اسم الله المصور 2
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
من أسماء الله الحسنى : ( المصوِّر ) :
الحظوظ الدنيوية موزعة توزيع ابتلاء :
أيها الإخوة الأكارم ، لا زلنا في اسم ( المصور ) وفي اللقاء السابق بينت لكم بفضل الله عز وجل أن الله سبحانه وتعالى وزع الحظوظ على خلقه توزيع ابتلاء في الدنيا ، وسوف توزع في الآخرة توزيع جزاء ، وهذا الكلام يعني : " أن هذه الدنيا دار ابتلاء ، وليست دار استواء ، ومنزل ترح لا منزل فرح فمن عرفها لم يفرح لرخاء ، ولم يحزن لسقاء ، قد جعلها الله دار بلوى ، وجعل الآخرة دار عقبى ، فجعل بلاء الدنيا لعطاء الآخرة سبب ، وجعل عطاء الآخرة من بلوى الدنيا عوضا فيأخذ ليعطي ، ويبتلي ليجزي " [ورد في الأثر] الإنسان الذي أوتي حظاً من الذكاء عالياً له حساب خاص ، والذي لم يتح له أن يدرس له حساب خاص ، والذي أوتي المال له حساب خاص ، فالعبرة لا أن تكون غنياً أو قوياً ، العبرة أن تنجح في امتحانك ، فإذا نجحت في امتحانك نلت الدرجات العلا ، هذا الشيء يسع جميع الناس ، كل إنسان بحسب ما أقامه الله عز وجل ، قد ينجح ، ويتفوق ، وقد يصل إلى أعلى درجات الجنة ، والإنسان له ظروف ، له إمكانات ، له قدرات ، له بيئة ، عاش في عصر معين ، عاش في ظروف وضغوط معينة ، في عقبات ، في صوارف ، هذا المعنى يؤكده النبي عليه الصلاة والسلام ، فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ الصَّابِرُ فِيهِمْ عَلَى دِينِهِ كَالْقَابِضِ عَلَى الْجَمْرِ " [أخرجه الترمذي] .
" كيف بكم إذ فَسَقَ فِتْيانُكم ، وطغى نِساؤُكم ؟ قالوا : يا رسول الله ، وإنَّ ذلك لكائن ؟ قال : نعم ، وأشدُّ ، كيف بكم إذا لمْ تأمروا بالمعروفِ ولم تَنْهَوْا عن المنكر ؟ قالوا : يا رسول الله ، وإنَّ ذلك لكائن ؟ قال : نعم ، وأشدُ ، كيف بكم إذا أمرتُم بالمنكر ونهيُتم عن المعروف ؟ قالوا : يا رسول الله وإنَّ ذلك لكائن ؟ قال : نعم وأَشدُّ ، كيف بكم إذا رأيتُمُ المعروفَ منكرا والمنكرَ معروفا " [زيادات رزين عن علي بن أبي طالب بسند ضعيف،كما في السلسلة الضعيفة] .
البيت من الشعر الذي دخل صاحبه السجن في عهد عمر شعار كل إنسان الآن :
دع المكارم لا ترحل لبغيتها واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي
***
لذلك الحظوظ التي وزعت في الدنيا توزيع ابتلاء ، وسوف توزع في الآخرة توزيع جزاء .
المنافسة على الدنيا سباق الحمقى :
لكن أحياناً يتساءل الإنسان عن سباق أحمق بين الناس ، يسعى أحدُهم جهده لجمع أكبر ثروة مالية ، ويضحي بدينه ، ومبادئه، وقيمه ، ويكذب ، ويبتز أموال الناس ، ثم يموت ، يسعى إلى أن يكون في أعلى درجات الانغماس في الملذات ، وبعد أن يصل إلى هذا الهدف يأتيه ملك الموت .
تصور سيارات متسابقة ، في نهاية المطاف حفرة ما لها من قرار ، الكبيرة سقطت ، والصغيرة سقطت ، والحديثة سقطت ، والقديمة سقطت ، ما هذا السباق ! .
من هنا قال عليه الصلاة والسلام ـ دققوا ـ: " بادِرُوا بالأعمال سبعا : هل تُنْظَرون إلا فَقْرا مُنْسيا ، أو غِني مُطغيا ، أو مَرَضا مُفسِدا ، أو هَرَما مُفنِدا ، أو موتا مُجْهِزا ، والدجالَ ؟ والدَّجَّالُ شَرُّ غائب يُنَتظَرُ والساعةَ ؟ والساعةُ أدْهَى وأمرُّ " [أخرجه الترمذي والنسائي] .
