذلك: " وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ ".
مرة ثانية: " الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ ".
وهو الذي قهر كل شيء، وخضع لجلاله كل شيء، وذل لعظمته وكبريائه كل شيء، وعلا على عرشه فوق كل شيء.
قال بعض العلماء: (القاهر) أي ؛ المذلل، المستعبد لخلقه، العالي عليهم، وإنما قال: فوق عباده، لأنه وصف تعالى نفسه بقهره إياهم، ومن صفة كل قاهر شيئاً أن يكون مستعلياً عليه، فمعنى الكلام إذاً غالب عباده المذل لهم إذا طغوا، وبغوا وفسدوا، العالي عليهم بتذليله لهم وخلقه إياهم فهو فوقهم بقهره إياهم وهم دونه.
تخضع للقوي لكنه عادل، تخضع للقوي لكنه رحيم، تخضع للقوي لكنه يسمعك لذلك أنت تدعو من؟ تدعو جهة موجودة، تؤمن بوجودها حتماً، وتدعو جهة تسمعك، فإن سكت تعلم ما في نفسك، فإن تحركت رأتك، وإن تكلمت سمعتك، إن أسررت علمت ما في نفسك، إن تحركت رأتك، فأنت تدعو جهة تدعو على تلبية طلبك، ولو بدا لك مستحيلاً، تدعو جهة تحب أن ترحمك، هذا هو الله عز وجل.
فلذلك الحياة مع الإيمان بالله حياة رائعة فيها عز، فيها قوة، فيها راحة، فيها استسلام، فيها رضا، فيها طاعة.
اجعل لربـــك كل عـزـــك يستقــر ويثبــت
فإذا اعتززت بمن يمــــوت فإن عزك ميت
9 ـ نصيب المؤمن من اسم (القاهر):
أيها الإخوة، الآن أنت ما نصيبك من هذا الاسم؟ هو قاهر.
" وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ "
الاستسلام والخنوع، والتماوت، والتضعضع ليس من صفات المؤمن.
" وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ "
اللهُ معك، استعن بالله ولا تعجز، فالخضوع، والقلق، والخوف، والاستسلام، والتطامن ليس هذا من صفات المؤمن، أنت عبد القاهر، أنت عبد القوي، أنت عبد الغني.
إذا توهمت أن الله لا ينصرك ولا يدافع عنك وأنت المؤمن وأنت المستقيم فقد وقعت في سوء ظن كبير لأن الله لا يتخلى عن عباده المؤمنين بل إن الله لا يعذب عباده المحبين والدليل: " وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ " لم يقبل دعواهم بل رد عليهم: " قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ " [المائدة:18].
الإمام الشافعي رحمه الله تعالى استنبط من هذه الآية: أن الله لا يعذب أحبابه.
أنت مع القوي، بربكم هذه القصص التي وردت في القرآن عن الأنبياء هي لمن؟ هل هي لهم؟ ماتوا وانتهوا، هي لنا، فأيّ مصيبة تفوق حد الخيال؟.
قصص تؤكد قهر الله وغلبته:
1 ـ سيدنا يونس في بطن الحوت قصة وقانون:
أحيانا يكون دخلُ الإنسان قليلا، وعنده مرض، عنده مشكلة في بيته، عنده مشكلة في عمله، عنده ابن معاق، أما أن يجد نفسه فجأة في بطن حوت وزنه 150 طنًّا ! وجبته المعتدلة بين الوجبتين 4 أطنان، و الإنسان وزنه 70 كغ، فهو لقمة واحدة، وجد نفسه في بطن حوت، في ظلمة بطن الحوت، وفي ظلمة البحر، وفي ظلمة الليل: " فَنَادَىٰ فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ " [الأنبياء:87-88].
القصة انتهت، إياك، ثم إياك، ثم إياك أن تتوهم أن هذه القصة وقعت ولن تقع مرة ثانية، هذه وقعت وتقع كل يوم، الدليل التعقيب الذي جاء بعدها: " وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ " [الأنبياء:88].
قلَبها اللهُ من قصة إلى قانون: " وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ ".
هذه القصة لنا.
2 ـ سيدنا موسى مع فرعون:
سيدنا موسى مع أتباعه حينما كانوا في اتجاه البحر، وراءهم فرعون بجبروته، بقوته، بأسلحته، بحقده، ولكل عصر فرعون.
" قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (61) قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ " [الشعراء:61-62].
تعلّموا أيها الإخوة من الأنبياء العظام ثقتَهم بالواحد الديان، تعلموا منهم اعتزازهم بالله عز وجل.
3 ـ النبي عليه الصلاة والسلام في غار حراء:
في غار حراء، وقعت عين المشركين على عين الصديق، قال: يا رسول الله لقد رأونا، قال: " يا أبا بكر، ما ظنك باثنين الله ثالثهما؟ " [أخرجه البخاري، ومسلم، والترمذي عن أنس بن مالك].
ألم تقرأ قوله تعالى: " وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ " [الأعراف:198].
4 ـ النبي عليه الصلاة والسلام مطارد مهدور الدم:
ذهب إلى الطائف، ودعا أهلها، كذبوه، وسخروا منه، وأغروا صبيانهم بإيذائه، وسال الدم الشريف من قدمه، وعاد إلى مكة، مكة أخرجته، مكة كفرت به، مكة تخلت عنه، لم يبقَ له أحد، إن صح التعبير أن للدعوة الإسلامية نهاية صغرى، ففي الطائف الخط البياني هبط إلى النهاية الصغرى، الآن يعود النبي إلى مكة، يسأله زيد: يا رسول الله، كيف ترجع إليها وقد أخرجتك؟ ما لك أحد فيها، والله قال قولة تملأ القلب طمأنينة، قال: " إن الله ناصر نبيه " ثقته بالله عجيبة.
هو في الهجرة هُدر دمه، مئة ناقة لمن يأتي به حياً أو ميتاً، انتهى، يتبعه سراقة، يقول له: يا سراقة ـ دقق في كلام النبي ـ كيف بك إذا لبست سوار كسرى، معنى هذا الكلام أنني سأصل، وسأصل سالماً، وسأؤسس دولة، وسأنشئ جيشاً، وسأحارب أكبر دولة، وسأنتصر عليها، وستأتيني غنائمها، ولك يا سراقة سوار كسرى، وفي عهد عمر جاءت كنوز كسرى، وسأل عمر عن سراقة، أعطاه سوار كسرى، وألبسه، وقال: بَخٍ بخٍ، أعيرابي من بني مدلج يلبس سوار كسرى !.
خاتمة:
أخطر شيء في حياتنا اليأس، أخطر شيء بحياتنا التطامن، أن تقول: انتهينا، ما انتهينا، أنت مع الله، والله عز وجل لا يتخلى عن عباده.
" وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ " [محمد:35].
" وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ " [آل عمران:139].
لذلك أفضل حالة أن تكون مع القوي، وأن تعتز بالقوي، وأن تعتز بالقاهر، وأن تعتز بالقهار، وأن تستمد قوتك منه، وأن تشعر بعزة وكرامة: " وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ " [آل عمران:139].
" وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ " [آل عمران:140].
لو أن الله عز وجل سلم الأرض للأقوياء فقط، للكفار ليئس المؤمنون، ولو سلمها للمؤمنين لنافق جميع الناس لهم: " وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا " مرة بيد الأقوياء الكفار، ومرة بيد المؤمنين، ونصيبنا في هذه الحياة أننا في عصر القوة مع الطرف الآخر، فلنصبر، ونحتسب، والله عز وجل لن يضيعنا.
مختارات