اسم الله القاهر 2
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
من أسماء الله الحسنى ( القاهر ) :
1 ـ سبحان مَن قهر عبادَه بكل أنواع القهر :
أيها الإخوة الكرام ، لا زلنا في اسم الله ( القاهر ) والمقولة التي يرددها معظم المسلمين : سبحان من قهر عباده بالموت ، وقد ورد في بعض الأحاديث الشريفة : " بادِرُوا بالأعمال سبعا : هل تُنْظَرون إلا فَقْرا مُنْسيا ، أو غِني مُطغيا ، أو مَرَضا مُفسِدا ، أو هَرَما مُفنِدا ، أو موتا مُجْهِزا ، والدجالَ ؟ والدَّجَّالُ شَرُّ غائب يُنَتظَرُ والساعةَ ؟ والساعةُ أدْهَى وأمرُّ " [أخرجه الترمذي والنسائي عن أبي هريرة] .
هل يمكن أن يستيقظ الإنسان كل يوم كاليوم السابق إلى ما شاء الله ؟ مستحيل وألف ألف مستحيل ! .
" هل تُنْظَرون إلا فَقْرا مُنْسيا ، أو غِني مُطغيا ، أو مَرَضا مُفسِدا ، أو هَرَما مُفنِدا ، أو موتا مُجْهِزا ، والدجالَ ؟ والدَّجَّالُ شَرُّ غائب يُنَتظَرُ ، والساعةَ ؟ والساعةُ أدْهَى وأمرُّ " .
سبحان من قهر عباده بالموت ، وأحياناً يقهر المرء بالمرض ، وأحياناً يقهر بالفقر ، وقد يقهر بالغنى المطغي ، كان مستقيماً فانحرف ، هذا قهر أيضاً .
أيها الإخوة ، الآية الكريمة : " وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا " [الأعراف:180] .
والقاهر من أسماء الله الحسنى ، يقهر الجبابرة ، يقهر الظالمين ، يقهر المتجبرين لذلك في بعض الأدعية التي نقرأها كثيراً في قنوت الصلوات : " اللهم اهدنا فيمن هديت ، وعافنا فيمن عافيت ، وتولنا فيمن توليت ، وبارك لنا فيما أعطيت ، وقنا واصرف عنا شر ما قضيت ، فإنك تقضي بالحق ولا يقضى عليك " [أخرجه أبو داوود، والترمذي، والنسائي عن ا لحسن بن علي بن أبي طالب] .
الهدى أعظمُ نعمةٍ :
دققوا ، النعمة الأولى : نعمة الهدى ، ولا نعمة قبلها ، ونعمة الهدى تشبه الرقم واحد ، فإذا أضيف إليها نعمة الصحة فهي صفر أمامها ، صاروا عشرة ، فإذا أضيفت نعمة أمامها فهي صفر آخر ، نعمة الكفاية ، ويمكن أن تضيف النعم أمام هذا الواحد إلى ما شاء الله ، لكن تأكد أن هذه النعمة الأولى نعمة الهدى ، هي الرقم واحد ، فلو حذفته لكانت كل النعم الأخرى أصفاراً ، لا قيمة لها .
2 ـ سبحان مَن قهر عبادَه بالموت :
لأن الموت ينهي كل ينهي كل شيء ، ينهي قوة القوي وضعف الضعيف ، ينهي غنى الغني وفقر الفقير ، ينهي وسامة الوسيم ودمامة الدميم ، ينهي صحة الصحيح ومرض المريض ، الهدى نعمة مستمرة بعد الموت ، وما سوى الهدى نعمة منقطعة عند الموت وتأكد أن أي نعمة وهبك الله إياها ليس معها الهدى تنتهي عند الموت ، وليست عطاءً ، لأن كرم الله عز وجل لا يمكن أن يكون بنعمة منقطعة ، نعم الله الحقيقية مستمرة بعد الموت .
ابحثْ عن نعمةٍ لتدّخرها لِما بعد الموت :
فلذلك البطولة أن تتمتع بنعمة تسعدك بعد الموت ، أما نعم الحياة الدنيا على أنها نعم طبعاً ، لكن تنتهي عند الموت ، من بيت إلى قبر ، من منصب إلى قبر ، من انغماس في اللّذات إلى قبر ، أما المؤمن فنعمه مستمرة بعد الموت ، وهي متنامية ، البطولة ، والتوفيق والذكاء أن تبحث عن نعمة ليس الموت نهاية لها ، أي عطاء ينتهي بالموت بالحقيقة ليس نعمة من النعم التي أرادها الله .