فنحن جميعاً ، ولا أستثني أحدًا في الأرض هل يمكن أن نستيقظ كل يوم كاليوم السابق إلى ما شاء الله ؟ أبداً ، هناك مفاجأة ، فقد ينشأ فقر طارئ ، وكيل شركة سُحبت الشركة منه ، عليه التزامات " أو غِني مُطغيا " اغتنى ففسق وفجر " أو مَرَضا مُفسِدا أو هَرَما مُفنِدا ، أو موتا مُجْهِزا ، أو الدجالَ ؟ " ما أوسع أقواله ، وما أبعده عن أقواله " فشَرُّ غائب يُنَتظَرُ ، أو الساعةَ ؟ والساعةُ أدْهَى وأمرُّ " .
من بنود اسم ( المصوِّر ) :
" إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ " :
من بنود هذا الاسم العظيم ( المصور ) أن النبي عليه الصلاة والسلام قال كما في صحيح البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِذَا قَاتَلَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ فَلْيَجْتَنِبْ الْوَجْهَ، فَإِنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ " [أخرجه البخاري ومسلم] .
كيف ذلك ؟
الله عز وجل صوَّر آدم ، أعطاه صورة ، وجعل له سمعاً ، والله سميع ، وجعل له بصراً ، والله بصير ، وجعل له علماً ، والله عليم .
أيها الإخوة ، هذه الصفات يصح إطلاقها في حق الذات الإلهية ، ويصح إطلاقها في حق الإنسان ، ما من إنسان عالم ؟ والله عز وجل عليم ، ما من إنسان سميع ؟ والله سميع ، لكن كل ما خطر في بالك فالله بخلاف ذلك .
إثبات صفات الله بغير تشبيه ولا تعطيل ولا تحريف :
ذكرت لكم تعريفاً صغيراً : أن الله خالق ، يخلق كلَّ شيء مِن لا شيء ، وبلا مثال سابق ، فإذا عُزي الخلق إلى الإنسان فبمعنى أنه يصنع شيئًا من كل شيء ، وفق مئات الأمثلة السابقة ، والفرق كبير بين نسبة الخلق إلى الله ونسبة خلق الإنسان ، فلذلك : " لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ " [الشورى:11] .
واحد أحد ، فرد صمد : " لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ " [الإخلاص:3-4] بعض كبار العلماء يقول : " ما من شيئين إلا بينهما قدر مشترك ، وقدر غير مشترك ، فمن نفى القدر المشترك فقد عطل أسماء الله وصفاته ، ومن نفى القدر الفارق فقد مثّلت الله بمخلوقات ، الله عز وجل حينما وصف ذاته العلية ببعض الصفات ، وصف نفسه بأنه سميع ، إذا نفيت أن يكون له سمع غير ذاته فقد عطلت اسمًا من أسمائه ، وإذا شبهت سمعه بسمع الإنسان فقد مثلته ، فالصفات المتعلقة بالذات الإلهية ممنوع أن تلغيها ، وممنوع أن تجسدها ، وينبغي أن تفوض ، أو أن تؤوّل ، التأويل موقف مقبول أحياناً ، أما التفويض فأكمل ، أنا أفوض الله في معنى سمعه ، ومعنى بصره ، ومعنى : " وَجَاءَ رَبُّكَ " [الفجر:22] كيف يجيء ؟ .
ومعنى : " يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ " [الفتح:10] أنا أفوض معاني هذه الصفات التي وصف الله بها نفسه إلى ذات الله ، وهو أكمل موقف إيماني ، حينما أريد أن أوضح لأناس إيمانهم ليس كما ينبغي التأويل ، لكن ممنوع أن ألغي ، وأن أنفي ، فإذا نفيت عطلت صفات الله ، وممنوع أن تمثِّل ، لأنك جسّدت هذه الصفات كصفات الإنسان .
اتصاف المخلوق ببعض صفات الخالق :
لكن من الصفات المشتركة التي قد يفهم منها قول النبي عليه الصلاة والسلام : " إِنَّ اللهَ خَلَقَ آدَمَ على صورَتِهِ " : 1 – الاختيار والمشيئة : أن الله عز وجل مريد ، يفعل ما يريد .
" وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ " [يوسف :21] .
" ما شاءَ اللهُ كانَ ، وما لم يشأْ لم يكن " [أخرجه أبو داود عن بعض بنات النبي عليه الصلاة والسلام] .
" فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ " [هود:107] .
والإنسان لكرامته عند الله جعله مختاراً .
" فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ " [الكهف:29] .
" إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً " [الإنسان:3] .
" وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ " [البقرة:148] .
كما أن الله مريد ، ويفعل ما يريد :
" فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ "
" ما شاءَ اللهُ كانَ ، وما لم يشأْ لم يكن "
هذه الصفة التي وصف بها نفسه منحها للإنسان ، لكرامته عنده ، أنت المخلوق الأول .
أتحسب أنك جرم صغيـر وفيك انطوى العالم الأكبر
***
2 – الفردية الخَلقية :
أيها الإخوة ، الله عز وجل فرد واحد أحد ، فرد صمد ، ومنحك هذه الصفة، ليس في أهل الأرض من آدم إلى يوم القيامة إنسان يشبهك.
لك قزحية عين لا يشبهك فيها إنسان آخر ، والآن في المطارات يأخذون صورة قزحية العين ، هذه الهوية الحقيقية .
ولك رائحة جلد تنفرد بها من بين الستة آلاف مليون ، ولولا هذه الرائحة لما كان من جدوى إطلاقاً في عمل الكلاب البوليسية .
ولك نبرة صوت ليس على وجه الأرض إنسان يشبهك بها .
ولك بصمة يد هي هوية فرد .
ولك زمرة نسيجية ، فالأطباء الذين يزرعون بعض الأعضاء يعرفون هذه الحقيقة ، لك زمرة نسيجية لا يمكن أن يكون في الأرض إنسان زمرته كزمرتك .
وثبت أخيراً أن نطفتك تتميز بها عن كل البشر ، هذه النطفة وبلازما الدم موضوع طويل .
لذلك كما أن الله سبحانه وتعالى فرد منحك هذه الصفة .
أما صناعة الإنسان فتشابه وتتطابق ، يعطون القطعة رقمًا ، فيكون التمايز بالرقم ، لكنك أنت ليس لك رقم ، لكن لك هيئة تتميز بها ، لك طريقة في الحديث ، طريقة في المشي ، طريقة في الجلوس ، طريقة في التفكير ، طريقة في ارتداء ثيابك ، لك شكل معين ، قوام معين ، طول معين ، لون معين ، وحركات معية ، أنت نسيج وحدك ، وهذا من فضل الله عليك .
فالله عز وجل مريد ، وجعلك مريداً ، وهو فرد صمد ، وجعلك فردًا لا شبيه لك .
3 – الإبداع : وهو مبدع .
" بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ " [البقرة:117] .
" وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ " [النساء:113] .
لما خلق الأشياء على شكل ذكر وأنثى وجينات ، فأنت طورت ، وفي هولندا استنبتوا وردة سوداء عن طريق التعديل في الجينات ، واستنبتوا أشجارا عملاقة مقزمة ، هذا بحث طويل ، حينما تحكم الإنسان في الجينات أبدع أشياء كثيرة .
فالله عز وجل كما أنه : " بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ " .
4 – التشريع والاجتهاد فيما لا نص فيه :
سمح لك أن تبدع عن طريق الجينات ، والله عز وجل مشرِّع ، لكن سمح لك أن تشرع ، كيف ؟ عن طريق النص ظني الدلالة ، فلو أن كل النصوص قطعية الدلالة فلن تجد إنسانًا مشرّعًا ، ولا مجتهدًا ، ولا فقيهًا ، الله عز وجل كان من الممكن أن تكون آيات القرآن الكريم كلها قطعية الدلالة ، أما حينما تأتي آية ظنية الدلالة ، أو حديث صحيح ظني الدلالة فالعلماء اجتهدوا ، وفهموا هذا النص فهماً موسعاً .
إذاً : سمح الله لك أن تشرع عن طريق النص ظني الدلالة ، وسمح الله لك أن تبدع عن طريق الجينات ، وسمح لك أن تكون فرداً ، وسمح لك أن تكون مريداً ، وهذا مما يفهم ـ اجتهاداً طبعاً وليس قطعاً ـ من قول النبي عليه الصلاة والسلام في صحيح البخاري : " إِنَّ اللهَ خَلَقَ آدَمَ على صورَتِهِ " .
