قولهم اللهم صلى على محمد عدد كمال الله
هنالك عادة في المسجد بعد صلاة الجماعة عقب التسبيح والتحميد والتكبير، يرددون صلوات بقيادة المؤذن بثلاث صيغ مختلفة الآتية: 1- اللهم صلي وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله عدد كمال الله وكما يليق بكماله. 2- اللهم صلي وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله عدد أسماء الله وكما يليق بكماله. 3- الصلوات الإبراهيمية المعروفة. ملاحظة: هناك من يقول لا يجوز لفظ " عدد كمال الله " كما في الصيغة الأولى بحجة حصر كمال الله، ويجيز لفظ " عدد أسماء الله " كما في الصيغة الثانية. ما رأيكم لكل من الصيغ؟.
الحمد لله
أولا:
من الأذكار المشروعة بعد الصلاة: التسبيح والتحميد والتكبير والتهليل ؛ لما روى مسلم (596) عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مُعَقِّبَاتٌ لا يَخِيبُ قَائِلُهُنَّ أَوْ فَاعِلُهُنَّ دُبُرَ كُلِّ صَلاةٍ مَكْتُوبَةٍ ثَلاثٌ وَثَلاثُونَ تَسْبِيحَةً وَثَلاثٌ وَثَلاثُونَ تَحْمِيدَةً وَأَرْبَعٌ وَثَلاثُونَ تَكْبِيرَةً).
وعند مسلم أيضا(597) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ سَبَّحَ اللَّهَ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلاةٍ ثَلاثًا وَثَلاثِينَ وَحَمِدَ اللَّهَ ثَلاثًا وَثَلاثِينَ وَكَبَّرَ اللَّهَ ثَلاثًا وَثَلاثِينَ فَتْلِكَ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ وَقَالَ تَمَامَ الْمِائَةِ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ غُفِرَتْ خَطَايَاهُ وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ).
وفي الصحيحين من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ فُقَرَاءَ الْمُهَاجِرِينَ أَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ بِالدَّرَجَاتِ الْعُلَى وَالنَّعِيمِ الْمُقِيمِ فَقَالَ وَمَا ذَاكَ قَالُوا يُصَلُّونَ كَمَا نُصَلِّي وَيَصُومُونَ كَمَا نَصُومُ وَيَتَصَدَّقُونَ وَلا نَتَصَدَّقُ وَيُعْتِقُونَ وَلا نُعْتِقُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفَلا أُعَلِّمُكُمْ شَيْئًا تُدْرِكُونَ بِهِ مَنْ سَبَقَكُمْ وَتَسْبِقُونَ بِهِ مَنْ بَعْدَكُمْ وَلا يَكُونُ أَحَدٌ أَفْضَلَ مِنْكُمْ إِلا مَنْ صَنَعَ مِثْلَ مَا صَنَعْتُمْ قَالُوا بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ تُسَبِّحُونَ وَتُكَبِّرُونَ وَتَحْمَدُونَ دُبُرَ كُلِّ صَلاةٍ ثَلاثًا وَثَلاثِينَ مَرَّةً قَالَ أَبُو صَالِحٍ فَرَجَعَ فُقَرَاءُ الْمُهَاجِرِينَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا سَمِعَ إِخْوَانُنَا أَهْلُ الأَمْوَالِ بِمَا فَعَلْنَا فَفَعَلُوا مِثْلَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِهِ مَنْ يَشَاءُ). البخاري (843) ومسلم (595).
وهذا الذكر العظيم يؤديه كل إنسان بمفرده، وأما فعله جماعة بقيادة المؤذن أو الإمام أو غيرهما، فمن البدع ؛ لأنها كيفية لم ترد عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد نبه أهل العلم على ذلك.
قال الشافعي رحمه الله: " وأختار للإمام والمأموم أن يذكرا الله بعد الانصراف من الصلاة، ويخفيان الذكر إلا أن يكون إماماً يجب أن يُتعلم منه فيجهر حتى يرى أنه قد تُعلم منه، ثم يُسر ؛ فإن الله عز وجل يقول: { ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها } يعنى – والله تعالى أعلم -: الدعاء، { ولا تجهر } ترفع، { ولا تخافت } حتى لا تُسمع نفسك.
وأحسب ما روى ابن الزبير من تهليل النبي صلى الله عليه وسلم، وما روى ابن عباس من تكبيره كما رويناه - قال الشافعي: -
وأحسبه إنما جهر قليلاً ليتعلم الناس منه ؛ وذلك لأن عامة الروايات التي كتبناها مع هذا وغيرها ليس يذكر فيها بعد التسليم تهليل، ولا تكبير " انتهى من " الأم " (1 / 127).
