حديث من القلب إلى القلب إلى الأخت المتبرجة
أبتدئ بقصة ذكرها الشيخ " علي الطنطاوي " ـ رحمه الله ـ حيث قال: (رأيت في " بروكسل " عند ملتقى طريقين، وقد فُتح الطريق للمارة، عجوزاً لا تحملها ساقها، تضطرب من الكبر أعضاؤها، تريد أن تجتاز والسيارات من حولها تكاد " تدعسها " ولا يمسك أحد بيدها، فقلت لمن كان معي من الشباب: ليذهب أحدكم فليساعدها، وكان معنا الصديق الأستاذ " نديم ظبيان "، وهو مقيم في بروكسل منذ أكثر من أربعين سنة، فقال لي: أتدري أنَّ هذه العجوز جميلة البلد، وفتنة الناس، وكان الرجال يلقون بقلوبهم وما في جيوبهم على قدميها ليفوزوا بنظرة أو لمسة منها؟! فلما ذهب شبابها وزوى جمالها، لم تعد تجد من يمسك بيدها!!)
وفي يوم من الأيام، وقبل مدَّة من الزمان، كتب الأديب الأريب مصطفى صادق الرافعي في كتابه وحي القلم: (1/117) قائلاً: شرف المرأة رأس مال المرأة!!
فمن أضاعت شرفها أضاعت رأس مالها، وإنَّ من تضييع الشرف أن تقوم المرأة والفتاة الجامعيَّة بحجَّة الحريَّة لكي تلبس ما شاءت من الملابس الفاضحة أو الضيقة.. ظانَّة أنَّها حينما تبدي زينتها وجمالها وتخرج بكامل (الموضة) أو (التقليعات الجديدة)؛ فكأنَّها قامت بنصر تاريخي للحريَّة والإبداع!!!
أرجوك يا أختاه أن تسمعيني بقلبك وقالبك...
أتمنَّى عليك أن ترعي لكلامي الاهتمام، وأن تعيه وعياً كاملا، فمن أحبك في الحقيقة نهاكِ، ومن أبغضك أغراكِ، وإنَّا لا نرجو خلف هذه النصحية إلاَّ أن تكوني بنتاً وفتاة يضرب بها المثل في العفة والحياء، والتقدم والرقي، وأن تكوني بالفعل امرأة عصريَّة شرط اتباع سنَّة خير البريَّة صلى الله عليه وسلم:
فمهلاً يا ابنة الاسلام مهلاً *** رويـدك واسمعي للناصحينا
فيا أختاه هذا النـصح مني *** ألا يا حُــرة هل تسمعينا؟!
سأحدِّثك حديثاً لا يعرف الأغاليط.....
ولكن قبل ذلك أود أن أضع بين يديك استطلاعاً أجرته منظمة العفو الدولية في لندن، وشمل نحو 1000 رجل وامرأة، حيث كانت النتيجة أن السبب الأساسي لجرائم الاغتصاب التي يشهدها الشارع البريطاني، تعود لـ " عبث المرأة " و " لباسها الفاضح "، لتتحمل، بذلك، مسؤولية تعرضها للاعتداء!
وقد تفاجأ المشاركون في الاستطلاع بأن معظم جرائم الاغتصاب لا تتم من قبل غرباء كما كانوا يعتقدون، حيث تظهر الوقائع أن 80% من هذه الاعتداءات تحدث من قبل أصدقاء، أو أشخاص معروفين من قبل الضحايا !
ومن النتائج التي خلص إليها الاستطلاع، اعتبار 30 % أن العديد من النساء يتحملن مسؤولية تعرضهن للاغتصاب لأسباب عدة منها اللباس الفاضح والمظهر المثير!!
ومن هنا أتحدث إليك يا أختاه.. فلتسألي نفسكِ بصراحة وصدق ومسؤولية:
لماذا خرجتِ بهذه الألبسة المتبرجة والمزيَّنة؟
هل خرجت لأجل رضا الله تعالى؟
أو خرجت لأجل أن يراكِ الشباب فيعجبوا بكِ؟
فإن قلت: لا، لا ألبس هذه الألبسة لذلك فإنَّ هذا اتهام باطل من قائله، وإنَّما أخرج بتلك الملابس لأني أحب الموضة والأزياء الجديدة، ولأنَّ الله يحبُّ أن يرى أثر نعمته على عبده!
فأقول لك: إننا نعلم أنَّ بعضاً من النساء بسبب التربية التي تربَّين عليها لا يقصدن لبس ذلك اللباس الضيق أو السافر المتبرج...
