" معالم على طريق التوفيق : الثاني والعشرون : التفكر في مخلوقات الله عز وجل "
" معالم على طريق التوفيق: الثاني والعشرون: التفكر في مخلوقات الله عز وجل "
ومن معالم التوفيق والتي تكاد أن تكون غريبة في هذا الزمن الذي نعيش فيه، غريبة عندما يُتحدث عنها ويُرغب فيها، غريبة في عصر التقنية، وهي التفكر في عظمة مخلوقاته جل في علاه؛ السماء والأرض والنجوم والبحار، والليل والنهار وغيرها كثير التي نراها يوميًا، لكن من يتفكر حق التفكر !
التفكر الذي يقودك إلى الخشوع والإخبات والتوفيق للعمل الصالح: " قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِضِيَاء أَفَلَا تَسْمَعُونَ * قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلَا تُبْصِرُونَ " [القصص: 72].
كم هي الآيات التي تمر بنا في كتاب ربنا تخاطب عقولنا:
· أفلا تتفكرون · أفلا يتدبرون · أفلا تعقلون
· أفلا تذكرون · أفلا تبصرون · أفلا ينظرون
" خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَابَّةٍ وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ * هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ " [لقمان: 11].
في عصر الغفلة والمادة الذي نعيشه مع الأسف، انظر وتأمل في أحوالنا واحكم على نفسك! تجد الإنسان يسعى السعي الحثيث وراء متطلبات الحياة المادية التي فتحت أبوابها من كل مكان !
وفي زحمة الحياة الدنيا تقل الفرص واللحظات الإيمانية التي تتيح للإنسان المسلم إعمال عقله وفكره في ملكوت الله وعظمة مخلوقاته التي تحيط به من كل جانب.
أيها الموفق:
في حديث بدء الوحي أنه عليه الصلاة والسلام حُبب إليه الخلاء فكان يخلو بغار حراء يتحنث فيه، وهو التعبد الليالي ذوات العدد قبل أن يرجع إلى أهله، ويتزود لذلك، ثم يرجع إلى خديجة فيتزود مثلها.
إن هذه الخلوة تزيد الإيمان، وتُعرفك بالرحمن، وفيها من الأسرار ما الله به عليم.
قال بعض السلف:
لا تنظر إلى صغر المعصية، ولكن انظر إلى عظمة من عصيت.
عن عبد الأعلى بن زياد الأسلمي قال: رأيت داودًا الطائي يومًا قائمًا على شاطئ الفرات، مبهوتًا، فقلت: يا أبا سليمان ما يوقفك هنا؟ قال: انظر إلى الفلك، كيف تجري في البحر مسخراتٍ بأمر الله تعالى.
ويقول الإمام ابن الجوزي (رحمه الله) عرض لي في طريق الحج خوف من العرب، فسرنا على طريق خيبر، فرأيت من الجبال الهائلة والطرق العجيبة ما أذهلني، وزادت عظمة الخالق عز وجل في صدري، فصار يعرِضُ لي عند ذكر تلك الطرق نوع تعظيم لا أجده عند ذكر غيرها. ا.هـ.
هكذا تكون ثمرة التفكر في خلق الله، وهي تعظيم الله في قلوبنا، كم جلسنا عند البحر ! وكم سرنا في الطرقات بين الأودية والجبال ! وكم نظرنا في السماء ! فهل زاد ذلك في إيماننا شيئًا؟!
" أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السَّمَاء كَيْفَ رُفِعَتْ * وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ * وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ " [الغاشية: 20].
تأمل في هذه الآيات البينات التي تدعوك للتفكر والتأمل:
" إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ " [آل عمران: 191].
ترى البعض يعجب ويتأمل، ويتكلم هنا وهناك من صنع طائرة أو بناء برج أو آلة وجهاز ما، بل قد ينظر إلى جواله الذي يحمله معه ويتأمل كيف صُنع، وأدخلت فيه هذه الخدمات، وتعجب عندما يغفل عن التفكر في نفسه، وما أودع فيها بارئها من لحم ودم وعصب ومخ، بل تأمل في جارحة واحدة وهي عينك، كم فيها من بديع صنعه جل جلاله ! لو أُعطيت بها الدنيا لما تنازلت عنها !
" وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ " [الذاريات: 21].
يقول ابن تيمية (رحمه الله): ولابد للعبد من أوقات ينفرد بها نفسه في دعائه وذكره وصلاته وتفكره وحاسبة نفسه وإصلاح قلبه، وما يختص به من الأمور التي لا يشركه فيه غيره.
ويقول الشيخ عائض القرني – وفقه الله – في كتابه «العظمة»: أعظم ما يزيد في إيمان العبد بربه ويقينه بمولاه التفكر في آياته ومخلوقاته، وهذه طريقة القرآن في عرض المشاهد الكونية من سماء وأرض وجبال وأشجار وماء وهواء ونحو ذلك.
أيها السائر على طريق التوفيق:
يقول رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم: «إني أرى ما لا ترون، وأسمع ما لا تسمعون، أطَّتِ السماء وحق لها أن تئطَّ، ما فيها موضع أربع أصابع، إلا وملك واضع جبهته لله تعالى ساجدًا، والله لو تعلمون ما أعلم، لضحكتم قليلًا ولبكيتم كثيرًا وما تلذذتم بالنساء على الفرش ولخرجتم إلى الصُّعدات تجأرون إلى الله» [أحمد والترمذي].
أيها الموفق:
من الآن أخلُ بنفسك في مسجدك؛ في المسجد الحرام، في المسجد النبوي، في البر أو على البحر، بل حتى في بيتك، ولو لبضع دقائق معدودات، وتفكر وتأمل وانظر !
حينها سترى ماذا سيحدث في قلبك من أثر وإيمان وتعظيم لله رب العالمين.
إضاءة على الطريق:
لا تكن تقنية اليوم وحضارتها
عائق لك من التفكر والتأمل
في ملكوت السموات والأرض !
مختارات