وقال الشاطبي رحمه الله: " فالبدعة إذن عبارة عن طريقة في الدين مخترعة، تضاهي الشرعية، يقصد بالسلوك عليها المبالغة في التعبد لله سبحانه... ومنها التزام الكيفيات والهيآت المعينة، كالذكر بهيئة الاجتماع على صوت واحد، واتخاذ يوم ولادة النبي صلى الله عليه وسلم عيدا، وما أشبه ذلك.
ومنها التزام العبادات المعينة، في أوقات معينة، لم يوجد لها ذلك التعيين في الشريعة، كالتزام صيام يوم النصف من شعبان، وقيام ليلته " انتهى من " الاعتصام " (1/37-39).
وقال الشيخ جمال الدين القاسمي رحمه الله: " في بعض المساجد إذا سلَّم الإمام مِن فريضة العصر، يزعق المؤذن بالتأمين ودعاءٍ بعده، وفي بعضها متى سلَّم الإمام منها، أخذ المقتدون في الجهر بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة الكمالية، وفي ذلك مخالفة ؛ إذ السنة الاشتغال عقب الفريضة بالأوراد المأثورة بعدها سرّاً، كل مصلٍّ لنفسه.
وكذلك مِن أدب الدعاء خفض الصوت فيه، قال تعالى { ادعوا ربكم تضرعاً وخفية }، وهؤلاء أعرضوا عن التضرع والخفية بالعياط والزعقات " انتهى من " إصلاح المساجد من البدع والعوائد " ص154
وقال الشيخ علي محفوظ رحمه الله: " من البدع المكروهة ختم الصلاة على الهيئة المعروفة مِن رفع الصوت به، وفي المسجد، والاجتماع له، والمواظبة له، حتى اعتقد العامة أنه مِن تمام الصلاة، وأنه سنة لا بدَّ منها، مع أنه مستحب انفراداً سرّاً.
فهذه الهيئة محدثة، لم تُعهد عن رسول الله صلوات الله وسلامه عليه، ولا عن الصحابة، وقد اتخذها الناس شعاراً للصلوات المفروضة عقب الجماعة ….
وكيف يجوز رفع الصوت به والله تعالى يقول في كتابه الحكيم { ادعوا ربكم تضرعاً وخفية إنه لا يحب المعتدين }، فالإسرار أقرب إلى الإخلاص وأبعد عن الرياء " انتهى من " الإبداع في مضار الابتداع " ص 283
وجاء في " فتاوى اللجنة الدائمة " (7/98): " س: اختلف الناس في الدعاء بعد السنن الرواتب بالهيئة الاجتماعية، فئة تقول إن ذلك لم ينقل فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن الصحابة شيء ولو كان خيرا لسبقونا إليه لأنهم أحرص الناس على اتباع الحق، وفئة تقول الدعاء بعد السنن الرواتب بالهيئة الاجتماعية مستحب ومندوب بل مسنون لأنه ذكر وعبادة وكل ذكر وعبادة لا أقل من أن يكون مستحبا ومسنونا، وهؤلاء يلومون الذين لا ينتظرون الدعاء ويقومون بعد الفراغ من الصلاة.
ج: الدعاء عبادة من العبادات، والعبادات مبنية على التوقيف، فلا يجوز أن يقال: إن هذه العبادة مشروعة من جهة أصلها أو عددها أو هيئاتها أو مكانها إلا بدليل شرعي يدل على ذلك، ولا نعلم سنة في ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم لا من قوله ولا من فعله ولا من تقريره تدل على ما ادعته الفرقة الثانية، والخير كله باتباع هديه صلى الله عليه وسلم، وهديه صلى الله عليه وسلم في هذا الباب ثابت بالأدلة الدالة على ما كان يفعله صلى الله عليه وسلم بعد السلام، وقد جرى خلفاؤه وصحابته من بعده ومن بعدهم التابعون لهم بإحسان، ومن أحدث خلاف هدي الرسول صلى الله عليه وسلم فهو مردود عليه، قال صلى الله عليه وسلم:«من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد» فالإمام الذي يدعو بعد السلام ويؤمن المأمومون على دعائه والكل رافع يديه - يطالب بالدليل المثبت لعمله، وإلا فهو مردود عليه، وهكذا من فعل ذلك بعد النوافل يطالب بالدليل، كما قال تعالى في مثل هذا: { قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين }(65)، ولا نعلم دليلا من الكتاب ولا من السنة يدل على شرعية ما زعمته الفرقة الثانية من الاجتماع على الدعاء والذكر على الوجه المذكور في السؤال " انتهى.