ولكن ! استدلالك بأنَّ الله يحبُّ أن يرى أثر نعمته على عبده في هذا السياق غير صحيح، وذلك لأنَّ الله يحب ذلك حينما تكون المرأة تلبس الملابس الجميلة والأزياء الأنيقة دون أي خلل شرعي فيها أمام محارمها من الرجال أو بنات جنسها من النساء، أمَّا أن يكون ذلك على وجه الإطلاق فلا، فخروج المرأة من بيتها متبرجة متزينة مؤذن بخراب كثير من شباب المسلمين وفتنتهم، والمرأة في ذلك هي السبب، ثمَّ إن من أرادت أن تستدل بآية أو حديث فيجب عليها أن تؤمن بالقرآن كلِّه والسنَّة الصحيحة أجمعها، وليس بأن تستدل بما يوافق هواها.
ثمَّ لو خرجت المرأة بزينتها ولم يكن لديها قصد سيء، فإنَّ الشيطان يستشرفها، كما أخبر بذلك الرسول عليه الصلاة والسلام القائل: (المرأة عورة، فإذا خرجت استشرفها الشيطان) أخرجه الترمذي وقال: حسن غريب. وحسَّنه ابن حجر.
ومعنى استشرفها الشيطان كما ذكر العلماء، أي: يُزَيِّنها في نظر الرجال، ويقوم الشيطان اللعين وينصبهن شبكة يصيد بها الرجال فيغريهم ليوقعهم في الزنا، ويحاول أن يقرقر في أذنها ويوسوس في خلجات صدرها أنَّ فلاناً يراك بهذا اللباس الجميل الفاتن، وقد يعجب بك وهكذا، أو يريد بالشيطان: شيطان الإنس من أهل الفسق، سماه به على التشبه، كما قال المُنَاوِي ـ رحمه الله ـ.
فكيف إذا علمنا أنَّ كثيراً من الفتيات اليوم وبشهادتهنَّ أنفسهنَّ لهنَّ مقاصد غير محمودة في هذا اللباس الفاضح الضيق والشفَّاف! بل خروجهنَّ بهذه الملابس للفت الأنظار، وتفتيح الأبصار على جمالهنَّ..
وبعد ذلك فلنفترض أنَّ الشباب أعجبوا بك، فما المآل إذاً؟!
هل تريدين أن تقعي في شِبَاكِهِ فتكوني أسيرة لديه؟!
أو تريدين أن يقوم الشاب ويتحرِّش بكِ جنسيا؟!
أو تريدين أن تكوني مادة يتحدث بها الرجال عن جمالها وقد يكتبون اسمها ويعرِّضُون بشرفها في بعض كتاباتهم على الجدران أو رسائل الجوال أو الإيميلات!!
وإن كنت تقولين: لا، لا ألبس هذه الألبسة لذلك فإنَّ هذا اتهام باطل من قائله!
فأعود وأتحدث بصيغة الجمع...:
وإلاَّ فَلِمَ يلبسن هذا اللبس ويفتنَّ به أعين الشباب العزَّاب المساكين؟!!
ففتاة تلبس الملابس الضيقة وتضع الرائحة العطرة الجذّابة، وتتغنج في كلامها، وتتمايل في مشيتها، وتتزين بلباسها، هل تريد أن ينظر إليها الشباب على أنّها امرأة صالحة كالمرأة المحجَّبة حجاباً كاملاً بتدين وعقيدة وليس لبسه عندهنَّ لمجرد عادات وتقاليد ؛ لو فسح لهنَّ الأمر كذلك لخلعت الحجاب كذلك وقد حصل وللأسف!!
إنَّ المرأة المتبرجةَّ في لباسها سواء شعرت بذلك أو لم تشعر وقصدت أم لم تقصد لن تنتظر إلاَّ المعاكسين من الشباب الذئاب الذين يتحينون فرصة الإيقاع بها والذين سيجنون عليها ويقضون وطرهم منها ثمَّ يرمونها إلى حيث العار والشنار....
وماذا بعد ذلك؟!!
إنَّ هؤلاء الشباب سينظرون إليها على أنَّها فتاة قليلة الأدب والحياء !!
حتَّى لو لم يكن من ذلك زنا !
بل لمجرد صداقتهنَّ وكشف بعض اللباس عن جسدهنَّ وتغنجهن أمام الشباب وما يهذين به من حديث سيء، سيسقطهن أمام أعين الشباب...