من تطبيقات اسم ( المصوِّر ) :
أيها الإخوة من تطبيقات هذا الاسم ،نحن في كل درس إن شاء الله نقول : " وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا " [الأعراف:180] .
يعني تقرب إلى الله بكمال مشتق من كماله ، هو مصور .
" وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ " [غافر:64] .
1 – إتقان الصنعة وإخراجُها في أحسن صورة :
أنت إذا صنعت شيئاً اجعله بصورة حسنة ، والعالم الغربي برع في هذا بضاعته متقنة جداً ، وجميلة جداً ، ولها غلاف رائع ، فإذا صنعت شيئاً ينبغي أن تصنعه وفق صورة حسنة ، كأنك تشتق هذا الكمال من الله عز وجل ، وتتقرب به إلى الله ، لذلك اجعل الإتقان والجمال في صنعتك .
أحيانا يكون الجمال ، لكن بغير إتقان ، اعتناء بغلاف الكتاب فقط ، والكتاب مصور تصويرًا عشوائيًا ، وهناك صناعة كبيرة جداً ظاهرها جميل ، وباطنها غير متقن ، هذا يعد غشاً ، وأنا أقول : اجعل الإتقان والجمال باطناً وظاهراً لما تقدِّمه للناس من صناعة ، أو من إنتاج .
النبي الكريم عليه أتم الصلاة والتسليم حينما دُفن ابنه إبراهيم ، الذي حفر القبر ترك فيه فرجة صغيرة ، قبر ! فقال عليه الصلاة والسلام : " إن هذه لا تؤذي الميت ، ولكنها تؤذي الحي " [ورد في الأثر] .
" إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه " [أخرجه أبو يعلى عن عائشة أم المؤمنين] .
عندك مفتاح كهربائي مائل ، تتضايق ، يقوم بوظيفته كاملة ! لمَ لمْ يضعه على الشاقول ؟ أو على المتوازي ؟ تتضايق : " إن هذه لا تؤذي الميت ، ولكنها تؤذي الحي " .
" إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه " .
إذاً : إتقان الصنعة جزء من الدين ، هذا إتقان الصنعة ليكون مظهرها جيداً ، وهناك عدم إتقان يودي بحياة إنسان ، فقد لا تتقن معالجة مريض ، ولا تبلغه أن هذا الدواء يسبِّب حساسية ، وأنت معك حساسية مثلاً ، قد تكون حساسية قاتلة ، وقد لا تنتبه فتعطي عيار الدواء لكبير ، وهو طفل صغير .
أيها الإخوة " إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه " .
2 – حسنُ الصورة الظاهرة :
النبي عليه الصلاة والسلام قال لأصحابه مرة :
" إنكُم قادِمُونَ على إخوانكم ، فَأصْلحُوا رِحَالَكُم ، وأصلحوا لِبَاسَكُم ، حتى تكونوا كأنَّكم شَامَةٌ في النَّاسِ " [أخرجه أبو داود عن ابن الحنظلية سهل بن الربيع] .
لماذا غير المؤمن أنيق جداً ؟ وثيابه جيدة ؟ وألوانه متناسبة ؟ وبيته جميل ؟ ومكتبته جميلة ؟ لماذا المؤمن يهمل مظهره أحياناً ؟ هذا حديث شريف : " فَأصْلحُوا رِحَالَكُم ، وأصلحوا لِبَاسَكُم ، حتى تكونوا كأنَّكم شَامَةٌ في النَّاسِ " المطلوب بحسب هذا الاسم ، أنا لا أقول : اشترِ ثياب غالية ، أبداً ، ثيابك العادية البسيطة اجعلها نظيفة ، واجعل بينها تناسقاً فقط ، محلك التجاري نظِّمه ، فقد تدخل محلاًّ والعياذ بالله ، أو صيدلية ، فلا تجد دواء في محله ، أكوام في الأرض ، الغبار ، تنفر نفسك من هذه الصيدلية ، وصاحبه مسلم ، أنت مسلم يجب أن تكون في أعلى درجة من الأناقة ، والشكل الحسن ، لذلك الصورة الحسنة ، والعناية بالجسم ، وباللباس ، وبالبيت ، وبمكان العمل ، وبالمركبة ، هذه من لوازم المؤمن .
