لاتمدن عينيك
من النوازع الرديئة في نفوس الناس التطلع لما خفي عليهم، فإنه يتزين في نفوسهم بفعل الوهم والخيال الفاسد فوق ما هو عليه بدرجات واسعة، وهذا له مثالات كثيرة، فالزوجة تعتقد غالباً أن زوج صديقتها أو قريبتها أروع، وأكثر ذوقاً، وحناناً، وخلقاً وكرماً…الخ، وكذلك الزوج يقع في توهمه مثل ذلك عن زوجات أصدقائه أو أقربائه، ويزداد الوهم تعمقاً إذا سمع/أو سمعت من الحكايات ما يقوي ذلك الوهم، أو رأى/رأت ما يشي به، ولو تحقق هذا الوهم فصار علماً فإن ما يخفى من المنغصات ما يؤكد زيف تلك الخيالات. ومثل ذلك في العمل، فيظن أن عمل الإنسان الآخر أحسن وأكثر امتيازات مادية ومعنوية، وقل ما هو قريب من ذلك في أكثر ما يحصل بين الناس من التنافس على النفوذ والسلطة والمال، والنساء؛ وقد ذكر ابن الجوزي من ذلك عجباً، يقول:”حتى إنه لو قدر على نساء بغداد كلهن، فقدمت امرأة مستترة من غير البلد، ظن أنه يجد عندها ما ليس عندهن!”، ولابن المقفع في كتابه “الأدب الكبير” كلاماً مشابهاً لهذا المعنى. ولاحظ ذلك من قال: ليت النقاب على النساء محرمٌ
كي لا تغرّ قبيحة إنسانا !
وعلة التوهم ميل التخيل لموافقة الطبع، والانسان دوماً يطمع بالمزيد من متع الدنيا، ومباهجها، وطبيعة الحياة لا تتيح ذلك لكل أحد فيلجأ للتعويض الذهني بالخيالات والتوهمات.
وأقبح ما يتولد عن ذلك الوهم=جحد النعمة والكفر بها، والحسد، والجري خلف السراب، وألوان من المفاسد الأخرى. وترياق ذلك كله في قوله ﷻ: ﴿وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى*وَأْمرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى﴾
مختارات