وإني لأجزم أنَّ نسبة 99% من الشباب لو قيل لهم ألا تتزوج حبيبتك تلك ! أو صديقتك الفلانية التي خرجت معك لقالوا: لا، لن نتزوجهنَّ...!!
فنقول للشباب: ولماذا؟
فيجيبون: لن نتزوج إلاَّ المرأة الخلوقة العفيفة المتدينة والتي تحفظنا إن غبنا عنها، لأنَ هذه الفتاة التي خلت بي قد تكون عاشرت أو ضاحكت وخلت بأحد كان قبلي أو بعدي ما لا يعلمه إلاَّ الله، ولأنَّ هذه الطريقة في العلاقة ليست هي الطريقة الصحيحة للزواج !
وما أصعبها كذلك إن حصل بين تلك الفتاة وذلك الشاب خلوة غير شرعية، وحصل كذلك من التعري الكامل والأنفاس الشيطانيَّة.... فماذا هو كائن بعد ذلك؟
إنَّ هذا الذئب الشاب سينظر إلى فتاته تلك -بعد خداعه لها بمعسول كلامه- وقد ضاع شرفها وحياؤها بازدراء، لتبوء بعدئذٍ بضحكاته المتعالية عليها، محتقراً آدميتها...
ثمَّ قد يفضح أمر هذه الفتاة، أو يشيع خبرها في الجامعة بين الشباب وبين سكَّان قريتها أو مدينتها، وقد تكون فعلت أفعالاً لا تليق، فتبوء بالفشل في الحياة الاجتماعية والزوجيَّة، وتتحطم الحياة أمامها....
هذا إذا كان من قام بالتحرش بها شاباً ليست لديه مآرب سيئة...
فما البال إذا كانت لديه نوايا خبيثة بابتزاز الفتاة بعد تصويرها بصور فاضحة يجعل الفتاة تتجرَّع غصص العذابات وتكتوي بألم نار الشهوة التي جنت عليها وجذبتها إليه، ثمَّ تخلَّى عنها بل بات يبتزَّها لكي تبقى في حلقة الفساد وحمأة الرذيلة، فلا تتوب ولا تؤوب، وتبقى أسيرة له إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً...
وبالفعل فإنَّ كل نوائب الأسرة قد يسترها البيت إلاَّ عار المرأة كما يقول الأديب الرافعي!
فماذا نقول بعدئذ لمثل هؤلاء الفتيات المسكينات إلاَّ:على نفسها جنت براقش!!
كم دعا الناصحون من أهل العلم والدين والفضل والصلاح في الجامعة بأن تلبس المرأة اللباس الشرعي الكامل، وبألاَّ تنخدع بكلام الشباب ومعسول قولهم، وبألاَّ تتخذ الجامعة مكاناً للصداقة بل مكاناً لطلب العلم والمعرفة.
فلقد امتدح الله تعالى النساء الصالحات بقوله: (محصنات غير مسافحات ولا متخدات أخدان) وذلك يعني ألاَّ تتخذ أصدقاء لها من الشباب والرجال، فهي صفة للمرأة الفاسقة، والتي لا تأبه لكلام ربِّها تعالى ولا ترعوي حينما تسمع مثل هذا النهي لها عن مصادقة الشباب!
وكم ضحكت بعض الفتيات على هؤلاء واتهمنهنَّ بالتنطع والتزمت والرجعية والتخلف، ولكن بعد أن يقع الفأس بالرأس يتذكرن صدق نصح الناصحين:
بذلتهمو نصحي بمنعرج اللوى * فلم يستبينوا النصح إلاَّ ضحى الغد
إنَّ خير وسيلة يا فتيات الجامعة للتعامل مع شباب الجامعة، الإعراض التام عنهم، وعدم محادثتهم، وإن اضطررتنَّ للحديث معهم فبكل أدب ووقار وحشمة وبالقدر المطلوب، فلستنَّ أفضل من نساء الصحابة اللواتي أرشدهنَّ الرب تبارك وتعالى قائلاً:{يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ} ومعنى ذلك إن اتقيتن ربكن وقمتن بأوامره وأردتن رضاه فيرشدكن تعالى قائلاً: {فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ } وهذا دليل على أن حديثكنَّ مع الرجال لا بدَّ أن يكون بحزم ووضوح، ومن وراء حجاب؛ لكي يكون ذلك وقاية لكنَّّ من المعاصي ومقدِّمات الفاحشة، فحديثكنَّ بالأدب والحياء وليس حديثاً متميعاً رقيقاً وكأنَّكن تدعون الشباب لأن يقولوا لكنَّ ما لا تحمد عقباه!
مختارات