مرة ثانية ، ينبغي أن نتقرب إلى الله بكمال مشتق من كماله :
" وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ "
" صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ " [النمل:88] .
الحقيقة أن الجمال حاجة أساسية في الإنسان ، والإنسان يرتاح لبيت نظيف ، وألوانه متناسقة ، أنا لا أقول أبداً : أن تكون غنياً ، لكن يرتاح الإنسان لبيت ما فيه حاجات غير مستعملة ، تجد أحياناً مئة حاجة في البيت لا تستعمل ، لكنها عبء ، منظرها عبء ، فكلما جعلت البيت بسيطاً وأنيقاً ، ونظيفاً ارتاحت نفسك في البيت وشدك إليه .
إنّ الأب الذي يعتني بالبيت يشدّ أبناءه إليه ، وإذا كان البيت مهملاً جداً ينفر الابن منه ، وأكثر أوقاته في الطريق مع رفاقه ، لأن البيت غير مريح ، فالعناية بالبيت أنا أراها حكمة بالغة من الأب ، والعناية بالبيت تجذب الابن إلى البيت .
إن الله جميل يحب الجمال :
الحديث الشريف : " إن الله جميل يحب الجمال " [أخرجه مسلم] كلام كالشمس واضح .
" ويحب معالي الأمور ، معالي الأمور ويكره سفسافها " [أخرجه الطبراني] .
هناك رجلٌ أنيق جداً ، لكنه يتكلم بكلام بذيء جداً ، قال له أحدُهم : إما أن ترتدي ثياباً كهذا الكلام ، أو أن تتكلم كهذه الثياب .
" إن الله جميل يحب الجمال "
ويحب مع الجمال :
" معالي الأمور ، ويكره سفسافها "
ويحب أن يرى نعمته على عبده .
والله حدثني إنسان قال لي : شخص قد من كثرة ما هو بائس ، ووضعه بائس ، تحاول أن تدفع له صدقة أحياناً ، ولما مات ترك مئات الملايين ، لماذا البؤس والتباؤس ؟ .
" من جلس إلى غني فتضعضع له ذهب ثلثا دينه " [ورد في الأثر] .
" إن الله جميل يحب الجمال "
" ويحب معالي الأمور ويكره سفسافها " [أخرجه الطبراني] .
ويحب أن يرى نعمته على عبده ، والله أعطاك ، لذلك : " ليس منا من قتر على عياله " .
" ويكره البؤس والتباؤس " [أخرجه الحارث عن زهير بن أبي علقمة] .
أن تتمسكن ، شيء غير أنيق ، أو يكون لك مظهر منفر :
" ويكره البؤس والتباؤس "
لذلك أثنى الله على الفقراء الذين :
" يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ " [البقرة:273] .
لا يخطر في بالك إطلاقاً أن هذا محتاج ، لذلك : " يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ " .
جاء ذكرهم في كلمة : " وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (24) لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ " [المعارج:24-25] لأنه لا يسأل يُحرم ، والذي يسأل ويلح ويقتحم عليك اقتحاماً تعطيه أحياناً فالبطولة أن تعطي مَن لا يسأل ، تعطي المتعفف .
خـاتمــة :
أيها الإخوة ، من أدعية النبي لهذا الاسم كان إذا سجد يقول : " اللَّهمَّ لَكَ سجدتُ وبِكَ آمنتُ ولَكَ أسلمتُ وأنتَ ربِّي سجدَ وجْهي للَّذي خلقَهُ وصوَّرَهُ وشقَّ سمعَهُ وبصرَهُ تبارَكَ اللَّهُ أحسنُ الخالقينَ " [صحيح النسائي] .
مختارات
-
حكيم بن حزام
-
على قــارعة التدبــر
-
فضائل شهر الله المحرم وأحكامه
-
شرح دعاء"اللهم زدنا ولا تنقصنا، وأكرمنا ولا تهنا، وأعطنا ولا تحرمنا، وآثرنا ولا تؤثر علينا، وأرضنا وارض عنا"
-
الليلة الرابعة
-
النهضة المرجوة... ودور الشباب
-
ياليتنا نتأسى
-
الرقم سبعة والصدقات
-
القرآن والنهضة البشرية
-
جوع الصحابة والرسول صلى الله عليه وسلم