لذلك فلينظر ناظر بعقله أن الله أكرم محمدا صلى الله عليه وسلم أم أهانه حين زوى عنه الدنيا ، فإن قال : أهانه ، فقد كذب ، وإن قال : أكرمه فلقد أهان غيره حيث أعطاه الدنيا .
بشكل موضوعي : إن الله يعطي المُلك لمن يحب ، ولمن لا يحب ، أعطى الملك لنبي كريم سيدنا سليمان ، وأعطاه لعدوه فرعون ، فما دامت هذه النعمة تعطى لعدو الله و لصفيه إذاً فليست مقياساً ، أعطى المال لقارون ، وهو لا يحبه ، أعطى المال لصحابة كرام كسيدنا عثمان ، وهو يحبه ، فما دامت النعمة الواحدة تعطى لمن يحب ولمن لا يحب فإذاً ليست النعمة التي في الدنيا مقياساً على محبة الله .
3 ـ دعاء عظيم يتجلى فيه اسم ( القاهر ) :
البطولة أن تكون مهتدياً ، حتى إن بعضهم قال : تمام النعمة الهدى ، لذلك هذا الدعاء :
اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ ، وَعَافِنِي فِيمَنْ عَافَيْتَ :
" اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ "
ما النعمة التي تأتي بعد الهدى ؟ الصحة .
" وَعَافِنِي فِيمَنْ عَافَيْتَ " [الترمذي، ابن ماجه، أحمد] .
وما من دعاء كان عليه الصلاة والسلام يكثر منه كقوله صلى الله عليه وسلم : " اللهم ارزقنا العفو والعافية ، والمعافاة الدائمة في الدين والدنيا والآخرة " [الجامع الصغير عن أبي هريرة بسند صحيح] .
هناك أمراض تجعل حياة الإنسان جحيماً لا يطاق ، وهناك أمراض لا قيمة للمال معها ، بل لا قيمة لكل النعم المادية معها .
فلذلك من أدعية النبي عليه الصلاة والسلام : " اللهم إنا نعوذ بك من عضال الداء ، ومن شماتة الأعداء ، ومن السلب بعد العطاء " [ورد في الأثر] .
" اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ ، وَعَافِنِي فِيمَنْ عَافَيْتَ ، وَتَوَلَّنِي " .
نعمة المتابعة الربانية للعبد :
أحياناً الله يتابعك في خطأ ، تدفع ثمنه ، في موقف فيه كِبر فيضعك في موقف صعب جداً فيه إهانة ، في موقف فيه إسراف فيضعك في موقف فيه تقتير ، يقتر عليك ، وفي موقف الاستعلاء تتحجم ، أحياناً يشعر الإنسان أن الله يتابعه .
أقول لكم من أعماقي : من كان يشعر أن الله يتابعه فهو في خير عميم ، فهو ممن خضع لعناية الله المشددة ، فهو ممن يرجى شفاءه ، لكن المصيبة الكبرى أن يسترسل الإنسان في الخطأ ، والله عز وجل يَدَعه وخطأه ، وخطر كبير أن يخطئ الإنسان ، أو يستعلي ، أو يأكل مالاً حراماً ، والله يتركه مع خطئه ، لكن المؤمن يحبه الله عز وجل ، فإذا أحبه ابتلاه ، وتابعه ، فالأفضل ألف مرة أن تتابع من قِبل الله عز وجل على كل خطأ من أن يدعك وشأنك ، فإذا كان الله يتابع نعمه عليك ، وأنت تعصيه فاحذره ، لأن أكبر خطر أن تأتيك الدنيا كما تتمنى ، وليس فيك التزام أبداً ، ولا انضباط ، ولا طاعة لله عز وجل .
الحالة الثانية أفضل بمليار مرة : أنك إذا أخطأت تُتابع ، ولكل سيئة عقاب ، وكل ما ارتقى الإنسان يحاسب على أدق الذنوب ، وأقل العيوب ، كلما ارتقى الإنسان ، وكلما ضعف مقامه يحاسب على عظائم الأمور ، لا على دقائقها .
إذاً : " اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ ، وَعَافِنِي فِيمَنْ عَافَيْتَ ، وَتَوَلَّنِي " التولي التربية .