والحاصل أن الذكر الجماعي بالتسبيح أو بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم – بأي صيغة – ليس من السنة، بل من البدع والمحدثات.
ثانيا:
الصلاة الكمالية، وهي قولهم: " اللهم صلي وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله عدد كمال الله وكما يليق بكماله " لم ترد عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن أحد من أصحابه رضي الله عنهم، وليست هي أفضل الصيغ، كما يظنه البعض، بل أفضل الصيغ هو ما علمه النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه، وهي الصلاة الإبراهيمة.
فقد روى البخاري (6357) ومسلم (406) عن عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي لَيْلَى قَالَ: لَقِيَنِي كَعْبُ بْنُ عُجْرَةَ فَقَالَ أَلَا أُهْدِي لَكَ هَدِيَّةً إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ عَلَيْنَا فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ عَلِمْنَا كَيْفَ نُسَلِّمُ عَلَيْكَ، فَكَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ؟ قَالَ: (فَقُولُوا اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ اللَّهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ).
وروى البخاري (3369) ومسلم (6360) عن أبي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُمْ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (قُولُوا اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ).
قال السيوطي رحمه الله في الحرز المنيع: " قرأت في الطبقات للتاج السبكي نقلا عن أبيه ما نصه: أحسن ما يصلى به على النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الكيفية التي في التشهد.
قال: ومن أتى بها فقد صلى على النبي صلى الله عليه وسلم بيقين، ومن جاء بلفظ غيرها فهو من إتيانه بالصلاة المطلوبة في شك ؛ لأنهم قالوا:: كيف نصلي عليك؟ فقال: " قولوا " فجعل الصلاة عليه منهم هي قول ذا.
قال السيوطي: وقد كنت أيام شبيبتي إذا صليت على النبي صلى الله عليه وسلم أقول: اللهم صل وبارك وسلم على محمد وعلى آل محمد كما صليت وباركت وسلمت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، فقيل لي في منامي: أأنت أفصح أو أعلم بمعاني الكلم وجوامع فصل الخطاب من النبي صلى الله عليه وسلم؟ لو لم يكن معنى زائد لما فضّل ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فاستغفرت من ذلك ورجعت إلى نص التفضيل في موضوع الوجوب وفي موضع الاستحباب.
وقال: لو حلف أن يصلي عليه أفضل الصلاة فطريق البر أن تأتي بذلك " انتهى، نقلا عن: السنن والمبتدعات لمحمد عبد السلام الشقيري ص 232، وكلام التاج السبكي في " طبقات الشافعية الكبرى " (1/185).
ثالثا:
الصلاة الكمالية فها محذور شرعي، من جهة قولهم: " عدد كمال الله " فإن ظاهر اللفظ أن كمال الله تعالى محصور بعدد، ولهذا منع من هذه الصلاة بعض العلماء كما سيأتي. وكذلك قولهم: " عدد أسماء الله " ؛ لأن أسماء الله لا تحصر بعدد ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ أَوْ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ) رواه أحمد (3704).
قال ابن عابدين رحمه الله في حاشيته (6/396): " تنبيه: ليُنظر في أنه يقال مثل ذلك في نحو ما يؤثر من الصلوات مثل: اللهم صل على محمد عدد علمك وحلمك، ومنتهى رحمتك، وعدد كلماتك، وعدد كمال الله ونحو ذلك فإنه يوهم تعدد الصفة الواحدة أو انتهاء متعلقات نحو العلم ولاسيما مثل عدد ما أحاط به علمك، ووسعه سمعك وعدد كلماتك إذ لا منتهى لعلمه ولا لرحمته ولا لكلماته تعالى ولفظة " عدد " ونحوها توهم خلاف ذلك، ورأيت في شرح العلامة الفاسي على دلائل الخيرات البحث في ذلك فقال: وقد اختلف العلماء في جواز إطلاق الموهم عند من لا يتوهم به أو كان سهل التأويل واضح المحمل أو تخصص بطرق الاستعمال في معنى صحيح، وقد اختار جماعة من العلماء كيفيات في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وقالوا إنها أفضل الكيفيات منهم الشيخ عفيف الدين اليافعي والشرف البارزي والبهاء ابن القطان ونقله عنه تلميذه المقدسي ا هـ. أقول: ومقتضى كلام أئمتنا المنع من ذلك إلا فيما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم على ما اختاره الفقيه فتأمل والله أعلم " انتهى.
وقد سبق أن الكيفية التي ذكرت ليست من السنة، حتى ولو كانت الصلاة بالصيغة الإبراهيمية.
وفقنا الله وإياك لما يحب ويرضى.
والله أعلم.
مختارات