" معالم على طريق التوفيق : خامسًا : ادعوا ربكم تضرعا وخفية "
" معالم على طريق التوفيق: خامسًا: ادعوا ربكم تضرعا وخفية "
ومن معالم التوفيق لعبده أن يدعو ربه الكريم العظيم في كل وقت وحين فهو القائل سبحانه: " وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُون " [البقرة: 186].
الموفق – حقًّا – من يكثر من دعاء ربه في كل ساعة وحين؛ لعله أن يوافق ساعة إجابة، فيظفر بمطلوبه، فيسعد سعادة لا يشقى بعدها أبدًا.
فإذا فتح الفتاح العليم على عبده باب الدعاء، تتابعت عليه الخيرات والبركات من كل مكان.
إذن أيها الموفق:
* من الذي يمنعك من دعاء ربك؟
من الذي يحول بينك وبين ربك؟
لو اجتمع من في الأرض جميعًا على أن يمنعوك، لم يستطيعوا؛ لأن الباب مفتوح بينك وبين ربك، ليس عليه حاجب أو ترجمان !
وصدق رسولنا الكريم حين قال: «الدعاء هو العبادة» [رواه أبو داود والترمذي، وقال: حديث حسن صحيح عن النعمان بن بشير].
الرسول الرؤوف الرحيم الذي طالما دعا ربه لنفسه وأهله وأصحابه وأمته والخلق أجمعين، حتى قال عنه ربه جل وعلا: " فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ " [فاطر: 8].
الموفق من يتحرى أوقات الإجابة، ويغتنم الفرص، ويسدد الهدف داعيًا لنفسه ولأهله وأمته بالتوفيق والسداد والصلاح.
قال ابن تيمية (رحمه الله): والعبد كلما كان أذل لله وأعظم افتقارًا وخضوعًا له، كان أقرب له وأعز له وأعظم لقدره، فأسعد الخلق أعظم عبودية لله " ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ " [الأعراف: 55].
ويحذر الشيخ أحمد الصويان حفظه الله قائلاً: العبد مهما بلغت منزلته، لا يأمن على نفسه الفتنة، ويخشى أن تجرفه رياح الأهواء والفتن، وإمام المتقين، يتضرع إلى الله بالثبات كما في الصحيح، فكيف بنا نحن المحاويج؟!
وتأمل معي في هذا الدعاء القرآني لهذا العبد الموفق: " رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ " [الأحقاف: 15].
أيها الموفق:
تعلَّم هذا الدعاء، وعلَّمه أهل بيتك ومن تحب، تفز بخير وأجر عظيم.
وما وُفِّق من وفق، وفاز من فاز، وسلك طريق التوفيق، وظل ثابتًا عليه حتى الممات، إلا بسبب دعوة صادقة خرجت من قلبه أو من قلب غيره فتحت لها أبواب السماء !
كم من فقير أغناه الله بدعوة وجهها إلى ربه أو وجهَّها له غيره في ظهر الغيب !
كم من صاحب حاجة قضى الله حاجته كان وراء ذلك تضرع وبكاء ودعاء !
كم من طالب علم سلك الطريق القويم، أصبح علمه مباركا أينما حل، كان بسبب دعوة أطلقها هو أو غيره خرجت من قلب أصاب إخلاصا، فتحت لها أبواب السماء !
كم من والد رُزق بأبناء صالحين مصلحين، كان وراء ذلك دعوة في ظهر الغيب !
ما أجمل أن يرفع العبد يديه إلى السماء داعياً ربه القادر المجيب الفعال لما يريد، طارحاً مسألته بذل وخضوع وخشوع وانكسار، فهو مجيب الدعوات وقاضي الحاجات، مفرج الهموم والغموم، عندها:
أبشر بالذي يسرك من الكريم الرحمن:
قال صلى الله عليه وسلم: «إن ربك حييُّ كريم، يستحي أن يبسط العبد يديه إليه فيردَّهما صفرًا» [صحيح الجامع (حسن) عن سلمان].
إنه أكرم من دُعي، وخير من رُجي، فأين السائلون لحوائجهم؟
وعن أبي هريرة مرفوعاً: «من سرَّه أن يستجيب الله له عند الشدائد والكرب، فليكثر الدعاء في الرخاء» [السلسلة الصحيحة].
إذن: هيا بنا نتعلم فن الدعاء.
أيها الموفق:
قم في الدُّجى قيام مشفق سائل منكسر بين يدي ربه، وأجب من ينادي:
هل من سائل فأعطيه؟
هل من داع فأستجيب له؟
هل من مستغفر فأغفر له؟
لعلك تحظى بالقبول الحسن والتوفيق الرشيد.
وصدق عمر الفاروق حين قال: إني لا أحمل همَّ الإجابة، ولكن أحمل همَّ الدعاء.
سهام الليل لا تُخطى ولكن لها أمدٌ وللأمد انقضاء
قال عطاء (رحمه الله): متى أطلق الله لسانك بالدعاء فاعلم أنه يريد أن يعطيك ما تشاء مهما عز مرادك وعظم مطلبك.
إنه الدعاء مفتاح لكل خير يناله العبد في الدنيا والآخرة، فنلزم هذا المفتاح العظيم؛ فإنه باب لجلب الخيرات، وتنزُّل الرحمات.
يقول ابن القيم (رحمه الله) في الجواب الكافي: الدعاء من أقوى الأسباب في دفع المكروه، وحصول المطلوب، وهو عدو البلاء، يدافعه ويعالجه، ويمنع نزوله، ويرفعه إذا نزل، أو يخفِّفه إذا نزل، وسلاح المؤمن، فإذا اجتمع مع الدعاء حضور القلب، وجمعيَّته بكليته على المطلوب، وصادف وقتًا من أوقات الإجابة، وصادف خشوعًا في القلب، وانكسارًا بين يدي الرب، وذُلًّا له، وتضرعًا ورقة واستقبال القبلة، وكان على طهر، ورفع يديه إلى الله تعالى، وبدأ بالحمد، والثناء عليه، ثم ثنى بالصلاة على محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم، ثم قدَّم بين دعائه رغبة ورهبة، وتوسل إليه بأسمائه وصفاته وتوحيده، وقدم بين يدي دعائه صدقة؛ فإن هذا الدعاء لا يكاد يرد.
أيها الموفق:
من الآن قل: يا ربِّ، أسألك التوفيق، وأطلب منك التيسير، ولا حول ولا قوة إلا بك يا رحمن يا رحيم.
اللهم وفقني لصالح القول والعمل، واحفظني من الخطأ والزلل يا أرحم الراحمين.
إضاءة على الطريق:
أخي: لا تدري متى تفتح لك أبواب السماء.
استمر في دعائك في كل وقت وحين؛ لعلك تفوز بدعوة مباركة.
مختارات