إخوتنا الكرام ، لمجرد أن تقول : الله ، في كل شيء يتولاك ، أما إذا قلت : أنا ، يتخلى عنك .
" وَتَوَلَّنَا فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ " : درسان من غزوة أحد وحنين فيهما عبرة :
ثمة درسان بليغان ، درس في بدر ، ودرس في حنين ، الصحابة الكرام وهم قمم البشر ، وفيهم سيد البشر ، في حنين قالوا : ولعلها مقولة في قلوبهم : " ولن نغْلَبَ اليوم مِن قلة " فتخلى الله عنهم .
" وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ " [التوبة:25] .
إياك أن تقول : أنا عندي خبرات متراكمة ، أنا الأول في هذا الاختصاص ، أنا لا أحد ينافسني في هذه المعرفة ، إياك أن تقول هذا الكلام ، هذا تطاول على الله عز وجل ، يجب أن تشهد نعم الله لا أن تتبجح بها .
حينما يعتدّ الإنسان بنفسه يتخلى الله عنه ، وقد يعتد الذكي بذكائه فيرتكب حماقة لا يرتكبها الأغبياء ، وقد يعتد الغني بماله فيجعله الله في مكانة لا ينفع المال معه أبداً .
مرة أخ كريم أظنه صالحاً ، ولا أزكي على الله أحدا ، قال : الدراهم مراهم ، تحل بها كل مشكلة ، فابتلاه الله بمشكلة لا تحل بمليارات ، وبقي في السجن المنفرد 64 يومًا ، وكل يوم يقول : الدراهم مراهم ! .
إياك تقول كلمة تنسى الله بها ، لذلك الله عز وجل غيور ، إن اعتمدت على غيره ، إن اعتددت بفكرك ، باختصاصك ، بخبراتك ، بمالك ، عالجك معالجة قاسية ، فاعتز بالله عز وجل .
أصحاب النبي الكريم في بدر قالوا :"وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ"[آل عمران:123] هم مفتقرون إلى الله .
أما في حنين : " وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ " هذا الدرس نحن بحاجة إليه كل ساعة ، لا تقل : أنا ، قل : الله ، هذه المقولة ليست تواضعاً ، بل حقيقية ، أنت لا شيء ، كنت لا شيء فأصبحت به خير شيء .
إذاً : " وَتَوَلَّنَا فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ " هذا هو التولي ، والرعاية ، والمتابعة ، والمعالجة .
" الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ " [الفاتحة] .
الآن لاحظ ابنًا مربًّى ، إذا تكلم كلمة نابية ، يقال له : يا بني ! هذه الكلمة لا تصح ، يتابعه الأب ، والأب المربي يتابع ابنه حتى في جلسته ، إذا لم يكن فيها أدب ، جلس قبله ، لا تجلس قبل أبيك ، لا تمش أمامه ، لا تسمه باسمه ، فالابن الذي يربيه أبوه على كلمة ، وعلى كل حركة وسكنة وخاطرة يحاسب عليها .
" وبَارِكَ لَنَا فِيمَا أَعْطَيْتَ " : " وبَارِكَ لِي فِيمَا أَعْطَيْتَ " أحياناً دخل كبير ليس في بركة ، يذهب في معالجة أمراض ، ومال مصادر ، وضرائب لا تحتمل ، المال الكثير ذهب أدراج الرياح ، وقد يكون للإنسان دخل قليل يبارك الله له في هذا الدخل ، كلمة مبارك كلمة قرآنية : " تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ " [الملك:1] .
أحياناً يبارك لك في وقتك ، تفعل في وقت محدود أعمالاً لا يفعلها معظم الناس .
يبارك لك في مالك ، يبارك في زوجتك ، تعيش معها عمراً مديداً ، كلها خير ، كلها وفاء ، كلها محبة ، كلها تفانٍ ، كلها تضحية ، وأحياناً الزوجة تكون جحيماً لا يطاق ، فالبركة ليست في المال فقط ، بركة في الزوجة ، بركة في الأولاد ، أولاد أبرار ، طائعون ، البركة في الصحة ، فقد يتمتع الإنسان بصحته طوال حياته ، وهذه من نعم الله العظمى ، وتكون البركة في المال ، بدخل معقول جداً ، كل شيء عندك ، ولا ينقصك شيء ، البركة في الوقت ، ففي وقت محدود تنجز أعمالاً كبيرة ، لذلك : " وبَارِكَ لِي فِيمَا أَعْطَيْتَ " .
