بعيداً عن اللعنة
أحياناً أتهم نفسي بالمغالاة والمثالية في النظر للحد الأدنى من العلم والفهم الذي يجب أن يتمتع به الأستاذ، المعلم عموماً، وأستاذ الجامعة بالخصوص. أتأمل كيف نخسر أموالاً طائلة وأوقاتاً عظيمة وإمكانات مادية من مباني مجهزة، وفصول دراسية مكلفة، كل هذا لأجلس -أنا الطالب -أمام رجل جاهل عديم الموهبة، أومحدود القدرات الذهنية، حصل على منصب الأستاذ بالصدفة، أو بالواسطة، أو بفضل مجهود سابق توقف منذ عقود، هنا أتحدث عن التخصصات النظرية والشرعية بالأساس.
مشهد الأستاذ محدود الاطلاع وفاتر الذهن بحيث لا يختلف في مستواه العلمي عن أي موظف مترهل في أي وزارة تنفيذية = مشهد محبط وقبيح.
كتب أحدهم:”ينتقد سلافوي جيجيك أوهاماً كثيرة منتشرة في مجال التربية. على سبيل المثال، يشير، إلى إنه لا يؤمن بالأستاذ الذي يقول لتلاميذه: (أنا في الحقيقة لا أعرف أكثر مما تعرفون، إننا هنا نتعلم من بعضنا البعض، لا أحد منا يعرف أكثر من الآخر. أنا أيضاً موجود هنا لكي أتعلم منكم…الخ)، هذا في نظره كلام لا معنى له. الأستاذ يتلقى أجره ليعلّم تلاميذه. هذا واجبه وهذه وظيفته الأساسية. إذا كان لا يعلم، فعليه أن يغير مهنته.
ويذكر جيجيك، واقعة في هذا السياق جرت لهوبسباوم Eric Hobsbawm -المفكر والمؤرخ الماركسي الشهير الذي توفي مؤخراً في 2012- حيث كان يلقي كلمة في حضرة مجموعة من العمال، فقال لهم ملاطفاً: “أنا لست هنا لكي أعلمكم ما لا تعلمون، فأنا لا أعرف أكثر مما تعرفون.. لقد جئت إليكم لكي أتعلممنكم…الخ”، إلى غير ذلك من مثل هذا الكلام.
وفي لحظة قام أحد العمال وقاطعه قائلاً له:
“عليك اللعنة! إنك تتلقى أجرك لتعرف أكثر منا، نحن هنا لكي نتعلم منك، هيا امنحنا المعرفة التي راكمتها بفضل ما تتقاضاه من أجر!”.
مختارات