" معالم على طريق التوفيق : رابعًا : الصلاة نور "
" معالم على طريق التوفيق: رابعًا: الصلاة نور "
ومن معالم التوفيق الكبرى ما أن تسمع «حي على الصلاة» «حي على الفلاح» إلا وتُسارع إلى الوضوء، فهذا علامة الإيمان والتوفيق.
نعم، قم إلى الصلاة متى سمعت النداء، وبكّر إليها ما استطعت، فهذا عنوان صدق المحبة، وأمارة التوفيق والفلاح.
إن الاستعداد للصلاة والانطلاق إلى المسجد والحرص كل الحرص على الصف الأول الذي زهد فيه كثير من الناس في هذا الزمن، ولو علموا قدر الأجر والثواب العظيم لمشوا إلى المسجد ولو حبواً على الرُكب !
عن أُبي بن كعب رضى الله عنه قال: كان رجل لا أعلم رجلًا أبعد من المسجد منه، لا تخطئه صلاة، قال: فقيل له أو قلت له: لو اشتريت حمارًا تركبه في الظلماء وفي الرمضاء، قال: ما يسرني أن منزلي إلى جنب المسجد، إني أريد أن يكتب لي ممشاي إلى المسجد ورجوعي إذا رجعت إلى أهلي، فقال صلى الله عليه وسلم: «قد جمع الله لك ذلك كله» وفي لفظ: «إن لك ما احتسبت» [صحيح مسلم] قال الإمام النووي (رحمه الله): فيه إثبات الثواب في الخُطى في الرجوع كما يثبت في الذهاب. ا.هـ.
ألم يقل ربنا في محكم التنزيل: " إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ " [يس: 12]؟
بل، بلغ ببعض ممن وفقهم الباري أن يتقدم للصلاة ولو لبضع دقائق قبل الآذان مسارعة ومسابقة للفضل والأجر، والله لا يضيع أجر من أحسن عملا.
ألم يقل ربنا في كتابه العزيز: " سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاء وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ " [الحديد: 21]؟ عن أبي هريرة رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات» قالوا: بلى يا رسول الله، قال: «إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطى إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط». [صحيح الجامع].
" أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا " [الإسراء: 78] فالصلاة نور هكذا قال نبينا صلى الله عليه وسلم، نور لك أيها الموفق في وجهك، نور لك في قلبك، نور لك في حياتك كلها، نور لك يوم القيامة، " يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ " [النور: 35] عن أنس رضى الله عنه مرفوعاً: «أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة الصلاة، فإن صلحت صلح سائر عمله، وإن فسدت فسد سائر عمله» [السلسلة الصحيحة].
إنها مفتاح التوفيق لخير الدنيا والآخرة.
إنها النور، إنها الهدى، إنها بوابة التوفيق.
الصلاة موطن تضرع وخشوع وإخبات وبكاء ودعاء.
فأين أنتم يا أصحاب الحاجات؟!
فها هي الأبواب قد فتحت لنا، فهل من مشمر؟ يقول ابن القيم (رحمه الله) في زاد المعاد: «الصلاة صلة بالله عز وجل، وعلى قدر صلة العبد بربه عز وجل تفتح عليه من الخيرات أبوابها، وتقطع من الشرور أساسها، وتفيض عليه مواد التوفيق من ربه عز وجل، والعافية والصحة والغنيمة والغنى والراحة والنعيم والأفراح والمسرات كلها محضرة إليه ومسارعة إليه» ا.هـ. فهذا عكرمة الصحابي الجليل يعبر عن نفسه قائلًا: «ما أذن المؤذن منذ أسلمت إلا وأنا في المسجد ومستعد لها بالأشواق».
فكيف هو حالنا اليوم مع صلاتنا؟! بل يقول ابن تيمية (رحمه الله): «وعماد الدِّين الذي لا يقوم إلا به هو: الصلوات المكتوبات، فينبغي الاعتناء بها ما لا تعنى بغيرها». ا.هـ. ولنقف قليلًا معا في كلام الغزالي (رحمه الله) حيث قال: «إنما يقبل الله من صلاتك بقدر خشوعك وخضوعك، فاعبده في صلاتك كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك، فإن لم يحضر قلبك ولم تسكن جوارحك، فهذا لقصور معرفتك بجلال الله تعالى، فعالج قلبك عساه أن يحضر معك في صلاتك، فإنه ليس لك من صلاتك إلا ما عقلت منها». ا.هـ.
«إن الرجل لينصرف وما كتب له إلا عُشر صلاته، تسعها، ثمنها، سبعها، سدسها، خمسها، ربعها، ثلثها، نصفها» [صحيح الجامع، عن عمار بن ياسر – حسن –].
ويؤكد هذا المعنى العلامة العثيمين (رحمه الله) قائلًا: «أشهد الله أننا لو أقمنا الصلاة كما ينبغي، لكنا كلما خرجنا من صلاة خرجنا بإيمان وتقوى راسخة» نعم، أول أسباب التوفيق والفلاح والنور تنطلق من المسجد، فإذا رأيت الرجل يكثر من الذهاب إلى المسجد خمس مرات في اليوم والليلة، فاعلم أن الله أراد بك خيرًا وتوفيقًا.
إضاءة على الطريق:
لمكانة الصلاة وعظمتها ؛ كانت الأمر الأول الذي يُحاسب عليه العبد يوم القيامة.
مختارات