" وَقِنِي شَرَّ مَا قَضَيْتَ ، إِنَّكَ تَقْضِي وَلَا يُقْضَى عَلَيْكَ ، وَإِنَّهُ لَا يَذِلُّ مَنْ وَالَيْتَ ، وَلَا يَعِزُّ مَنْ عَادَيْتَ ، تَبَارَكْتَ رَبَّنَا وَتَعَالَيْتَ " مستحيل وألف ألف مستحيل أن تعصيه وتربح ، ومستحيل وألف ألف مستحيل أن تطيعه وتخسر : " وَإِنَّهُ لَا يَذِلُّ مَنْ وَالَيْتَ ، وَلَا يَعِزُّ مَنْ عَادَيْتَ " .
اجعــل لربـك كــل عزـــــــك يستقـر ويثبـت
فإذا اعتززت بمن يمــــوت فإن عزك ميت
اعتز بالله ، لا تعتز بسواه ، ليكن ولاءك له ، هذا دعاء ، والله من الأدعية الجامعة المانعة ، وهو دعاء بمعنى اسم " لقاهر " فالله قهرنا بالمرض ، قهرنا بالموت ، قهرنا بالمال أحياناً ، فقد يفتقر الإنسان ، وقد يبكي الرجل ، لأنه لا يجد ما يأكل ، وقد ينقّب إنسان في الحاوية ليأكل ، فإذا أكرم واحد الله عز وجل الإنسان ببيت ، بمأوى ، بزوجة ، بأولاد ، بدخل معقول ، هذه نعمة لا تعدلها نعمة ، أن يغنيك الله عن السؤال .
4 ـ ماذا نستفيد من اسم ( القاهر ) ؟
الخضوع والانصياع لله :
أيها الإخوة ، ما الخُلق الذي ينبغي أن تتخلق به من هذا الاسم ؟ الله هو القهار صيغة مبالغة ، وهو ( القاهر ) اخضع له ، لأنك في قبضته ، وأقلّ خطأ في صحتك يجعل الحياة جحيما لا تطاق .
والله كنت مَرة عند طبيب ، جاءه اتصال هاتفي ، سمعت المتكلم ، قال له : أيّ مكان في العالم تريد للعلاج ، وأيّ مبلغ ، قال له : والله لا أمل ، الورم في الدرجة الخامسة ، لا أمل ، فالمرض يقهر ، لكن أصعب قهر أن يقهرك إنسان .
" قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ " [الأنعام:65] .
يبدو أنه قهر الواحد الديان مباشرة أخفّ من قهر إنسان، الدليل : " وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ " [لقمان:17] .
يحتاج إلى صبر ، هذا قضاء الله وقدره المباشر ، لكن في آية أخرى : " وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ " [الشورى:43] .
قد يأتي القضاء والقدر على يد إنسان ، تحتاج هذه الحالة إلى صبر أشد "وَلَمَنْ صَبَرَ " ـ على قضاء الله ـ " وَغَفَرَ " ـ لمن أجراه الله على يديه ـ " إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ " ـ لام التوكيد ـ " لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ " أحيانا يُقهر الإنسان من قِبل الله مباشرة ، وقد يقهر من قِبل إنسان ، وقهرُ الرجال لا يُحتمل .
أيها الإخوة الكرام ، إذاً: الموقف الكامل ما دام الله يقهر كل إنسان أن تكون خاضعاً له ، أن تكون في طاعته ، أن تكون محباً له ، فهو يقهر ليربي .
أعيد هذا كثيراً : علماء العقيدة لا يرون من المناسب أن تقول : الله ضار ، الضار من أسمائه ، يجب أن تقول : الله ضار نافع ، لأنه يضر لينفع ، لا ينبغي أن تقول : الله مذل ، هو مذل ، لكنه مذل ليعز ، المعز المذل ، لا ينبغي أن تقول : الله خافض ، هو خافض ، لكنه خافض ليرفع ، هذا كمال الله عز وجل ، فهذه النعم الباطنة .
" وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً " [لقمان:20] .
أعرف إنسانا متفلتا غارقا في الشهوات آتاه الله وسامة ، ومالاً ، وغنىً ، حتى إنه كان يستهزئ بالمقدسات ، عنده بنت يحبها محبة تفوق حد الخيال ، أصيبت بمرض خبيث ، فلم يدَع طبيباً في بلده إلا وعالجها عنده ، لكن لا أمل للشفاء ، أخذها إلى بلد بعيد ، باع بيته ، وكل ما يملك من أجلها ، ثم جاءه خاطر هو وزوجته ؛ لو أننا تبنا إلى الله ، واصطلحنا معه ، وأدينا الصلوات ، وطبقنا منهج الله ، بدآ بهذا المشروع ، وقد شفا الله هذه البنت ، ودُعيتُ حينما كبرت إلى حضور عقد قرانها ، فلما ألقيت كلمة في هذا العقد ، سألت أباها : هي ؟ هي ؟ قال لي : هيَ هي ، مرض جاء إلى أسرة ردّ الأب والأم إلى الله وانسحب ، هذا فعل الله عز وجل .
هناك إنسان لا يأتي طواعية ، بيسر ، وبرخاء ، يأتي بالشدة ، وهذه نعمة كبيرة أيضاً ، لذلك قالوا : من لم تحدث المصيبة في نفسه موعظة فمصيبته في نفسه أكبر .
نحن في قبضة الله ، والإنسان كل مكانته ، وهيمنته ، وسيطرته ، وقدرة منوطة بقطر شريانه التاجي ، ميلي وربع ، وكل مكانته وهيمنته وسيطرته منوطة بسيولة دمه ، وكل مكانته وهيمنته وسيطرته منوطة بنمو خلاياه ، فإذا نمت نمواً عشوائياً انتهت حياتُه .
إذاً : نحن في قبضة الله عز وجل ، أحيانا حادث سير ينهي حياة الإنسان ، والأصعب ألاّ تنتهي حياته ، بل يصبح مشلولا طول حياته بحادث سير ، وأنت تمشي على اليمين ، وفي أعلى درجات الانضباط ، والآخر نائم ، فنحن تحت رحمة الله ، نحن في قبضته ، فما دام الله قاهراً فينبغي أن ننصاع له ، أن نؤمن به ، أن نستقيم على أمره ، أن نعمل صالحاً ، هذا المعنى .
استمداد القوة من الله :
هناك معنى آخر : ماذا ينبغي أن تتخلق بهذا الاسم ؟ قال تعالى : "وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ"[الشورى:39] .
لا تكن ضعيفاً لا تكن خنوعاً لا تكن مستسلماً :"وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ" [الشورى:39] استمد من الله القوة .
هناك إنسان يضعف عن أن يأخذ حقه ، يضعف لأقلّ تهديد ، أما المؤمن فيعتز بالله .
" وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ " [المائدة:54] .
أما الآية الدقيقة : " وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ " لكن لا تَكِل له الصاع أصوعاً .
" وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ (39)وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا " .
أما أروع ما في الآية : " فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ " [الشورى:40] .
إذا غلب على ظنك أن عفوك عن هذا الذي أساء إليك يقربه إلى الله فاعفُ عنه ، ويا عبدي أجرك عندي .
أحيانا سائق سيارة يمشي بأعلى درجات الانضباط ، قفز طفل أمام السيارة ، ودُهس ، الأب يقرّر أن يقيم عليه دعوى ، وأن يضعه في السجن ، لكن معطيات الحادث أن السائق بريء وفقير ، والخطأ من الابن ، لكن تسبب هذا السائق في موت الطفل الصغير ، قال تعالى : " فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ " أما إذا كان أرعن ويتحدى الناس فلا بد من معاقبته ، أما إذا ما كان الخطأ مِن قِبَله فيعاقَب ، وهناك حالات كثيرة يكون الخطأ فيها مدمرًا ، لكن صاحب الخطأ ليس ملوماً عند أحد ، قال تعالى : " فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ " كلما عفوت عن أناس وعفوك عنهم يصلحهم ، فاعف عنهم ، وتوكل على الله .
مختارات
-
" تعلمت الكثير عن الإسلام من الإنترنت "
-
اسم الله الرزاق 2
-
سورة الفرقان (هدف السورة: سوء عاقبة التكذيب)
-
يسأل عن صحة دعاء للتحصن منشور على ( الإنترنت )?
-
عبادات محمد رسول الله
-
قوله تعالى: وقولوا قولاً سيداً
-
" خرج من الجوع فرزق "
-
" الانطلاقة السابعة والعشرون "
-
" الكِبْـــر "
-
" صلاح القلب وحلاوة الإيمان "